أماطت التصريحات الأولية لوزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، اللثام عن خلفيات زيارته للجزائر التي وصل إليها الخميس الأول من أكتوبر (تشرين الأول)، آتياً من مالطا بعد تونس، بالقول إن "الولايات المتحدة والجزائر كانتا صديقتين وشريكتين منذ زمن طويل وأتمنى أن تسهم زيارتي في تدعيم هذه الشراكة وهذا التاريخ المشترك"، ما يوحي بـ"غضب" أميركي من توجهات الجزائر.
إشارات أميركية
وأرسل إسبر إشارات إلى الجزائر من تونس، حين بيّن في خطاب من المدافن العسكرية الأميركية في قرطاج، بعد لقائه الرئيس قيس سعيّد، أن الهدف من زيارته إلى شمال أفريقيا، هو مواجهة "المتطرفين والذين يمثلون تهديداً"، وأيضاً "المنافسين الاستراتيجيين الصين وروسيا بسلوكهما "السيء"، على اعتبار أن تونس والمغرب علاقتهما بالصين وروسيا محدودة مقارنة بالجزائر، التي تعتبر حليفة موسكو وبكين.
في حين صنّف الجميع الزيارة في خانة ترقية التعاون بين الجزائر وواشنطن بخصوص أزمة ليبيا والوضع في الساحل، غير أن نشاط إسبر في تونس بتوقيعه اتفاقاً للتعاون العسكري لمدة عشر سنوات، وتعبيره عن "سروره لتعميق التعاون من أجل مساعدة تونس في حماية موانئها وحدودها"، وتأكيده على "أهمية بقاء الجيش بعيداً من السياسة"، تكشف عن مشروع أميركي في شمال أفريقيا يكون للجيش دور بارز فيه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بناء شراكة
في هذا السياق، اعتبر أستاذ العلوم السياسية في إحدى جامعات جنوب الجزائر عبد الوهاب حفيان في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أنه لم يعد يخفى على أحد رغبة القيادة الأميركية في أفريقيا وإعادة تقسيم بعض الأدوار مع القوى التقليدية في المنطقة، فرنسا تحديداً التي أصبحت رؤيتها غير متبنّاة على الأقل لدى القيادات الصاعدة في أفريقيا، وتجدد آليات التنافس الدولي في شكله الاقتصادي، وهو ما دفع واشنطن إلى إعلان رغبتها في بناء شراكة مع الجزائر، الرقم المهم في التوازن الإقليمي، مبرزاً أن رؤية الجزائر للقضايا ذات البعد الإقليمي تحظى بالقبول لدى أطراف النزاع في المنطقة، وعليه تسعى أميركا إلى بناء وجهة نظر توافقية مع توجهاتها في هذا المجال، بقصد تحقيق هدف الولوج إلى المنطقة. وأوضح أن الزيارة تبعث آفاقاً جديدة للشراكة، خصوصاً مع احتمالات التغيير في ساكن البيت الأبيض.
استقبال رفيع
واستقبل الرئيس عبد المجيد تبون، الرجل الأول في البنتاغون الذي يعتبر أول وزير دفاع أميركي يزور الجزائر منذ دونالد رامسفلد في فبراير (شباط) 2006، حين تباحث الطرفان حول نقاط عدة ذات الاهتمام المشترك، وأبرزها التعاون الثنائي وملفي ليبيا والساحل، بحضور كل من قائد أركان الجيش الجزائري سعيد شنقريحة ومدير الديوان في رئاسة الجمهورية نور الدين بغداد دايج والمدير العام للتوثيق والأمن الخارجي في وزارة الدفاع الجزائرية اللواء محمد بوزيت، أما عن الجانب الأميركي، فقد حضر القائم بأعمال السفارة الأميركية في الجزائر والوفد المرافق لإسبر.
وسبقت وصول إسبر، زيارة قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا "أفريكوم" الجنرال ستيفن تاونسند، الذي أبرز في بيان أصدرته سفارة بلاده في الجزائر، أنه "لدينا الكثير لنتعلّمه ونتشاركه مع بعضنا البعض، وأن تعزيز هذه العلاقة مهم جداً بالنسبة إلينا"، مضيفاً أن الجزائر شريك ملتزم بمحاربة الإرهاب، وأن "إضعاف المنظمات المتطرفة العنيفة والأنشطة الخبيثة وتعزيز الاستقرار الإقليمي تمثل ضرورة مشتركة بين الولايات المتحدة والجزائر".
موسكو وبكين تستنفران واشنطن
وترى أطراف أن تحرّك واشنطن جاء بعد الاختراق العسكري الروسي للمنطقة والوجود الاقتصادي القوي للصين، إذ إن الحديث عن قواعد عسكرية روسية في شرق ليبيا، عجّل بمشروع أميركي في المنطقة لمواجهة التهديدات الصينية والروسية، وبينما تعتبر تونس والمغرب من أهم الشركاء، يبقى التحالف مع الجزائر "مهلهلاً" يرتبط بموسكو وبكين أكثر منه مع واشنطن.
وبحسب المحلل السياسي كمال بن عبد الله، فإن واشنطن قررت إعادة نشر قواتها العسكرية في المنطقة، في مشروع أميركي جديد تماشياً مع التغيرات الحاصلة على المستويات كافة، بعد "فشل" الاستراتيجية التي سعى إلى اعتمادها الرئيس دونالد ترمب منذ وصوله إلى سدة الحكم، بتخفيض الوجود العسكري لقوات بلاده في الخارج، وقال إنه لهذه الأسباب، يزور وزير الدفاع الجزائر، وقبله قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا "أفريكوم"، مضيفاً أن واشنطن تخشى فقدان المنطقة بعد الدخول القوي لروسيا والصين، وقوى إقليمية صاعدة مثل تركيا التي باتت إحدى الدول المتسببة في إثارة النزاعات في ليبيا وشرق المتوسط ومنطقة الساحل بدرجة أقل.