يختلف موقع قبائل الجنوب الليبي من المؤتمر الجامع المزمع انعقاده منتصف أبريل (نيسان) المقبل في مدينة غدامس الليبية، خصوصاً أن غالبيتها كانت قد قررت المشاركة فيه في الفترة التي سبقت دخول قوات الجيش الليبي إلى المنطقة وإكمال سيطرته عليها. لكن الحسابات بين القبائل تغيرت، كما اختلطت الأجندات والمصالح، وصار عدو الأمس بالنسبة إلى بعض القبائل صديق اليوم، والعكس لدى غيرها، حتى أن النقاط والمحاور التي كان الجميع يستعد لطرحها ومناقشتها تغيرت، واحتاج كل طرف إلى مزيد من الوقت حتى يحدد مساره الجديد في هذا المؤتمر.
قبائل أولاد سليمان
لعل أبرز القبائل التي ستكون قضاياها حاضرة بقوة في أجندة المؤتمر، هي قبائل أولاد سليمان والتبو، لأن هذه المكونات دخلت حروباً واشتباكات متكررة، ولا تزال تعيش حالة من الفرقة والتباعد وتضارب المصالح والعداء المتواصل. كما أنها تملك قدراً أكبر من التشكيلات المسلحة والسيطرة الفعلية على أراضٍ واسعة في الجنوب، تتحكم من خلالها بملفات عديدة، مثل التهريب وتجارة السلاح وحركة النقل العادية. كما يمكنها أن تتحكم بمسارات وتحركات العناصر المتطرفة إذا حصل التنسيق بينها.
تعتبر قبيلة أولاد سليمان المسيطرة في شكل كبير على عاصمة الجنوب سبها، وهي تملك رصيداً كبيراً في تاريخ المنطقة، التي ارتبط اسمها بعبد الجليل سيف النصر، أحد أهم شخصيات القبيلة وأعيانها، الذي أسس لحكم عائلته منذ أوائل القرن التاسع عشر. بعد إعلان القبيلة تأييدها عملية الجيش في الجنوب صار لِزاماً عليها أن تتعاطى مع المشهد من منظور الجيش، وهو ما سينعكس على مشاركتها في المؤتمر الجامع، من خلال الأجندة التي تحتاج إلى طرحها، وعلى رأسها خلاف القبيلة مع التبو.
ويقول السنوسي مسعود، عضو المجلس الأعلى لقبائل أولاد سليمان، إن ملف المصالحة مع التبو يجب أن يسير في شكل منتظم حتى تعالج جميع القضايا الشائكة، كوضع سبل التعايش السلمي وتحديد المسؤوليات وتعويض المتضررين، وإغلاق كل الملفات العالقة منذ سنوات. والسؤال هنا: هل يستطيع المؤتمر الجامع التعاطي مع هذه المطالب في شكل مسؤول والعمل على وضع حلول تفضي إلى حالة من السلام بين الطرفين؟
قبائل التبو
يأمل أبناء قبائل التبو في أن تكون مشاركتهم في هذا المؤتمر مثمرة، فهم أساساً كانوا من أوائل مؤيدي الجيش قبل أن يتجه جزء كبير منهم إلى تأييد حكومة الوفاق الوطني، وصاروا كالعادة في الصف المواجه لغرمائهم من أولاد سليمان. ويرى فريق منهم أن الحرب الأخيرة في مرزق، التي أفضت إلى سيطرة الجيش عليها، كانت حرباً ضد التبو، مستنكرين مشاركة وحدات من قبائل أولاد سليمان في هذا الهجوم. ما يعني أن المشهد بين القبيلتين يتعقد، ويصبح لزاماً عليهما البحث عن صيغ جديدة للوصول إلى حالة من التصالح.
ويرى أحد أعيان التبو آدم دازي أن المصالحة مع أولاد سليمان يجب أن تتم في شكل شفاف، على أن يُفصل بين الشق المتعلق بالدولة والشق الاجتماعي، موضحاً أن المؤتمر الجامع عليه أن يتطرق إلى هذه المسألة في شكل مباشر، خصوصاً أنها تعتبر أحد أهم أسباب الفلتان الأمني في الجنوب، الذي ينعكس سلباً على عموم البلاد.
هل ينجح المؤتمر؟
يتعلق كثير من الآمال على المؤتمر الجامع في ما يخص قبائل الجنوب الليبي المتناحرة. لكن في الوقت ذاته يرى فريق أن عوامل فشل هذا المؤتمر كثيرة، وهو ما يؤكده الكاتب علي أبو زيد، الذي يقول إن المؤتمر الجامع كان الخطوة الثانية في مقترح مبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة المقررة بعد تعديل الاتفاق السياسي ومنح الثقة لحكومة تنفيذية تسعى إلى تخفيف المعاناة عن المواطن وتجهز للعملية الانتخابية، التي من المفترض أن تنهي المراحل الانتقالية.
إذ إن هدف هذا المؤتمر كان الخروج بميثاق داعم للاتفاق السياسي، يتعهد بتوفير حالة من الاستقرار والتهدئة إلى حين إنهاء استحقاقات هذه المرحلة من إقرار الدستور وإجراء الانتخابات.
ويشير أبو زيد إلى أن تجاوز المبعوث الأممي فكرة تعديل الاتفاق السياسي والمضي نحو المؤتمر الجامع مع عجز مجلس النواب حتى الآن عن تضمين الاتفاق السياسي في الإعلان الدستوري يجعل أمارات الارتجال والعبث واضحة في عقد هذا المؤتمر، خصوصاً أنه إلى الآن لا توجد أجندة ولا آلية معلنة عنه، كما أن عقده قبل تفعيل حقيقي للاتفاق السياسي –عُدّل أم لم يعدّل- قد يجعل من مخرجاته بديلاً من الاتفاق، ما يزيد حالتَي الفوضى والانقسام.
حروب... في حال الفشل
لذلك، فإن عقد مؤتمر جامع من دون إطار سياسي مفعل والتزام واضح بتنفيذه هو بمثابة توسيع دائرة الفوضى، ونتائجه لن "تتعدى كونها حبراً على ورق لتفشي حالة عدم الثقة والتوجس بين الأطراف، التي لن تختفي بمجرد لقاء يعقد بينها".
هذا هو التحدي الذي يجب أن يضعه القائمون على المؤتمر نصب أعينهم. فالكل في ليبيا أو الغالبية ينتظرون انعقاده، ليحقق كل طرف مبتغاه أو يزيد في عرقلة المشهد السياسي العام. إذ ستكون عملية تحقيق توافق بين قبائل الجنوب عملية صعبة وقد تكون مستحيلة. وفي حال فشل المؤتمر في تحقيق هذا التوافق، قد نشهد مستقبلاً حروباً محلية أشد شراسة من سابقاتها.