كشفت دراسة أجريت حديثاً عن أن جماعات الغجر (أو شعب الروما) في بريطانيا تُعاني حرماناً من مختلف أشكال الدعم الضرورية، كما يتعرض أفرادها للاستغلال جرَّاء النظام الجديد الذي تعتمده الحكومة البريطانية، والمتمثل باقتصار تسجيل الوضعية القانونية للمواطنين القادمين من الاتحاد الأوروبي على صيغة رقمية.
ويقبع عشرات الآلاف من أفراد الشعب الغجري راهناً في ظل خطر مواجهة مزيد من مظاهر التهميش والإقصاء عن المجتمع، بسبب افتقار أوساطهم إلى مهارات التعامل مع تكنولوجيا المعلومات الرقمية، وذلك يعني أن كثيرين منهم يجهدون لإثبات وضعية إقامتهم القانونية في الاتحاد الأوروبي؛ أي وضعية الإقامة كمهاجرين، التي تطلب بريطانيا من جميع حاملي جنسيات الاتحاد الحصول عليها كي يصبح وجودهم على أراضيها قانونياً بعد "بريكست"، وذلك أمر لا يمكن تحقيقه، وغير متوفر، إلا عبر الصيغ والوسائط الرقمية.
وفي هذا الإطار تفيد وزارة الداخلية البريطانية بأنها تزود من ينجحون في تقديم طلباتهم عبر "نظام الإقامة المخصص لحاملي جنسيات الاتحاد الأوروبي" EU settlement scheme بنسخة رقمية فحسب عن إقامتهم، وذلك كي تضمن "استمرار تمكنهم من إدخال الاثباتات المتعلقة بأحوالهم القانونية"، وذلك أمر، بحسب الوزارة، يتماشى مع "الانتقال إلى اعتماد الوثائق الرقمية في مختلف نواحي الحياة"، غير أن تقريراً صدر حديثاً بالتنسيق مع "جمعية دعم شعب الروما" (الغجر) الخيرية Roma Support Group، واطلعت عليه "اندبندنت"، حذَّر من بقاء الكثيرين عاجزين عن إثبات إقامتهم القانونية في بريطانيا على الرغم من عيشهم في هذا البلد بطريقة مشروعة، وذلك نتيجة عدم امتلاكهم وثائق محسوسة (أو ورقية وما شابه) تثبت هجرتهم. وقد غدا أولئك الأفراد من الغجر عُرضة اليوم للاستغلال من قبل طرف ثالث يوهمهم بتأمين خدمات "دعم"، هي في الحقيقة خدمات غير مناسبة، ومدفوعة الثمن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتظهر واحدة من تلك الوقائع التي يشير التقرير إليها، أن امرأة فقدت زوجها جرَّاء فيروس كورونا في أبريل (نيسان) الماضي باتت اليوم عاجزةً عن إثبات وضعية إقامتها الشرعية في الاتحاد الأوروبي، لأن الزوج الراحل كان الوحيد الذي لديه تفاصيل الدخول إلى الموقع الإلكتروني المخصص لذلك، فيما هي من جهتها لا تجيد التعامل مع المسائل والمعاملات الرقمية. وغدت السيدة نتيجة لهذا، وعلى مدى أشهر إبان الجائحة، عاجزةً عن إيجاد وظيفة أو الحصول على الإعانات الاجتماعية.
في هذا الإطار، وعلى الرغم مما ذكرته الإرشادات الحكومية بوضوح عن عدم أهلية أطراف ثالثة في الطلب من مواطني الاتحاد الأوروبي إثبات وإبراز وثيقة إقامتهم القانونية الصادرة بـ"نظام الإقامة المخصص لحاملي جنسيات الاتحاد الأوروبي"، وذلك حتى انقضاء 30 يونيو (حزيران) 2021، فإن أشخاصاً عديدين أفادوا بقيام موظفين، أو أصحاب أملاك، بطلب إبراز إقاماتهم القانونية تلك حين تقدموا عبر "وزارة العمل والمعاشات التقاعدية" DWP للحصول على إعانات.
من جهة أخرى وفي الإطار ذاته، تشير أرقام ومعطيات رسمية من عام 2013 إلى وجود أكثر من 200 ألف غجري يعيشون في المملكة المتحدة، وأن أكثرية هؤلاء هم مواطنون من الاتحاد الأوروبي، وذلك يعني أن عليهم تقديم طلباتهم وفق "نظام الإقامة المخصص لحاملي جنسيات الاتحاد الأوروبي" لضمان الاحتفاظ بأقاماتهم تلك بعد "بريكست".
