في السابع عشر من شهر مارس (اذار) الحالي، حدثت اشتباكات مُسلحة بين عناصر تابعة للفوج الأول للواء 72 من الجيش العراقي ومجموعة من مُقاتلي "قوات حماية شنكال" الأكراد في منطقة خانيصور التابعة لمنطقة سنجار اليزيدية، أدت إلى مقتل جُنديين عراقيين وإصابة خمسة عناصر من "قوات حماية شنكال".
تضاربت الأنباء حول الأسباب التي أدت الى حدوث تلك الاشتباكات، إذ ذكرت خلية الإعلام الأمني، الجهة الرسمية المرتبطة برئيس الوزراء العراقي أن قوة من حزب العُمال الكُردستاني استدعت مساندة من عناصر قوات حماية شنكال بعدما طالب أحد الجنود من عناصر هذه القوة استحصال الموافقات الأمنية بغية السماح لها بالمرور.
تكررت الاشتباكات في اليوم التالي، لتعود خلية الإعلام الأمني وتُعدِّل من روايتها، مشيرة إلى أن الأحداث حصلت بعدما تسلل أربعة اشخاص من الأراضي السورية نحو العراق، وحين حاولت القوات العراقية منعها، ناصرت المجموعة عناصر من "قوات حماية شنكال"، وحدث الصِدام طوال تلك الفترة.
مجلس "الإدارة الذاتية" في سنجار، الواجهة الإدارية والسياسية لـ "قوات حماية شنكال"، أتهم القوات العراقية بالاعتداء المُتكرر على أهالي سنجار، وأنها تتقصد حصارهم عبر غلق المنفذ الوحيد لهم مع سوريا. واتهم الحكومة والجيش العراقيين بأنهما لم يقوما بواجبهما ومسؤوليتهما تجاه أطفال ونساء الطائفة اليزيدية، وتركوهما ضحايا لتنظيم داعش الإرهابي، في حين قامت "قوات حماية شنكال" بحمايتهم وإجلائهم من مناطق التنظيم.
فتحت هذه الأحداث الباب واسعاً أمام السؤال عن مسُتقبل السيطرة الأمنية والعسكرية والسياسية على المناطق اليزيدية في أقصى شمال غرب محافظة نينوى. حيث راهناً توجد أربع قوى عسكرية وسياسية تُسيطر على تلك المنطقة: الجيش العراقي، وفصائل الحشد الشعبي "الشيعي"، و"قوات حماية شنكال" المُرتبطة بحزب العُمال الكُردستاني، مع وجود إداري وأمني لقوات البيشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكُردستاني.
تغيرات دراماتيكية
في العاشر من يونيو "حزيران" عام 2014، احتل داعش مدينة الموصل، ثم بدأ التنظيم حملته ضد المناطق اليزيدية في غرب مدينة الموصل في الثالث من شهر أغسطس في ذلك العام، وارتكب أثناء تلك الحملة الكثير من الجرائم الفظيعة بحق السُكان المحليين في المدينة ومحيطها. ثم وسَّع التنظيم عملياته باحتلال المناطق الشرقية والشمالية لمدينة الموصل. وقتها تدخل مقاتلو حزب العُمال الكردستاني المُتمركزين في معسكراتهم في الجبال الفاصلة بين إقليم كردستان العراق وتُركيا.
أسهم حزب العُمال الكُردستاني بحوالي 500 مُقاتل من المُدربين على حروب المُدن. وتطوَّع المئات من المُقاتلين اليزيديين المحليين، حتى باتوا قُرابة الخمسة آلاف مُقاتل، موزعين على الشكل الآتي: وحدات مقاومة سنجار (YBS) والحشد اليزيدي، ووحدات حماية المرأة في سنجار، وثمة فصيل عربي صغير تابع لهذه القوة يُسمى "النوادر"، وهم من عشيرة شُمر العربية، التي يتحالف زعيمها المحلي في سوريا "حميدي دهام الهادي"، مع وحدات حماية الشعب YPG الكردية السورية، التابعة أيضاً لحزب العُمال الكردستاني. وقد أسهمت هذه الوحدات بشكلٍ كبير في فك الحِصار عن المدينة وآلاف اللاجئين اليزيدين الذين لازوا بالجِبال القريبة.
