ستجد الحكومة التونسية التي ستتقدم إلى مجلس النواب في الأول من سبتمبر (أيلول) المقبل لنيل الثقة، مواقف متناقضة منها داخل الكتل البرلمانية، خصوصاً أن عدم التصويت بنعم سيكون سبباً بحسب الدستور، لمنح رئيس الجمهورية الحق في حل المجلس والدعوة إلى إجراء انتخابات نيابية سابقة لأوانها في الأشهر الثلاثة التي تلي عدم منح الثقة للحكومة.
بعض الأحزاب أعلنت مساندتها للحكومة، مثل حزب "تحيا تونس"، بينما أعلن حزب التيار الديمقراطي رفضه لها وتصويته ضدها، وبقيت غالبية الأحزاب والكتل البرلمانية تتريّث قبل إصدار مواقفها وتحاول التعرف عن كثب على وزراء الحكومة الأساسيين.
في المقابل، يعتبر المحلل السياسي نبيل بلفقيه ما يحصل، بأنه يعكس حالة الارتباك التي تسيطر على الأحزاب، لا سيما وأنها تبحث عن معلومات عن الشخصيات التي تصدرت الوزارات السيادية، إذ ربما يشكل وجود شخصيات حقوقية مستقلة على رأسها، دافعاً لتعزيز حيادها وتأكيداً على قدرتها على العمل، بعيداً من الخضوع للأهواء الحزبية.
ويضيف في حديث لـ "اندبندنت عربية"، أن الحكومة الجديدة تضم أسماء سيكون لها تأثير كبير في إدارة الشأن الاقتصادي، وستكون قادرة إذا لم يعطّل عملها مجلس النواب، على إيجاد حلول واقعية وممكنة لعملية الإنقاذ الاقتصادي.
حضور المرأة مؤشر إلى النجاح
مفاجأة أخرى حملتها الحكومة الجديدة بوجود سبع نساء في مناصب وزارية، ويمثل ذلك للإعلامية سميه الدريدي مؤشراً إلى اختيار رئيسها الاعتماد على العنصر النسائي، وفتح المجال أمام الكفاءات النسائية التي تزخر بها تونس في مختلف الاختصاصات وهو انتصار واضح للمرأة ودفعها نحو المناصب الريادية والسياسية، ولئن كانت تسجل حضورها في ظل وضع متردٍّ ويقارب الكارثي بأتم معنى الكلمة، فهذا يعني أن مسؤوليتها ستكون مضاعفة حتى تشارك في إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتوضح الدريدي لـ "اندبندنت عربية" أن السياسيين لطالما اتخذوا المرأة ومدى مساهمتها في الحياة السياسية كورقة رابحة في برامجهم الانتخابية وحملاتهم الدعائية، من دون التغافل عن مسألة المساواة وما خلّفته من جدل واسع انعكس سلباً على المشهد السياسي، وكشف عن انقسامات عميقة داخل المجتمع، وعرّى المنطق الذكوري لدى كثيرين.
وبحسب الدريدي، يظهر ذلك أن رئيس الحكومة هشام المشيشي، لم يختر هذه الأسماء من فراغ، وإنما في تحدٍ واضح لكل أولئك الذين أبعدوها ولم يشركوها في العمل السياسي واكتفوا بها كواجهة وعنصر عرض وفرجة، واختيار الكفاءات النسائية دليل على الثقة بأنهن ستكنّ المنقذ والمعين للخروج من الأزمة التي تعصف بتونس.
مخاوف الأحزاب من الفشل
القلق من نجاح حكومة المشيشي، يحمل في طياته الكثير من الرسائل السلبية للأحزاب التي تخشى أن تحمل مسؤولية ما آلت اليه الأوضاع في تونس من سوء، والذي يمثل بحسب الحقوقية والناشطة السياسية خوله الزعزاع مؤشراً إلى أن الأحزاب فشلت في تحويل شعاراتها إلى واقع ملموس. والعنوان الوحيد الذي ميّز فترة ما بعد الثورة "عدم الاستقرار السياسي" الذي كانت له تداعياته السلبية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمالية للبلاد.
