عاد الأفارقة النازحون إلى شوارع الجزائر بشكل مفاجئ بعد اختفاء منذ ظهور فيروس كورونا. وبالرغم من استمرار الحجر الصحي المطبق في إطار مواجهة الجائحة، إلا أن ذلك لم يمنع العائلات الأفريقية القادمة من دول الساحل الصحراوي من افتراش الأرصفة، وممارسة التسول بشكل يطرح عدداً من التساؤلات.
لا إجراءات
النازحون الذين فروا من النيجر ومالي وتشاد وغيرها من الدول الأفريقية بسبب الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية المتدهورة، اتخذوا من ورش البناء والمساكن المهجورة وغير المكتملة وأقبية العمارات أماكن إقامة ليلاً، حيث تنعدم أبسط المتطلبات الصحية وضروريات الحياة، فيما ينتشرون نهاراً عبر عدد من النقاط التي تعرف بالحركة والنشاط لممارسة "التسول"، الذي بات مهنة غالبية العائلات الأفريقية النازحة، في حين يعمل بعض الذكور في ورش البناء والتجارة، ولكن بنسب ضعيفة بسبب الوضع الصعب الذي أفرزته الأزمة الصحية، إذ باتت نشاطات اقتصادية وتجارية عدة على حافة الإفلاس.
وبينما ارتاح الشارع لعمل بعض الأفارقة في ورش البناء والتجارة، عبرت فئات واسعة من الجزائريين عن قلقها من توسع ظاهرة التسول هذه، من دون احترام إجراءات الوقاية من كورونا، مثل التباعد الاجتماعي ووضع الكمامات وغسل اليدين، إذ يجوبون الشوارع مستعطفين المارة من أجل الحصول على النقود والأكل واللباس، بخاصة الأطفال الصغار منهم.
مخاوف صحية وتحديات
في السياق ذاته، يعتبر أستاذ علم الاجتماع كمال بوحمودة في تصريح إلى "اندبندنت عربية"، أن عودة الأفارقة إلى الشوارع في هذه الفترة الحساسة من دون تحرك السلطات يطرح أسئلة حول الأسباب. وقال إنه يجب تخصيص مأوى لهم، وإجراء فحوص طبية دورية، مع توعيتهم بضرورة التقيد بشروط الوقاية من الفيروس، حماية لهم وللجزائريين.
وأضاف بوحمودة أن ظهور الأفارقة بشكل مفاجئ يؤكد أن هناك موجة جديدة من النزوح من مالي والنيجر، بخاصة في ظل بيانات وزارة الدفاع التي تتحدث عن توقيف مهاجرين على الحدود الجنوبية.
ويشير بوحمودة إلى أن أعداد المهاجرين في الجزائر تراجعت بعد ترحيل بعضهم إلى بلدانهم، ومغادرة آخرين ضمن رحلات الهجرة غير الشرعية نحو سواحل إسبانيا غرباً بعد دخول المغرب، وإلى إيطاليا عبر ليبيا وتونس، لكن هذه الظاهرة عادت مع توتر الأوضاع في الدول الأفريقية، ما يضع الجزائر أمام تحديات صعبة على كل المستويات.
قلق من إعادة تصميم العالم
وكان وزير الداخلية الجزائري كمال بلجود صرح في وقت سابق، أن ظاهرة تدفق المهاجرين الأفارقة تشغل الجزائر في بعديه الأمني والإنساني، وشدد على أن بلاده مستعدة وحريصة على توطيد التعاون مع مختلف الشركاء من أجل التحكم الأفضل في تدفق المهاجرين غير الشرعيين، وفق منظور متوازن أساسه التعاون والتضامن، مع مراعاة العلاقة بين الظاهرة وعاملَي التنمية والأمن لمواجهة تداعياتها على المنطقة.
كما وضعت الحكومة الجزائرية آلية جديدة من شأنها التكفل بالنازحين الأفارقة من دون تقييد حريتهم أو التعرض لكرامتهم، وفق التقاليد التضامنية مع الجيران والأشقاء، بحيث تسمح خطة العمل التي وضعت بالتنسيق مع وزارات الداخلية والخارجية والدفاع والتضامن، بتتبع العدد الحقيقي للنازحين، وتحديد سبل تقديم المساعدة لهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن الحكومة عبرت عن قلقها، بالقول إن "المهاجر غير الشرعي بحد ذاته لا يقلق الجزائر، بقدر ما يقلقها ما وراء هذه الأعداد الهائلة من المهاجرين غير الشرعيين، لا سيما أن الأوضاع تشهد حالياً إعادة تصميم العالم، وتوازن القوى في قارة أفريقيا، وما تزخر به من ثروات".
من جانبه، يرى الإعلامي حكيم مسعودي في حديث إلى "اندبندنت عربية"، أن الجزائر على المستوى الديبلوماسي كما على مستوى الواقع، تتعامل بكثير من الليونة والتفهم والإنسانية مع اللاجئين، خصوصاً الأفارقة منهم، إلى درجة غض الطرف عن وجودهم بأعداد كبيرة، لكنه يوضح أن الظاهرة تقلق الجزائر من ناحية تداعياتها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية المحتملة، إذ تخشى من اختراق أطراف معادية للطوق الأمني الحدودي بالطريقة الناعمة، بعدما فشلت في التسلل وتمرير كميات من الأسلحة.
كما تتخوف من أن تتحول أراضيها إلى منطقة لجوء مستديم بعدما كانت نقطة عبور أو لجوء موقت، وهي غير قادرة اقتصادياً على استيعاب ضغط أكبر.
ويشير مسعودي إلى أن الجزائر تتكفل بعشرات الآلاف من اللاجئين الصحراويين منذ منتصف السبعينيات بعد احتلال المغرب لبلادهم، وطلبت من المجتمع الدولي والقوى الأوروبية تحمل مسؤولياتها تجاه هؤلاء اللاجئين، على اعتبار أنها أكبر متسبب في وضعهم، مضيفاً أن ظروف الجائحة تجعل حصول هؤلاء الأفارقة على فرصة عمل أمراً صعباً في ظل تقلص الوظائف الحرة التي كانت تفسح مجالاً للعمل من دون تصريح للأفارقة المهاجرين.
موجة هجرة جديدة
وتولي الجزائر أهمية بالغة لظاهرة نزوح الأفارقة، وتعبر عن مخاوفها منها مع كل مناسبة، في ظل ظروف داخلية صعبة وإقليمية متوترة، وآخرها ما صرح به أمس وزير خارجيتها صبري بوقادوم، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره التركي في أنقرة، إذ حذر من موجة هجرة جديدة تهدد دول شمال أفريقيا بسبب الأوضاع التي تشهدها دول الساحل الأفريقي على غرار مالي. وأشار إلى أن أكثر من 40 ألف شخص انتقلوا إلى المناطق الحدودية خوفاً من تداعيات الانقلاب الحاصل في البلاد.