في شهر أكتوبر "تشرين الثاني" من العام 2015، استطاعت قوات البيشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكُردستاني تحرير بلدة سنجار. لكن "قوات حماية شنكال" لم تنسحب من تلك المنطقة، وظلت تعتبر نفسها القوة العسكرية والأمنية والسياسية والإدارية الوحيدة الشرعية لحُكم تلك المناطق.
وفي شهر أغسطس من عام 2015 طالبت المؤسسات التابعة لحزب العُمال الكُردستاني بأن يتم تشكيل كانتون (إقليم) خاص بسنجار وبقية المناطق اليزيدية، وغير تابع لإقليم كُردستان العراق. هذه المطالبة واجهها الحزب الديمقراطي الكُردستاني برفض شديد، واعتبرها تدخلاً من قِبل "العُمال الكُردستاني" في شؤون الإقليم، وقد يؤدي الى مواجهة غير حميدة بين "الأخوة".
بقيت الأمور على هذا المنوال، من هيمنة مُشتركة على المناطق اليزيدية، بين قوات البيشمركة و"قوات حامية شنكال". إلى أن حصلت أحداث 17 أكتوبر من العام 2017، حين أعاد الجيش العراقي وفصائل الحشد الشعبي السيطرة على المناطق المُتنازع عليها، في محافظة كركوك والمناطق اليزيدية في محافظة نينوى (الموصل). انسحبت بموجبها قوات البيشمركة الكُردية، بينما حدثت تفاهمات بين فصائل الحشد الشعبي و"قوات حماية شنكال" الكُردية.
شرعيات
يرى الحزب الديمقراطي الكُردستاني أن بلدة سنجار ومحيطها جزء طبيعي من المناطق اليزيدية في إقليم كُردستان العراق، وجزء من مناطق نفوذه التقليدية. وتالياً هو القوة الشرعية الوحيدة التي يجب أن تُسيطر تلك المناطق. فهو السُلطة الرسمية لإقليم كُردستان العراق، والمناطق اليزيدية هي من الأراضي ذات الأغلبية السُكانية الكُردية، وفي المعتاد يحصل "الديمقراطي الكُردستاني" على غالبية الأصوات في جميع الانتخابات التي جرت وتجري فيها.
تُساند تُركيا "الديمقراطي الكُردستاني" في إعادة هيمنته على المناطق، وذلك لتقطع الطريق على حزب "العُمال الكُردستاني" الذي قد تؤدي سيطرته الى قطع الطريق بين تُركيا والمناطق التُركمانية شمال العراق.
بدوره يسعى حزب "العُمال الكُردستاني" الى زيادة مناطق نفوذه وهيمنته العسكرية في أكثر من دولة إقليمية. فهو وبمساحة سيطرته الفعلية على مناطق شاسعة من المناطق الكُردية في شمال سوريا، أعاد تنظيم أدواته كلاعب فاعل في توازنات القوى في المنطقة، وأحيا بزخم أكبر صراعه التقليدي مع الدولة التُركية.
الحكومة المركزية العراقية ترى نفسها صاحبة السيادة الوحيدة على مناطق العراق كافة، ومن ضمنها طبعاً منطقة سنجار وبقية المناطق ذات الأغلبية السُكانية اليزيدية في غرب محافظة نينوى، وأن كل القوى العسكرية التي لا تحصل على موافقة السُلطة المركزية العراقية يجب أن تُحل وتُفكك.
بدورها فصائل الحشد الشعبي ترى انها تُمثل سُلطة الدفاع عن سيادة العراق الشرعية، بحسب قانون الحشد الشعبي الذي اصدره البرلمان العراقي.
بين تلك الصراعات، يعيش مئات الآلاف من أبناء الطائفة اليزيدية، المحرومين من أشكال الحياة الطبيعية، بما في ذلك الحق بالحياة.