مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة خلال الأسبوع الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، يبدو أن أسواق الطاقة العالمية لم تستقر بشكل واضح على من تفضل أن يكون في البيت الأبيض أربع سنوات مقبلة: الرئيس الحالي دونالد ترمب، أم المرشح الديمقراطي جو بايدن.
كما أن شركات النفط الأميركية الكبرى وصناديق الاستثمار التي تتعامل في عقود النفط والغاز، وتنفق مبالغ طائلة على بحوث ودراسات توقعات السوق، لم تحسب بعد عامل احتمال فوز نائب الرئيس السابق جو بايدن في الانتخابات.
ويعود ذلك إلى أن الأسواق لديها ما هو أكثر إلحاحاً لتتعامل معه من اختلال أساسيات السوق من عرض وطلب، نتيجة بُطء تعافي الاقتصاد العالمي من أزمة وباء كورونا، بالتالي تراجع نمو الطلب العالمي على الطاقة، ما يضغط على الأسعار نزولاً. ويدخل المستثمرون في سوق الطاقة عوامل آنية عاجلة، من قبيل عودة إنتاج بضعة آلاف البراميل يومياً من ليبيا أو نيجيريا، بدلاً من احتساب فوز رئيس أكبر بلد مستهلك للطاقة، ومن أكبر منتجيها أيضاً وتأثيره في السوق بما يصل إلى ملايين البراميل يومياً.
الاعتقاد الشائع حتى وقت قريب أن الأسواق عموماً، ومن بينها الطاقة، تفضل الرئيس ترمب على جو بايدن. واستفادت حملة الرئيس الأميركي من ذلك بتهويل احتمال تأثير فوز الديمقراطيين على أنه "كارثة" لقطاع الطاقة، و"وبال" على شركات النفط. ويكرر ترمب، حتى في المناظرة الانتخابية الأولى قبل أيام، أن بايدن سيقضي على صناعة النفط الأميركية، وأنه يؤيد "المبادرة الخضراء" التي طرحها الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي، التي ستعني "منع التنقيب وإنتاج النفط والغاز".
وعلى الرغم من أن بايدن أكد أنه لا يؤيد المبادرة، فإن برنامجه الانتخابي يتضمن خطة بيئية بتكلفة 1.7 تريليون دولار تركز على التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة على مدى عشر سنوات، وتستهدف خفض الانبعاثات الكربونية في الولايات المتحدة تماماً بحلول 2035.
خطة بايدن
مع اقتراب الحملة الانتخابية من نهايتها، واتضاح خطط الطرفين السياسيين في الولايات المتحدة بشأن سياسات الطاقة المستقبلية، لا تبدو خطط بايدن للتحول إلى الطاقة البديلة المتجددة بالخطر الذي تصوره حملة الرئيس ترمب. وربما ذلك ما جعل الشركات لا تخشى الترهيب الذي تروجه الحملة بشأن مستقبلها إذا فاز المرشح الديمقراطي.
أولاً، بالنسبة إلى الرئيس ترمب فليس هناك جديد سوى استمرار سياساته الحالية في محاولة دعم قطاع الطاقة والشركات الأميركية، خصوصاً في مجال إنتاج الغاز والنفط الصخري، لكن الواقع أن تلك السياسة لم تعد تحقق أي توسع للشركات، التي أخذت كبرياتها بالفعل في إعادة هيكلة أعمالها واستثماراتها للدخول في مجالات إنتاج الطاقة المتجددة والخضراء (قليلة أو منعدمة الانبعاثات الكربونية).
مثال على ذلك، تكرار الرئيس ترمب تعهداته إعادة إحياء إنتاج الفحم (الذي ما زالت بعض محطات توليد الكهرباء تعمل به) في الوقت الذي يتراجع فيه إنتاج الفحم، وتقدر كل مصادر قطاع الطاقة أنه سيظل في منحى تراجع مقابل نمو توليد الكهرباء، باستخدام مصادر طاقة أخرى مثل الغاز أو مصادر نظيفة كالطاقة النووية.
