فيروس كورونا الذي أنهك العالم منذ بداية عام 2020 ولا يزال، قد لا يكون كذلك بالنسبة إلى المهندسة الفلسطينية نورا جردانة (36 عاماً). فالعزل المنزلي وحالة الطوارئ التي أعلنتها السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية منذ بداية مارس (آذار)، كانت فرصة لها لإتمام مشروعها الذي بدأته عام 2016، الرامي إلى إعادة الحياة للمعالم الأثرية الفلسطينية بحقبها التاريخية المتعددة، بخاصة في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية التي تزخر بالمواقع التاريخية. إذ تعد ثالث أقدم مدينة في العالم، بعد مدينتي أريحا الفلسطينية ودمشق السورية، ويرجع تاريخها إلى 5600 سنة (نحو 3600 ق.م).
حولت جردانة المواقع التاريخية إلى مجسمات حجرية، كما تقول، "كوسائل تعليمية تعريفية للأطفال، تمكنهم من التجول في الأماكن السياحية من دون مساعدة، في محاولة لربطهم بواقع المدينة وآثارها. وما إن عرضنا المجسم الأول المكون من البلدة القديمة لمدينة نابلس، بما فيها من حارات وكنائس ومساجد وصبانات (مكان لصنع الصابون النابلسي التقليدي) وأزقة، حتى نال الإعجاب، وبات مقصداً للزوار والسياح وطلاب المدارس والجامعات".
السياحة بمفهوم جديد
من مواد بسيطة مكونة من الحصى والرمل والصلصال والكرتون وبعض الألوان المائية وأكواز الصنوبر ومخلفات بيئية، استطاعت جردانة إنجاز مجسمين للمدينة. الأول يحاكي تاريخها في العهد العثماني والآخر في العصر الكنعاني القديم. وتستعد الآن لإنهاء مجسم للفترة الرومانية، حيث عرفت المدينة باسم فلافيا نيابوليس، وقد أنشأها الرومان عام 72 من الميلاد، وحرفت التسمية من فلافيا نيابوليس التي تعني (المدينة الجديدة) إلى نابلس. المجسمات الثلاثة تشكل صورة طبق الأصل عما كانت عليه المدينة قبل 5 آلاف عام.
عملت جردانة، وهي مرشدة سياحية، على جمع مئات الوثائق والصور والخرائط والمخططات والدراسات، على مدار خمس سنوات متواصلة، لتصل إلى شكل وتاريخ مدينة نابلس على مر العصور.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تقول جردانة لـ"اندبندنت عربية"، إن "مفهوم السياحة يجب أن يتطور باستمرار، وفي زمن كورونا باتت الحاجة ملحة لتنشيط الاقتصاد والحركة السياحية بطرق جديدة ومختلفة. مع انعدام وجود السياح في المدينة، هناك طرق لشرح أهمية المدينة وتاريخها عبر الإنترنت، وبوجود هذه المجسمات التي تلامس الحقيقة أستطيع الشرح لأي شخص في العالم عن المواقع التاريخية والأثرية للمدينة. كما قمنا بعمل تطبيق للهواتف النقالة يمكن السياح من التجول افتراضياً في تلك المواقع التي يرغبون بزيارتها في فلسطين".
لم تكتف جردانة بعمل المجسمات الحجرية للمدنية، فمع فرض حالة الطوارئ ومنع التجمعات والجولات السياحية والالتزام بإجراءات الوقاية والسلامة للحد من انتشار الفيروس، عكفت على ابتكار ألعاب للأطفال على شكل رسومات وبطاقات بازل وغيرها، تمكنهم من معرفة معالم مدينتهم أو أي مدينة فلسطينية أخرى. وتوضح جردانة "في هذه الأيام ممنوع علينا أن نصطحب الأطفال في جولات سياحية وفقاً للبرتوكول الصحي المعمول به من قبل منظمة الصحة العالمية، فقمنا بعمل الألعاب التي تتحدث عن الآثار والتاريخ بطرق مبسطة وتفاعلية. نرسلها إلى الأطفال في منازلهم ليقوموا بحلها أو تلوينها مع عائلاتهم من باب التسلية والمعرفة، وتشجيع السياحة الداخلية أيضاً، حيث سيتشوق الأطفال لرؤية تلك المعالم والآثار التي قاموا بجمعها أو تلوينها عبر اللعبة".
متحف تراثي تعليمي
في خطوة تمهيدية لتسجيل مدينة نابلس الفلسطينية على لائحة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، أسوة بمعالم فلسطينية أخرى سبقتها، تسعى بلدية نابلس إلى إنشاء متحف تعليمي تراثي يضم المجسمات التي صنعتها جردانة، وتوسيع الفكرة لإنشاء مجسمات إضافية تشرح تاريخ فلسطين بحقبها المختلفة.
يقول أيمن الشكعة، مدير مركز تنمية موارد المجتمع لـ"اندبندنت عربية"، إن "المدن الفلسطينية تزخر بالقصص والآثار والمعالم التاريخية التي يجب إطلاع العالم عليها، وبات من الضروري إيجاد مسارات سياحية مختلفة ومميزة بالفكرة والمضمون. بوجود متحف تعليمي ضمن مشروع التوأمة بين مدينة ليل الفرنسية ونابلس، سيتاح لأي زائر وبشكل فردي التجول من خلال المجسمات ومعرفة أبرز معالم المدينة. فالجولات السياحية التي كانت تتطلب ساعات طويلة من المرشد السياحي، قد تصبح أقل من ذلك بكثير وبشكل تفاعلي وممتع، بخاصة لفئة الأطفال التي حرمت من النوادي الصيفية والرحل المدرسية بسبب انتشار كورونا في الضفة الغربية".
خطة إنقاذ
وزيرة السياحة والآثار في فلسطين رولا معايعة، قالت في وقت سابق إن "أزمة كورونا أثرت على القطاع السياحي الفلسطيني بشكل كبير جداً". كما أعلنت في منتصف أبريل (نيسان) الماضي عن خطة لإنعاش القطاع السياحي، بالتعاون مع المؤسسات السياحية المختلفة.
يذكر أن قطاع السياحة شهد عام 2019 تطوراً كبيراً، سواء بأعداد السياح الذين زاروا فلسطين، أو من خلال أعداد المقيمين في الفنادق الفلسطينية.