تراجعت أسعار النفط خلال تعاملات اليوم الأربعاء، وسط توقعات بزيادة المخزون في الولايات المتحدة، وبعدما قرر الرئيس الأميركي دونالد ترمب تأجيل مباحثات حزمة التحفيز المالي الجديدة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية المقررة في أول نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وأُغلق نحو 29.2 في المئة من حقول إنتاج النفط في خليج المكسيك استعداداً للعاصفة الاستوائية "دلتا"، وهو ما يعادل 17 في المئة من إنتاج الولايات المتحدة من الخام.
وعلى صعيد التداولات، تراجعت العقود الآجلة لخام برنت القياسي تسليم ديسمبر (كانون الأول) بنحو 1.2 في المئة إلى 42.15 دولا للبرميل. كما هبطت عقود خام نايمكس الأميركي تسليم نوفمبر 1.5 في المئة، مسجلة 40.07 دولار للبرميل.
وأظهرت تقديرات معهد البترول الأميركي ارتفاع مخزونات النفط في الولايات المتحدة، بمقدار 951 ألف برميل في الأسبوع المنتهي في الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي.
إغلاق المصافي سيؤثر سلباً في أسعار النفط
ويقول أنس الحجي، المتخصص في شؤون النفط والطاقة، "إن مسار الإعصار (دلتا) سيحدد كمية النفط المتوقفة في خليج المكسيك"، مؤكداً أن أي إغلاق للمصافي "سيؤثر سلباً في الأسعار".
وكانت الأسعار قد زادت على نحو هامشي، بعد المكاسب التي حققتها خلال الجلسات الماضية، عندما صعدت بأكثر من 5 في المئة، بعد أن تراجع قلق المشترين، ودعم الآمال بالاتفاق على حزمة التحفيز الأميركية، لمواجهة تداعيات الجائحة.
وبعد دخول ترمب المستشفى الجمعة الماضية، تراجعت أسعار النفط، وسادت حالة من الضبابية بين المستثمرين القلقين بشأن ما سوف يحدث في الولايات المتحدة، التي تترقب انتخابات رئاسية في الثالث من نوفمبر.
وعلى الرغم من أن البعض كان يبدي تخوفاً من تفاقم صحة الرئيس الأميركي، التي كان من شأنها تعميق انخفاض أسعار النفط، لكن المؤشرات أثبتت أن تذبدب السوق يعود إلى عدة عوامل، حسب ما اتفق عليه عدد من المحللين.
ضعف الأساسيات في العرض والطلب
في هذا الشأن، قال محمد الشطي، المتخصص في الشؤون النفطية، إن هبوط أسعار نفط خام برنت إلى ما دون 40 دولاراً للبرميل "مؤشر على انطباعات السوق بأن هناك ضعفاً في الأساسيات حالياً، سواء من ناحية الطلب أو العرض".
وأوضح أن ارتفاع عدد الإصابات بكورونا، آخرها إصابة الرئيس الأميركي ترمب وزوجته وبعض مستشاريه، مع مخاوف من موجة جديدة، كل ذلك بلا شك "يعزز الشكوك حول تعافي الطلب العالمي على النفط أو تحسن أداء الاقتصاد العالمي، وينعكس هذا على أسواق الأسهم".
ولفت إلى أن المؤسسات الاستشارية العالمية عدّلت توقعاتها لمعدل تنامي الطلب على النفط، وخفضت سكرتارية أوبك معدل نمو الطلب على النفط للربع الثاني من عام 2020 بمقدار 200 ألف برميل يومياً، والربع الثالث 750 ألف برميل يومياً، والربع الأخير من العام الحالي 650 ألف برميل يومياً، لتدلل على ضعف متوقع وحاصل في وتيرة تعافي الطلب العالمي على النفط، وهو بلا شك عامل ضغط على مستويات الأسعار.
وتابع، "يجب أن لا ننسى أن قطاع التكرير ما زال يعاني خسائر في نشاطه، على الرغم من أنه يشهد تحسناً طفيفاً خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، مقارنة مع أغسطس (آب)، وعموماً قد ينعكس ذلك على تسعير شركة أرامكو السعودية نفطها لنوفمبر، من خلال رفع الأسعار بشكل طفيف أو تثبيتها، ومن المتوقع أن تعلن أسعارها خلال الأيام المقبلة".
إنتاج ليبيا يزيد المعروض في الأسواق
أما عن المعروض، فيرى المحلل الكويتي أن عودة إنتاج ليبيا إلى الأسواق من جديد، وإن كان ما زال في مستويات متواضعة عند 300 ألف برميل يومياً حالياً، مقارنة مع مستوياته السابقة عند 1.1 مليون برميل يومياً قبل التوقف القسري، "تعني زيادة المعروض في الأسواق".