أما إنتاج الغاز والنفط الصخري، فهناك شبه إجماع بين خبراء القطاع أنه وصل إلى قمته بالفعل وآخذ في الانحدار. فالقطاع الذي مثّل أكثر من 155 في المئة من الزيادة في إنتاج النفط في الولايات المتحدة منذ 2008، بدأ في الانكماش منذ نحو عام. ومع انهيار أسعار النفط في نهاية الربع الأول من هذا العام بسبب الهبوط الحاد في الطلب في ظل إغلاق الاقتصاد للوقاية من انتشار وباء كورونا بدأت شركات الغاز والنفط الصخري في الخروج من السوق، وتوقفت حفارات الإنتاج باطراد.
أفضلية ترمب
وإذا كانت مؤسسة ستاندرد أند بورز تقدر أن خطة بايدن بنحو 1.7 تريليون دولار من الإنفاق على المشروعات البيئية، وبما يصل إلى تريليوني دولار، بإضافة الإعفاءات الضريبية لمشروعات إنتاج الطاقة المتجددة، ستؤدي إلى انخفاض إنتاج النفط الأميركي بنحو مليوني برميل يومياً بحلول عام 2025، فإن الإنتاج الأميركي تراجع بهذا القدر تقريباً في العام الأخير فقط. فمن وصوله إلى أعلى مستوى له قرب نهاية العام الماضي عند نحو 13 مليون برميل يومياً لا يزيد حالياً إلا بشكل طفيف على 11 مليون برميل يومياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حسب البرنامج الانتخابي لحملة جو بايدن، فإن خطته للإنفاق على مشروعات الطاقة البديلة ستوفر عشرة ملايين فرصة عمل في السنوات العشر المقبلة. وإذا كان الرئيس ترمب يتفاخر دوماً بأن قطاع الطاقة وفر نحو 800 ألف وظيفة في سنوات حكمه حتى الآن، فإن الأرقام الرسمية لا تؤكد سوى أقل من ثلث هذا الرقم. وأغلب تلك الوظائف الجديدة كان في مشروعات الطاقة المتجددة والنظيفة، وهو توجه آخذ في النمو بالفعل في السنوات الأخيرة.
أما ما تتضمنه خطة بايدن من وقف ترخيص الأراضي الفيدرالية (أرض الدولة) لامتيازات إنتاج الغاز والنفط (الصخري بالأساس) فليس بالأمر المخيف بالشكل الذي تصوره حملة ترمب. فحسب أرقام مكتب إدارة بيانات الأراضي الحكومية توجد 12.8 مليون فدان فحسب ينتج منها الغاز والنفط من بين 25.5 مليون فدان جرى تأجيرها ومنحت تراخيص لهذا الغرض.
على الرغم مما يبدو من أن خطط بايدن الاقتصادية في ما يخص قطاع الطاقة ليست بالمخيفة كما تصور الدعاية السياسية، ومع أن الشركات بدأت بالفعل تتخلى عن مخاوفها الشديدة من فوز بايدن فإن استمرار ترمب رئيساً لأربع سنوات أخرى يظل أفضلية للسوق عموماً، ومن ضمنه سوق الطاقة.
يبدو ذلك واضحاً من تبرعات شركات الطاقة الكبرى لحملتي المرشحين الجمهوري والديمقراطي حتى الآن. فقد تبرعت شركات النفط لحملة الرئيس دونالد ترمب بنحو ثلاثة أضعاف ما تبرعت بع لحملة جو بايدن. فحسب بيانات من مركز ريسبونسيف بوليتيكس تبرعت شركات النفط بنحو 1.64 مليون دولار لحملة ترمب مقابل 624 ألف دولار فحسب لحملة بايدن.
وكما يرى كثير من المحللين والمعلقين، فإن الشركات والمستثمرين يفضلون استمرار السياسات الحالية على أي تغيير كبير قد يضر بخططهم المستقبلية، خصوصاً في ظل سوق مضطربة، نتيجة عوامل تؤثر في أساسياتها من عرض وطلب، وتجعل أسعار النفط في وضع هش بالفعل.
لذلك، فإن كانت الأسواق وشركات الطاقة عموماً ما زالت تفضل فوز الرئيس دونالد ترمب، فإن احتمال فوز جو بايدن ليس بالأمر الخطير الذي يجعلها تعيد حساباتها بشكل جذري، على الأقل حتى الآن.