أما التقرير الجديد، الصادر بالتعاون مع "جمعية دعم شعب الروما"، والمستند إلى معطيات ومعلومات غطت 7000 شخص من الغجر، فيشير إلى أن 3 في المئة فحسب من شعب الروما في بريطانيا تمكنوا بأنفسهم من إتمام معاملات طلباتهم الإلكترونية عبر الإنترنت، مثل طلب "نظام الإقامة المخصص لحاملي جنسيات الاتحاد الأوروبي"، وإن 20 في المئة منهم يمتلكون أجهزة إلكترونية، مثل جهاز الكومبيوتر المحمول laptop والجهاز اللوحي الذكي tablet. كذلك، وإذ تمتلك عائلات غجرية عديدة هاتفاً ذكياً واحداً على الأقل في أماكن سكنها، بحسب ما يظهر التقرير، فإن استخدام هذه الهواتف يبقى محصوراً بإجراء المكالمات الهاتفية، وممارسة الأنشطة الأولية على مواقع التواصل الاجتماعي.
في هذا السياق، ذكرت البارونة جانيت ويتيكر لـ"اندبندنت"، العضوة القيادية في "الهيئة البرلمانية المتعددة الأحزاب لدعم الغجر والرحل وشعب الروما" أن المسألة ترقى لدرجة التمييز العرقي، وقد دعت ويتيكر الحكومة والوزراء للتعامل مع ظاهرة الافتقار إلى القدرات والمهارات بالتعامل مع تكنولوجيا المعلومات في أوساط شعب الروما، وذلك كي لا تضاف "ظاهرة تهميشهم رقمياً" إلى أوجه حرمانهم المتعددة في بريطانيا. ورأت البارونة ويتيكر أن "تأمين الوضعية القانونية الوطنية، التي تمثل حقاً من حقوق الأفراد، يقع ضمن مسؤوليات الحكومة، وأن حجب هذه الوضعية وحرمان الأشخاص منها يمثل ظلماً أساسياً".
وبالعودة إلى التقرير الجديد، فقد أشارت معطياته إلى أنه خلال جائحة كوفيد-19، حين اضطر مئات ألوف الأشخاص في أنحاء المملكة المتحدة إلى التقدم بطلبات للحصول على تغطية ائتمان شاملة، فإن كثيرين من حاملي جنسيات الاتحاد الأوروبي، من ضمنهم شعب الروما، استلزمهم إثبات وضعيات إقامتهم القانونية كي يتمكنوا من إتمام تلك الطلبات.
وأمام الصعوبات التي واجهتها عائلات الروما (الغجر) في الدخول إلى السجلات الرقمية لوضعيات إقامتهم، فقد تكبدت تلك العائلات الفقر والتشرد والطرد من أماكن سكنها، إضافة إلى إصابة صحتها النفسية بمشكلات. وكنموذج عن هذه الحالات أفادت جينا، الأم لثمانية أولاد، والتي انتقلت إلى المملكة المتحدة مع أبنائها في عام 2017 ملتحقةً بزوجها الذي يعمل هنا منذ 2009، بأنها تركت من دون دخل، عاجزةً عن بلوغ المساعدات والدعم بعد وفاة زوجها في أبريل (نيسان) الماضي جرَّاء كوفيد-19.
وعملت جينا وزوجها في شركة بقطاع التخزين، وكانت تأتي إلى العمل مع زوجها بسيارته، بيد أن موته أدى إلى عجزها عن القدوم إلى الوظيفة؛ كونها لا تملك رخصة قيادة، وذلك أدى إلى خسارة وظيفتها. ثم تلقت جينا بعد ذلك رسالة تخطرها بتجميد نظام الإعفاءات الضريبية لعائلتها. وعن هذا الأمر قالت "لم يكن لديَّ أي فكرة عما يمكن أن أفعله، وقد تملكني اليأس. فالحياة صعبة جداً مع عدد كبير من الأولاد، وأحدهم مقعد، حيث يصبح المرء عاجزاً عن تأمين حاجيات العيش".
