قبل ثلاثة أيام أطل الرئيس الأميركي دونالد ترمب من مدينة كينوشا، واصفاً الاحتجاجات المناهضة للعنصرية على خلفية حادث إطلاق نار مواطن أسود بأنها أعمال "إرهاب داخلي"، وأمس وصل جو بايدن إلى المدينة نفسها الواقعة بولاية ويسكونسن، ليعلن تضامنه مع المتظاهرين، في مبادرتين متشابهتين شكلاً، لكن مضمونهما يكشف تباين عقلية المرشحين الرئاسيين.
فما بين المطالبة بتطبيق القانون والدعوة إلى التضامن الشعبي، يبقى تحديد المنتصر، مسألة لن تحسمها إلا صناديق الاقتراع في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، لكن أي الطريقتين تبدو أكثر نجاحاً وحظاً، سؤال افتراضي، أجوبته مفتوحة على جميع الاحتمالات، فبينما يوجد جمهوريون يطالبون بفرض النظام باستخدام أي وسيلة تعيد هيبة الدولة، هناك ديمقراطيون لا يكفون عن التنديد بآلية إخماد المظاهرات الحالية.
بسط الاستقرار
يتهم ترمب بمحاولة تشتيت الانتباه عن طريق معالجة إدارته لوباء (كوفيد – 19)، من خلال تسليط تركيز العملية الانتخابية المقبلة على التوترات العرقية المتصاعدة، وبالتالي فإن الرئيس سوف يتمكن من التفوق على الديموقراطيين عبر تأكيد حرصه على حماية القانون والحفاظ على الأمن.
وفي كينوشا، اعتبر ترمب ما حدث إرهاباً داخلياً لا أعمال احتجاج سلمية، وتصدرت صورته وهو يتأمل بنظرات حادة أنقاض منطقة تأثرت بالاضطرابات التي أعقبت مقتل جايكوب بليك منصات التواصل الاجتماعي، وفي كواليس وصوله، نصبت الشرطة حواجز على طول طريق موكب ترمب، حيث تبادل مؤيدوه وأنصار حركة "حياة السود مهمة" الهتافات المضادة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كانت إطلالة الرئيس الجمهوري الأخيرة في ويسكونسن مهمة لزيادة حظوظه في الانتخابات المقبلة، نظراً إلى أنه لم يفز العام الماضي، بصوت الولاية، أمام هيلاري كلينتون إلا بفارق ضئيل، في حين عارض كل من حاكمها وعمدتها الديموقراطيين زيارته، كونها قد تزيد التوتر القائم، واتهمه خصمه بايدن بالتحريض على العنف.
لكن ترمب من جانبه لم يبدِ استجابة لهذه المطالب، كما أنه لم يلتقِ بعائلة الضحية التي أشعلت المظاهرات، بل على العكس نوه بمجهودات القوات الأمنية التي أوقفت "الاحتجاجات العنيفة"، وزار متجراً متضرراً قال لملاكه، "سنساعدكم في إعادة البناء". وبغضون ذلك فتحت حملة بايدن، النار على الرئيس، في بيان قالت فيه، "فشل ترمب مرة أخرى في ملاقاة الواقع، رافضاً التفوه بالكلمات التي يحتاج إلى سماعها سكان ويسكونسن والأميركيون في أنحاء البلاد، إدانة للعنف بكل أنواعه بغض النظر عمن يرتكبه".
في الضفة الأخرى، هناك من لا يريد الخراب لمدينته، رسالة أوصلها مؤيد لترمب من خلال لافتة كتب عليها "شكراً لك على إنقاذ بلدتنا". اليوم رغم تداعيات فيروس كورونا وموقف إدارته غير القوي، يراهن الرئيس الأميركي على الاستقرار، وهو رهان لا يستهان به لأنه يعني الحفاظ على وظائف الأفراد ونمو الاقتصادات المحلية، وهذا وفقاً لقراءات في توجه الإدارة الحالية لا يتأتى إلا بقوة القانون، وإعادة هيبة الدولة.
شعلة التضامن
المرشح الديموقراطي من جانبه، ظهر في ويسكونسن حاملاً شعلة التضامن مع الأميركيين من أصول أفريقية، والتقى، أمس الخميس، عائلة جايكوب بليك، الأميركي الأسود الذي أثار إطلاق الشرطة النار عليه في أغسطس (آب) الماضي، موجة جديدة من الاضطرابات في الولايات المتحدة.
تعكس زيارة بايدن احتدام السباق الرئاسي الأميركي، إذ إنها تشكل تحولاً مهماً في إستراتيجيات المرشح الديموقراطي (77 عاماً)، الذي عكف خلال الفترة الماضية على تجنب السفر بسبب فيروس كورونا، وأدار حملته وعقد مؤتمراته الصحفية من مدينة ويلمينغتون بولاية ديلاوير، في حين يأمل ألا تبوء محاولته الثالثة بعد عامي 1988 و2008 للوصول إلى الرئاسة بالفشل.
وبحسب ما أفادت رويترز، فمن المقرر أن يعقد بايدن اجتماعاً محلياً في كينوشا بولاية ويسكونسن، التي يصبو الحزبان للظفر بصوتها الانتخابي المتأرجح، في وقت يتهم نائب الرئيس السابق، الرئيس الجمهوري بإذكاء حدة الصراع من أجل تخويف الناخبين، كما قال في خطاب ألقاه في بيتسبيرغ، الإثنين الماضي، "ينظر دونالد ترمب إلى هذا العنف ويعتبره حبل نجاة سياسياً".
