قبيل زيارة جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إلى المغرب، يسود الصمت الجهات الرسمية في الرباط حول ما إذا كانت البلاد ستلتحق بالإمارات في إبرام اتفاق تطبيع مع إسرائيل. ويثير التطبيع جدلاً واسعاً وانقساماً في المغرب بين من يرى أنه سيعزز السلام بين تل أبيب والدول العربية من "خلال التسامح والتجارة والسياحة والتبادل الثقافي"، ومن يرفضه بالمطلق، معتبراً أنه سيساهم "في مواصلة انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني".
انسجام مع قرارات الشرعية الدولية
صرح المتخصص في العلاقات الدولية، بوبكر أونغير، بأن "الدبلوماسية المغربية متوازنة عبر التاريخ، منذ عهد الراحل الملك الحسن الثاني". وأضاف أن "ملك المغرب يشغل منصب رئيس لجنة القدس المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي، ويحرص على حقوق الشعب الفلسطيني، وهو منسجم مع قرارات الشرعية الدولية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية".
وتابع أونغير أنه "من مميزات الدبلوماسية المغربية أنها لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى، لأنها تعتبر أن قراراتها تهم الشأن الداخلي وسيادة الدول".
جائحة كورونا والمشاكل الاقتصادية
شدد أونغير على أن المغرب "يحترم العلاقات الدولية، ويحترم آراء كل الدول، بينما يحافظ على مسافة في هذا الموضوع، لأن المغرب لم يعرب حتى الساعة عن موقفه بشأن هذه القضية. كما أن الدبلوماسية المغربية عودتنا على التوازن، لأنها ربما لديها قضايا أخرى ذات راهنية وتشغل الرأي العام المغربي، وبخاصة مع جائحة كورونا والمشاكل الاقتصادية". وأضاف "أعتقد أن تصريح رئيس الحكومة سعد الدين العثماني (ينتمي إلى حزب العدالة والتنمية الإسلامي) ينسجم مع موقفه الحزبي، لأن موقف الإسلاميين واضح من القضية، وهذا رأي يمثله وحزبه، بينما وزارة الخارجية المغربية ما زالت لم تعبر عن موقفها حول قضية التطبيع مع إسرائيل".
مواصلة انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني
كان رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، قد أعرب في وقت سابق عن رفضه تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وقال أمام اجتماع لحزب العدالة والتنمية الإسلامي، إن "المغرب يرفض أي تطبيع مع الكيان الصهيوني؛ لأن ذلك يعزز موقفه في مواصلة انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني".
وأوضح العثماني، وهو الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الحاكم، أن "موقف المغرب ملكاً وحكومةً وشعباً هو الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والمسجد الأقصى المبارك، ورفض أي عملية تهويد أو التفاف على حقوق الفلسطينيين المقدسيين وإسلامية المسجد الأقصى والقدس الشريف".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الحياد المغربي
من جهته، صرح المتخصص في العلاقات الدولية بوبكر أونغير بأن "المغرب يحافظ على الحياد ويحافظ على مسافة من كل الدول، والانقسام الحالي حول الملف في المغرب أمر طبيعي، لأن كل فرد يعبر انطلاقاً من ثقافته وخلفيته الأيديولوجية". وأشار إلى أن "للمغرب حالياً انشغالات اقتصادية، ويطمح أيضاً إلى تعزيز مكانته مع الاتحاد الأفريقي، ولديه توجه نحو أفريقيا بحثاً عن شركاء اقتصاديين جدد، بهدف تجاوز الأزمة الاقتصادية في البلاد".
"الشارع العربي لم ينفجر"
في سياق متصل، لفت مالك جريدة "الأحداث المغربية"، أحمد الشرعي في مقال رأي نشر في صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، إلى أن "العالم العربي بدا هادئاً على نحو يدعو للاستغراب، إثر إعلان الإمارات اتفاق السلام مع إسرائيل. والشارع العربي لم ينفجر".
واعتبر الشرعي أن الاتفاق يعد بمثابة "نصر استراتيجي لكل من إسرائيل والإمارات"، مضيفاً أن "إسرائيل شرعت في مسارها نحو التطبيع مع حكومة عربية للمرة الثالثة في تاريخها".
وتابع مالك جريدة "الأحداث المغربية" قائلاً إن "رئيس الحكومة المغربية انتقد اتفاق السلام، لكن ما حدث بعد ذلك يتسم بالأهمية، إذ تراجع عقب أيام عن ملاحظاته، مصوباً أنه كان يتحدث بصفته الشخصية، وليس كمسؤول حكومي".
"السياسة الخارجية اختصاص الملك"
أوضح الشرعي في مقاله أن "العثماني لا يتحدث باسم المغرب في السياسة الخارجية بموجب الدستور المغربي الذي صدق عليه الناخبون عام 2011، فإن السياسة الخارجية والدبلوماسية والأمن الوطني هي حصراً من صميم اختصاص الملك". وأضاف الكاتب أن "الجهد الدبلوماسي الذي بذله (صهر ترمب ومستشاره) جاريد كوشنر على مدى ثلاثة أعوام بدأ يؤتي ثماره، لأن عرباً كثيرين، وأنا من بينهم، يتمنون أن يشهدوا اليوم الذي يزدهر فيه العرب والإسرائيليون معاً بسلام من خلال التسامح والتجارة والسياحة والتبادل الثقافي".
وكان رئيس الحكومة المغربية قد صرح بأن موقفه رفض التطبيع مع إسرائيل يمثل حزبه، مؤكداً أنه لا يسعى إلى التشويش على الزيارة المرتقبة لجاريد كوشنر إلى المغرب، والتي تأتي في سياق مسعى إلى إحداث تقارب بين دول عربية وتل أبيب عقب الاتفاق الإماراتي - الإسرائيلي.