علقت الحكومة الأردنية عام 1992 قانون خدمة العلم، لكنها اليوم وبعد 29 عاماً من التجنيد الاختياري، أعادت وبشكل مفاجئ التجنيد الإلزامي بدعوى محاربة البطالة، وسط تكهنات وشكوك حول الدوافع الأساسية لهذا القرار، خصوصاً وأن الحكومة ذاتها أطلقت قبل أشهر برنامجاً مشابهاً تحت مسمى خدمة وطن.
وبرر رئيس الوزراء عمر الرزاز قبل أيام قرار إعادة الخدمة العسكرية الإلزامية بصقل الهوية الوطنية للشباب الأردني، وتعزيز ثقافة الانضباط لديهم، وستكون الخدمة العسكرية إلزامية للذكور في الفئة العمرية بين 25 و29 سنة ممن لا يعملون، وليسوا على مقاعد الدراسة، أو خارج البلاد، أو أرباب أسر.
وعلى مدى عام كامل، سيتلقى المكلفون بالخدمة راتباً شهرياً قدره 140 دولاراً، وتدريباً عسكرياً للأشهر الثلاثة الأولى يتبعه برنامج تدريب مهني.
تدريب عسكري ومهني
ويشرح وزير العمل نضال البطاينة، آلية التجنيد الإلزامي الجديد، بالحديث عن استدعاء خمسة آلاف شاب من مواليد 1995 للعام الحالي، و15 ألفاً للعام المقبل، بينما سيكون الأمر اختيارياً للإناث، في حين يؤكد مساعد رئيس هيئة الأركان العميد الركن عبد الله شديفات، أن من أهداف إعادة خدمة العلم بناء جيل واعٍ ومتزن وصلب وذي شخصية وطنية يتحمل المسؤولية، ولفت إلى أن المكلفين بالخدمة سيتلقون تدريباً عسكرياً من الخامسة فجراً وحتى التاسعة مساء لمدة ثلاثة أشهر، ومن ثم سينخرطون في برنامج مهني هدفه دمجهم في سوق العمل.
ويبدو أن من سيُلزمون بالخدمة العسكرية سيواجهون ظروفاً قاسية وانضباطاً شديداً، إذ سينقطعون عن كل وسائل التواصل خلال فترة تدريبهم العسكري.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مؤيد ومعارض
ولم يظهر الأردنيون حماسة كبيرة لهذا المشروع إذ انقسموا بين مؤيد ومعارض للفكرة، ويرى البعض أن إعادة التجنيد الإلزامي كفيلة بإنهاء بعض المظاهر السلبية التي أخذت بالتسلل إلى الشارع الأردني، أخيراً، والتي خلقت جيلاً من الشباب يتصف بـ"الميوعة"، وينزوي خلف وسائل التواصل الاجتماعي من دون إنتاجية أو هدف.
لكن آخرين يرون أن خزينة الدولة والظروف الاقتصادية التي خلفها كورونا لا تسمح برصد مخصصات مالية سنوية لهؤلاء، خصوصاً مع تبرير الحكومة الأردنية لوقف علاوات الموظفين بالضائقة المالية.
ويرى طرف ثالث أن شروط الخدمة الإلزامية تنطبق فقط على أبناء الفقراء من دون أن تمس أبناء الطبقات المخملية في المجتمع الأردني، وأن محاربة الفقر والبطالة تكون فقط عبر زيادة النمو الاقتصادي وتحفيز القطاعات الاقتصادية الإنتاجية.
ويعتقد البعض الآخر أن تفعيل قانون خدمة العلم هو انتقال من حالة البطالة إلى حالة البطالة المقنعة، وأنه كان من الأجدر إيجاد وخلق فرص عمل حقيقية للشباب تعود عليهم بمكسب مادي يضمن لهم حياة كريمة.
تأهيل لسوق العمل
ويعتقد الكاتب والصحافي الاقتصادي ينال برماوي إمكانية مساهمة التجنيد الإلزامي بتخفيض نسبة البطالة التي تواصل ارتفاعها بشكل مضطرد، ولا سيما العام الحالي بسبب تداعيات أزمة كورونا إذ يتوقع أن تتجاوز 25 في المئة، لكنه يشير في المقابل إلى بعض ردود الفعل التي قللت من أهمية هذا القرار، معتبراً أن ثمة إيجابيات من بينها تخصيص الجزء الأكبر من مدة الخدمة لأغراض التدريب والتأهيل على مجالات يحتاجها سوق العمل، وبالتالي توفير الأيدي العاملة المؤهلة والمدربة.
ويشير برماوي إلى أهمية إعادة الخدمة العسكرية لإحلال العمالة المحلية المؤهلة مكان عشرات آلاف الوافدين لمحاربة البطالة، في قطاعات مهمة مثل الإنشاءات والزراعة، ويضيف "هذا المشروع قد يكون أفضل وأنجح برنامج على المستوى الوطني يطبق في تاريخ المملكة لتخفيض البطالة وتشغيل الأردنيين".
ليست وليدة اللحظة
لكن الكاتب زيد نوايسة يشكك في ما إذا كان المشروع الجديد حول إعادة إحياء خدمة العلم سيكون مصيره مصير ما سبقه من توجهات حكومية مشابهة على الرغم من جدية الحكومة الواضحة هذه المرة، ويعتبر نوايسة أن ربط محاربة البطالة بالخدمة العسكرية إيجابي لما تملكه المؤسسة العسكرية في الأردن من حضور وتقدير في وجدان الأردنيين.
ويؤكد أن الفكرة ليست جديدة وليست وليدة الحكومة الحالية، ففي عام 2005 أعلنت الحكومة الأردنية عن برنامج خدمة وطن، وهو خطة مشتركة بين وزارة العمل والقوات المسلحة تهدف لإنشاء صندوق تشغيل وتدريب المواطنين العاطلين عن العمل.
ويرى نوايسة أن من إيجابيات البرنامج الجديد للخدمة العسكرية هو أنه يقتصر على من لا يعملون، وهذا أمر جيد إذا كان الهدف منه تخفيف البطالة، لكنه يتساءل عن مصير هؤلاء بعد انقضاء المدة وهي 12 شهراً.