وتضيف الزعزاع في حديث لـ "اندبندنت عربية"، أن الأوضاع ازدادت سوءاً بسبب حالة البلاد المتردية، في ظل مشهد برلماني يتميز بالصراعات الحزبية. "لذلك تبدو حكومة الكفاءات المستقلة الحل الأمثل لهذه المرحلة، لضمان الحد الأدنى من الاستقرار الحكومي، بعيداً من تضارب مصالح الأحزاب وابتزازاتها لمكوّنات الحكومة. وهي كذلك فرصة جيدة للأحزاب لتعيد هيكلة نفسها وتقيّم عملها، وفرصة لمكونات البرلمان لتركز على العمل على مشاريع القوانين ذات الأهمية القصوى من جهة، والعمل على رص صفوف الكتل البرلمانية أكثر لتجنب التشرذم الحالي الذي عطّل عمل المجلس النيابي كما عطّل تمرير قوانين عدة، إضافةً إلى إنهاء تأسيس المحكمة الدستورية وبقية الهيئات الدستورية".
وتعتبر أن وجود أسماء ليست معروفة داخل الحكومة، ولكن بعض الأصداء تشهد بكفاءتها في مجالاتها، نقطة إيجابية قد تكون عامل نجاح التركيبة الحكومية إن توفرت لها الظروف الملائمة للعمل، لأنه من المهم أن تكون وزارتي الداخلية والدفاع، نظراً إلى علاقتهما المباشرة بالأمن القومي للبلاد، بعيدتين من التجاذبات الحزبية، و"يجب أن توضع على رأسها كفاءات من صلب الوزارة وعلى دراية كاملة بطريقة تسيير هذه الوزارات ليكون العمل ذا نجاعة حقيقية".
فوضى الحكم أو حكومة الفوضى
ثمة كثير من القضايا الإشكالية التي رافقت الإعلان عن الحكومة، أولها خطأ في اسم أحد الوزراء بين القائمة التي أفصح عنها رئيس الحكومة والتي نشرتها رئاسة الجمهورية، ومن ثم تعيين وزير الثقافة وليد الزيدي الذي استعفى من المهمة بعد ذلك وتم إعفاؤه، والذي شكل تعيينه بصفته من ذوي الاحتياجات الخاصة (ضرير) حالة من ردود الفعل التي كانت قاسية تجاه شخصه من قبل كثيرين، دفعت به إلى الاعتذار عن قبول المهمة. كل ذلك كان بمثابة نقاط سلبية في أولى خطوات الحكومة.
في هذا السياق، تعتبر الإعلامية ريم قمري أن التخبط العشوائي والعمل غير الاحترافي اللذين يمثلان السمة الأساسية لحكومة هشام المشيشي، يظهران عملاً غير منظم، يتّسم بالارتجالية وعدم التنسيق والتسرع وتوضيح المعلومات والمعطيات اللازمة لوسائل الإعلام، مما وضعه في مأزق أقل ما يقال عنه إنه فضيحة اتصالية بامتياز، ليجد نفسه وفريقه الحكومي الذي لم يحصل بعد على المصادقة في البرلمان، أمام ما يشبه فيلم "كوميديا سوداء" بعنوان تشابه أسماء بين الوزراء.
وتنبّه قمري في حديثها لـ "اندبندنت عربية" إلى أن ما يحصل "يجعلنا نتساءل بصدق عن كيفية إدارة العمل في صلب الفريق العامل مع رئيس الحكومة، أو إلى هذه الدرجة وصلت الأمور حتى صرنا نتحدث عن حكومة هواة. صحيح أن أخطاء البدايات يمكن تجاوزها لكنها تزرع في الطريق العام شكوكاً حول مدى نجاعة رئيس الحكومة وفريقه في مواجهة حقول الألغام الحقيقية التي تنتظره، أم أن شؤون الدولة ستدار مستقبلاً عبر تدوينات على صفحات التواصل الاجتماعي؟".
انتظار المجهول
ويبقى الشارع في تونس ومعه الحكومة ينتظران ما ستؤول إليه نتائج جلسة التصويت على منح الثقة التي ستعقد أول الشهر المقبل، والتي على ضوئها سيتحدّد مصير الحكومة والحكم ومجلس النواب، والأهم مصير تونس ومستقبلها الذي يواجه تحديات كبيرة صعبة.