تفكيك الشرطة
في الآونة الأخيرة، برزت في ولايات أميركية تحركات تعارض بشكل ضمني مبدأ العقد الاجتماعي الذي تكرسه الدولة الحديثة، القائمة على الحقوق والواجبات المتبادلة بين الحاكم والمحكوم، في حين يعتبر مناهضو هذا التوجه، أن حل قوة إنفاذ القانون مثل الشرطة هو إسقاط ناعم للقانون نفسه.
يطالب الديموقراطيون بإصلاح جذري لأجهزة الشرطة المتهمة بالعنصرية ضد السود، وفي ولاية مينيسوتا التي شهدت اندلاع شرارة التظاهرات الواسعة هذا العام، وافق مجلس مدينة مينيابوليس الأميركية، يونيو (حزيران) الماضي، بالإجماع على قرار يسعى لتشكيل نظام للأمن والسلامة العامة بقيادة المجتمع، ليحل محل إدارة الشرطة بعد وفاة جورج فلويد على يد أفراد من شرطة المدينة.
وبينما يعتبر الديموقراطيون قرارات الجمهوريين لا تعالج قضية السود وقع ترمب في يونيو الماضي، قراراً تنفيذياً لتطبيق إصلاحات في أجهزة الشرطة، استجابة للاحتجاجات ضد العنصرية، لكنه ومع ذلك، لا يتوانى عن شجب أعمال الشغب المصاحبة لهذه التظاهرات بشدة، وقال قبل أيام إن "القوة هي الطريقة الوحيدة لوقف العنف في المدن الخاضعة لإدارة الديمقراطيين".
شرائح جديدة مؤثرة: الناخبون الخجولون
في تحليلات سباق الرئاسة الأميركية، هناك شرائح قد لا يُلتفت لها لكنها مؤثرة، الأقليات والمستقلون، وكبار السن، وحتى الناخبين غير الراغبين في الكشف عن مرشحهم لأسباب شخصية، أو من تسميهم وكالة بلومبيرغ، "ناخبو ترمب الخجولون"، ربما يُنظر إلى هذا مبالغة في بلد يعتنق الحريات، لكنك ستجد في الشارع الأميركي من يحادثك عن ترمب الرئيس بطريقة تهكمية أو على استحياء من بعض تصرفاته، وإذا سألته لمن صوت، سيجيب: ترمب!
قبل ما يقرب من أربعة أعوام، افترض محللو بيانات الرئيس الحالي أن مجموعة من الناخبين أعجبوا به وكانوا يعتزمون التصويت له، لكنهم كانوا محرجين للغاية من الاعتراف بتفضيلهم لمنظمي استطلاعات الرأي، ربما يكون ذلك هو السبب وراء تفوق هيلاري في الاستطلاعات آنذاك. يُعتقد الآن أن احتضان الحزب الجمهوري لترمب أدى إلى تقليل هذه الفئة، لكن إذا كانوا موجودين فحتماً سيكون لهم كلمة.
المنادون بالعدالة
من أحدث الشرائح التي تزايدت أهميتها، أخيراً، هي مجموعة المنادين بالعدالة والمتعاطفين مع السود، وهنا يقفز تساؤل هل غيرت احتجاجات هذا الصيف التي أعقبت مقتل جورج فلويد على يد ضابط شرطة في مينيابوليس، المواقف السياسية للأميركيين بشأن قضايا العنصرية وعنف الشرطة؟ الإجابة على الأرجح نعم، فوفقا لـ"بلومبيرغ"، شهدت بعض مجموعات البيانات الديمقراطية زيادة في عدد الأشخاص المسجلين والمتطوعين بسبب نشاط عائلة فلويد ومتضامنين آخرين.
كما عُد الدعم القوي للمرشحين التقدميين السود في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي مؤشراً آخر في صالح بايدن، لكن الوكالة الأميركية تطرح تساؤلاً آخر لا يقل أهمية، وهو هل ستتحول (الشريحة المتعاطفة مع قضية السود) إلى رجل أبيض يبلغ من العمر 77 عاماً (بايدن) أسهم في صياغة قانون الجرائم لعام 1994، وهو النظام المعروف بآثاره السلبية على حياة الأفارقة؟
الكارهون المزدوجون
في عام 2016، تنافست حملتا ترمب وهيلاري كلينتون بقوة من أجل المعارضين للحزبين، ذهبت حملة الرئيس ترمب لتطلق عليهم لقب "الكارهين المزدوجين"، ويمكن القول إن الأغلبية منهم اختاروا الأخير بصمت. الاعتقاد القائم لدى "بلومبيرغ"، والوجيه لاعتبارات المتغيرات الحالية، أن هذه الفئة سوف يكون لها تأثير، لكننا إزاء وجهات نظر آتية من مجموعة مختلفة تماماً عن الانتخابات الماضية.
يتكهن استطلاع رأي أجرته مؤسسة Civiqs، أن الشباب التقدميين المحبطين قد يشكلون هذه الشريحة، وهم أنفسهم الذين شكلوا أغلبية ساحقة للديموقراطي بيرني ساندرز، الذي يُعرف بتوجهاته اليسارية، بنسبة تقدر بـ69 في المئة بالانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي قبل انسحابه.
وبحسب الموقع الأميركي، فإن بايدن في موقف أقوى بكثير مع هؤلاء الناخبين مما كانت عليه كلينتون قبل أربع سنوات، وتفضل هذه الشريحة الكارهة للطرفين المكونة من 52 في المئة مستقلين، و40 في المئة ديموقراطيين و8 في المئة جمهوريين، بايدن على ترمب بنسبة 58 في المئة أمام 4 في المئة، في حين يمثل الباقون أشخاصاً سيصوتون لمرشح آخر أو أنهم لم يقرروا بعد.