وفيما بعد اكتشفت جينا، التي تبلغ من العمر 40 عاماً، أن بإمكانها تقديم طلب للحصول على ائتمان شامل، بيد أنها فشلت في أول محاولتين قامت بهما، لأنها لم تتمكن من إثبات وضع إقامتها القانونية، كون زوجها كان الشخص الوحيد الذي يعرف تفاصيل التسجيل الرقمي والدخول إلى المعلومات المتعلقة بتلك الإقامة. وفي النهاية قامت إحدى الجمعيات الخيرية بمساعدتها في تقديم طلب الائتمان الشامل، لكنها الآن ما زالت تواجه صعوبات من ناحية الحصول على عمل، نتيجة فشلها في إثبات وضع إقامتها القانونية عبر الكومبيوتر.
وذكرت جينا عن هذا الأمر "أعتقد أن ما قد يساعد الكثيرين منا هو أن يكون بحوزتنا ببساطة دليلاً بين أيدينا، شيئاً يمكننا إبرازه لمن يطلب منا وثيقة إقامتنا. وأنا بالتحديد بحاجة لأمر من هذا القبيل كي أتمكن من الحصول على وظيفة". وتابعت "إن ذهبت الآن للبحث عن عمل، أو انتقلت للعيش في مكان آخر، وقام أحدهم بسؤالي عن هذه الصيغة الرقمية من الإقامة، فلن يكون معي شيء لإبرازه. وفوق ذلك، هناك كثيرون ممن يحاولون الاستفادة من هذا الوضع. والعديد من هؤلاء يعرفون أوضاع من حالهم تشبه حالتي، ويدركون هشاشتنا في هذا الوضع، وهم يعرضون علينا الدعم مقابل أن ندفع لهم أموالاً".
وفي حالة أخرى سلط التقرير الضوء عليها، طلب من أم لطفلين خلال موعد في مستشفى تقديم دليل يثبت الوضع القانوني لإقامتها. وكانت السيدة قد منحت قبل أشهر قليلة وضعية "ما قبل الإقامة" pre-settled status (قيد الدرس)، بيد أنها عجزت عن تقديم صيغتها الرقمية لموظفي المستشفى، لأنها لم تعرف كيفية القيام بذلك، فتوجب عليها الطلب من الجمعية الخيرية أن تزودها برسالة مطبوعة على ورق تؤكد امتلاكها الوثيقة.
ويشير التقرير في هذا الإطار إلى أنه، وعلى الرغم من تمكن الجمعيات الخيرية من مساعدة أشخاص كثيرين من شعب الروما (الغجر) عبر تقديم طلبات لهم وفق "نظام الإقامة المخصص لحاملي جنسيات الاتحاد الأوروبي"، إلا أن إمكانيات تلك الجمعيات تبقى محدودة، وهي غير قادرة على مد يد العون وتقديم المساعدة للجميع.
وقال ميهائي كالين بيكا لـ"اندبندنت"، وهو منسق مشاريع الحملات والسياسات في "جمعية دعم شعب الروما"، إن العديد من الغجر باتوا يستعينون بمحاسبين ومدققين "غير رسميين"، فيدفعون لهم أموالاً كي يساعدوهم في تقديم طلبات الحصول على الإقامة، بيد أن المحاسبين هؤلاء لا يتابعون خدماتهم ويفشلون في الشرح لزبائنهم كيفية الدخول إلى المعاملة وصيغة الإقامة الرقمية عبر الإنترنت. ويقول السيد بيكا عن أولئك المحاسبين "إنهم أشخاص من دون خبرة. هم قادرون على استخدام التكنولوجيا ويتكلمون الإنجليزية، لكنهم لا يعرفون جميع التفاصيل في هذا النظام (نظام الإقامة المخصص لحاملي جنسيات الاتحاد الأوروبي). فهم يساعدون الناس في تقديم الطلبات ثم يأخذون أجورهم، من دون تقديم المعلومات التي يحتاج إليها الناس كي يتمكنوا من الدخول إلى المعاملة والصيغة الرقمية من الإقامة". وتابع بيكا قائلاً "يفرح الناس عندما يحصلون على وضعية الإقامة، لكن عندما يريدون الحصول على وظيفة جديدة، واستئجار بيت، وفتح حساب مصرفي، والاتصال بالخدمات الصحية، فهم يفشلون في ذلك لأنهم لا يستطيعون بلوغ وضعية إقامتهم الرقمية".