كما صدرت تقديرات أولية عن ارتفاع في إنتاج تحالف "أوبك +" خلال سبتمبر الماضي، وهو أيضاً يعزز انطباع اختلال في ميزان الطلب والعرض في السوق، لأن ضعف الطلب وارتفاع المعروض يعنيان استمراراً لمستويات غير مسبوقة للمخزون، وتأخراً في سحوبات من المخزون النفطي العالمي، حسب الشطي.
في الوقت نفسه تُسهم في هذه الانطباعات مؤشرات الإنتاج الصناعي في أميركا والصين وأوروبا، مع تباطؤ في تعافي حركة الملاحة الجوية في العالم، كما أنه وعلى رغم كل هذه المستجدات، لا تزال التوقعات في السوق من مؤسسات دولية هي "سيتي بنك" و"دويتشه بنك" بأن وتيرة التوازن ربما تتباطأ، لكنها مستمرة في ضوء التزام "أوبك +" اتفاقها، لتحقق التوازن في السوق النفطية، وسط توقعات أن تشهد السوق سحوبات خلال الربع الرابع من العام، وتتضح بشكل أكبر خلال 2021، لتنعكس على زيادة في مستويات الأسعار، وأنها مسألة وقت فقط.
وأضاف الشطي، "الأسعار عاودت التعافي، وعوضت بعض الخسائر، إذ وصل نفط خام برنت إلى 41.5 دولار للبرميل، بعد استقبال السوق أخباراً إيجابية حول وضع ترمب الصحي، وعودته إلى العمل بصورة سريعة، وهي مؤشرات إيجابية، لأنها تتعلق بآفاق علاج كورونا في القريب، ما ينعكس على الاقتصاد والطلب على النفط".
عوامل داعمة السوق
حسب محللين، فإن هناك عوامل أخرى تدعم تحسن الأسعار، تضمنت مخاوف بشأن المعروض بعد إضراب عمال آخذ في الانتشار في النرويج، تسبب في إغلاق ستة حقول نفط وغاز بحرية وإخلاء منصات نفط في خليج المكسيك، حيث تتجه العاصفة الاستوائية دلتا صوب سواحل لويزيانا وفلوريدا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي تقرير بحثي لشركة "ديلويت" للاستشارات الإدارية والمحاسبية، توقعت أن لا تعود ثلاثة أرباع الوظائف التي شطبتها شركات النفط والكيماويات الأميركية، بسبب تداعيات جائحة كورونا قبل نهاية 2021. وذكر التقرير أن انهيار الطلب على النفط وتدهور أسعاره، أديا إلى أعلى وتيرة لشطب الوظائف في تاريخ صناعة النفط والكيماويات، حيث جرى شطب نحو 107 آلاف وظيفة في هذا القطاع في الولايات المتحدة خلال الفترة من مارس (آذار) إلى أغسطس الماضيين.
وقال دوني ديكسون، نائب رئيس مجلس إدارة قطاع النفط والغاز والكيماويات في "ديلويت"، إن عدد الوظائف المشطوبة يمكن أن يصبح أكبر إذا أضيف إليه عدد العمال الذين حصلوا على إجازة من دون أجر أو مدفوعة الأجر من برامج الدعم الحكومي، وغير ذلك من إجراءات تقليص أعباء العمالة التي لجأت إليها الشركات لمواجهة تداعيات الجائحة.
تأثيرات عنيفة لكورونا
منذ بدء الأزمة الصحية العالمية، لجأت شركات التنقيب عن النفط وحفر آبار الغاز وإنتاج النفط الصخري ومصافي التكرير وشركات تصنيع معدات صناعة النفط إلى "تقليل قوة العمل" لديها، لمواجهة التراجع في الطلب على المنتجات التي تبيعها. ومن بين الشركات التي شطبت آلاف الوظائف بسبب الأزمة "شلمبرجير، وهاليبيرتون، وماراثون بتروليوم"، وهي من كبرى الشركات في صناعة النفط.
وكانت شركات الخدمات البترولية الأشد تضرراً من الأزمة، بسبب تراجع إنفاق شركات الإنتاج على مشروعات حفر الآبار الجديدة وغيرها من الأنشطة ذات الصلة. ونجح هذا القطاع في إضافة 1400 وظيفة جديدة خلال الشهر الماضي، وهي أول زيادة من نوعها منذ تفشي الجائحة في مارس الماضي. لكن هذا الرقم هزيل للغاية، مقارنة بعدد الوظائف التي شطبها القطاع خلال الأشهر الماضية، وكان نحو 106 آلاف وظيفة.
وتوقع التقرير استعادة نحو 30 في المئة من الوظائف المشطوبة في صناعة النفط والكيماويات بنهاية 2021، مع افتراض أن يكون متوسط سعر النفط نحو 45 دولاراً للبرميل والغاز نحو 2.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية. ولكن إذا كانت أسعار النفط في حدود 35 دولاراً للبرميل والغاز في حدود دولارين لكل مليون وحدة حرارية، فلن تجري استعادة أكثر من 3 في المئة من الوظائف.