بعد تأخر أكثر من ساعة عن الموعد المحدّد للمؤتمر الصحافي، أعلن الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة في تونس، ليل الاثنين الـ24 من أغسطس (آب) 2020، هشام المشيشي، تركيبة الحكومة الجديدة، التي تكوّنت من 28 حقيبة وزارية (25 وزيراً ووزيرة، وثلاثة كتّاب دولة).
وضمّت الحكومة المقترحة ثماني نساء (سبعة وزراء، وكاتبة دولة)، وهو ما يمثل 28 في المئة، كذلك ضمّت الحكومة للمرّة الأولى في تاريخ تونس، كفيفاً، هو وليد الزّيدي، مرشحاً لوزارة الشؤون الثقافية.
وقال المشيشي، خلال المؤتمر الصحافي، "قرّرت تكوين حكومة كفاءات مستقلة تنكبّ على الاهتمام بالمنجز الاقتصادي والاجتماعي"، متعهداً أن "تعمل هذه الحكومة في كنف الاستقلالية والتعاون والاحترام مع الأحزاب، إيماناً بدورها، وأن تكون الحكومة في تفاعل مباشر مع الطيف السياسي."
وعرض المشيشي قائمة الوزراء على الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، للتثبت من خلو سجلاتهم من أي شبهات فساد أو تضارب مصالح أو قضايا تهرب ضريبي.
دمج وزارات اقتصادية
وفي إطار إعادة هيكلة الحكومة، وإيماناً من المشيشي بأهمية الملفات الاقتصادية والمالية المطروحة، قرّر دمج الوزارات الاقتصادية، مقترحاً علي الكعلي، وهو مصرفي اقتصادي ليبرالي، وزيراً للاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار.
فما حظوظ هذه الحكومة في نيل ثقة البرلمان؟ وهل تستجيب تركيبتها لمتطلبات المرحلة في تونس؟
لا خيار أمام الأحزاب
يستصعب الصحافي أيمن زمّال، في حديث إلى "اندبندنت عربية"، أنه "في وضع البلاد الحالي، أن تجد أشخاصاً ذوي خبرات إدارية لم يمارسوا السياسة، أو ليس لهم ميول سياسية. وهذا ما سيحرج المشيشي ويعرّضه للنقد هو وفريقه، بعدما أكد أن حكومته هي حكومة كفاءات مستقلة".
ويؤكد زمّال أنّ "لا خيار أمام الأحزاب السياسية سوى منح الثقة للحكومة المقترحة الجديدة، تجنباً لسيناريو حلّ البرلمان، والذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة". ويضيف "جميع الأحزاب الموجودة في البرلمان تخاف الذهاب إلى انتخابات مبكّرة، إذ تعي أن هذه الخطوة ستؤدي إلى تراجع تمثيليتها، وقد تغيّرت الموازين السياسية، نظراً إلى أدائها السلبي، خلال الفترة الماضية، وتركيزها على المعارك الجانبية، من دون معالجة الملفات التي يحتاج إليها التونسيون".
حكومة أمام تركة ثقيلة
ويعتبر الكاتب السياسي هشام الحاجي، في تصريح إلى "اندبندنت عربية"، أن "المرحلة التي تمرّ بها تونس غير مسبوقة في تاريخ البلاد. فالمناخ السياسي العام، وطنياً وإقليمياً، شديد الاضطراب، والحكومة المقترحة ستواجه تركة ثقيلة خلّفتها السنوات الماضية، من تفاوت اقتصادي واجتماعي، وتهميش وفقر، إضافة إلى تداعيات جائحة كورونا".
ويتابع "كي لا يكون سقف التطلعات عالياً منذ البداية، لا بدّ من أن ننتظر برنامج عمل هذه الحكومة حتى نحكم عليها"، مشدّداً على "ضرورة التدرّج في الإصلاحات التي تحتاج إليها البلاد في هذا الظرف الصّعب".
ويشير إلى أن "السير الذاتية لأغلبية أعضاء الحكومة المقترحين محترمة، خصوصاً في المجال الإداري. معظمهم من خريجي المدرسة القومية للإدارة، أو لهم تكوين قانوني، واشتغلوا في الإدارة. وهو عامل مساعد".
ويسأل الحاجي، "كيف ستتصرف الحكومة العتيدة مع ملفات شائكة وثقيلة، ولها تقاطعاتها وتداعياتها السياسية والاجتماعية؟ خصوصاً أنّ هذه الحكومة ستعمل من دون دعم مباشر من الأحزاب".
ويستبعد الحاجي إمكانية إسقاط الحكومة في البرلمان، نظراً إلى محدودية الخيارات أمام الأحزاب السياسية وتلويح رئيس الجمهورية قيس سعيد ضمناً بحلّ البرلمان.
ويضيف "هذه الحكومة ستعوّل في عملها على المنظمات الوطنية، على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل، وعلى الدعم المباشر من رئيس الجمهورية"، معتبراً أنها "حكومة الرئيس".
وفيما ينبّه إلى مناورات الأحزاب المبنية على عقلية المحاصصة والمواقف، يرجح "احتمال دخول الحكومة في صراع مباشر مع البرلمان والأحزاب. وهو ما يرجّح احتمال إسقاطها بعد فترة قصيرة من منحها الثقة. وهو ما يهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد".
ويُنتظر أن يعقد مكتب مجلس النواب في وقت لاحق اجتماعاً لتحديد موعد جلسته المخصصة لعرض حكومة المشيشي التي تحتاج إلى 109 أصوات.