واعتبر بيكا أن الأمر يشكل "تهديداً كبيراً" للناس؛ إذ قد يؤدي بالأشخاص إلى خسارة وظائفهم، والعجز عن الحصول على العناية الصحية، وحذر في السياق من أن يكون للأمر أثر تدميري على الخدمات العامة، لأنه قد يُراكم أعداد الناس المحتاجين للدعم والمساعدة، في إطار الإعانات الاجتماعية. كما أشار بيكا إلى أن "معظم المتقدمين بالطلبات (طلبات الإقامة) سُعداء بالحصول على وضعية إقامة رقمية، لكن حتى الآن ليس جميع الناس جاهزين للتعامل بهذه الصيغة؛ إذ ينبغي في المدى القريب أن يمنح هؤلاء الأشخاص وثائق محسوسة (مادية مطبوعة على الورق) تكون في متناول أيديهم لتلافي المشكلات التي ستواجههم، وفي المقابل على الحكومة أن تعمل في الأمد البعيد مع الناس كي تؤمن لهم المصادر والتدريب والدعم، ليتمكنوا من التعلم على التعامل مع الإقامة الرقمية وعلى كيفية الدخول إليها عبر الإنترنت واستخدامها".
من جهته، اعتبر كريستوفر ديسايرا، المحامي المتخصص بحقوق الإنسان والهجرة بوكالة سيرافوس القانونية Seraphus، والذي عمل بمساعدة عديد من الغجر في تقديم طلبات إقاماتهم، اعتبر أن شريحة كبيرة من شعب الروما ما زالت تفتقر كلياً إلى المعلومات حول إجراءات وضعية "الإقامة المخصصة لحمالي جنسيات الاتحاد الأوروبي". وحذر ديسايرا في هذا الإطار من أن قطاعات كبيرة من الغجر المقيمين في بريطانيا سيغدون بوضعية إقامة غير قانونية ابتداءً من يوليو (تموز) في العام المقبل إن لم تبذل الحكومة "جهوداً كبيرة" لمساعدتهم ودعمهم.
وقال ديسايرا "ثمة عوائق كثيرة في طريق أولئك الأفراد، منها افتقارهم إلى قدرات التعامل مع تكنولوجيا المعلومات، ومع مسائل انتهاء صلاحية بطاقات هويتهم وإثباتات سكنهم، إضافة إلى ضآلة ما يحصلون عليه من معلومات ودعم".
وفي هذا الإطار، يشير التقرير الجديد الصادر بالتنسيق مع "جمعية دعم شعب الروما"، من جهته، إلى أن المعلومات المتعلقة بعدد أفراد الغجر الذين تقدموا بطلبات الإقامة وفق النظام المخصص لحاملي جنسيات الاتحاد الأوروبي تبقى حتى الآن معلومات "ضئيلة"، وكذا هو الحال بالنسبة لعدد الذين منحوا وضعية "ما قبل الإقامة" pre-settled (قيد الدرس)، التي تبقى وضعية مؤقتة وتتطلب منهم بعد خمسة أعوام التقديم من جديد للحصول على الإقامة.
وتتخوف الجمعيات الخيرية من أن يواجه الغجر الذين منحوا وضعية "ما قبل الإقامة" صعوبات في إثبات وضعهم كمهاجرين حين تنتهي صلاحية وضعية "ما قبل الإقامة" التي يحملونها. وتشير دراسة استطلاعية قامت بها "جمعية دعم شعب الروما" شملت أكثر من ألف شخص من الغجر تقدموا بطلبات الحصول على الإقامة، أن 62 في المئة ممن تلقوا الدعم منحوا وضعية "ما قبل الإقامة"، مقارنة بالمعدل العام على الصعيد الوطني الذي يبلغ 41 في المئة.
وعن هذا الأمر قال متحدث باسم وزارة الداخلية البريطانية، إن "نظام الإقامة المخصص لحاملي جنسيات الاتحاد الأوروبي منح ملايين الأشخاص وضعية إقامة رقمية آمنة يمكن إبرازها متى دعت الحاجة، وهي أفضل بكثير من الوثائق المحسوسة (الورقية أو ما شابه) التي يمكن أن تُفقد أو تُسرق". وتابع المتحدث الحكومي قائلاً "ثمة مقدار كبير من الدعم، وهو متوفر من دون مقابل، وذلك يتضمن خطاً هاتفياً مفتوحاً مخصصاً للمساعدة على مدى أيام الأسبوع السبعة، وعشرات الجمعيات الخيرية المنتشرة في أنحاء المملكة المتحدة لتأمين الدعم بفضل ما تقدمه الحكومة من تمويل".
© The Independent