في الوقت الذي ما زالت أخبار تسلل عدد من القوارب الصغيرة عبر القناة الإنجليزية تتصدر العناوين، تروج مزاعم تطغى على غيرها من المعلومات في وسائل الإعلام تشير إلى أن معظم الوافدين من الشباب الذين يسعون إلى الوصول إلى الشواطئ البريطانية يفعلون ذلك لأسباب اقتصادية حصرياً.
فقد تبين من خلال استطلاعات أجريت، أخيراً، أن نحو نصف الرأي العام البريطاني قلما يتعاطف مع طالبي اللجوء الذين يخوضون رحلة يائسة عبر القناة الإنجليزية من فرنسا، في حين زعم بعض العاملين في المجال العام أن غالبية أولئك المغامرين ليسوا لاجئين بل "مهاجرين لأسباب اقتصادية".
وكذلك يواصل أمثال (السياسي المثير للجدل) نايجل فاراج وعدد من نواب حزب المحافظين وصف تزايد عمليات عبور القناة بأنها "أزمة" و"غزو"، انتقلت صحيفة "اندبندنت" إلى شمال فرنسا، بتمويل من "برنامج الداعمين" Supporter Programme في محاولة لاستشراف الدوافع الحقيقية لبعض الشباب والفتية هناك.
إمانويل، 17 عاماً، سوداني
غادرت الخرطوم في 2016 بسبب مشكلات كبيرة واجهتني مع الشرطة وأخرى بسبب انتمائي الديني. أمضيت سنة ونصف السنة في ليبيا. آنذاك، ظهرت عصابات كثيرة، وما زلت أحمل كثيراً من الندوب. وضعت رهن الاعتقال مدة عام. ولم يكن لدي ما أرتديه للنوم إلا بعض الملابس الداخلية. عمدت تلك العصابات إلى ربط الأسرى لديها بحبال. وفي بعض الأحيان، كنت أمضي ثلاثة أيام بلا طعام أو ماء، فصرت نحيلاً للغاية، وشعرت بكثير من الوحدة.
تمكنت من الفرار من مركز الاعتقال بعد حدوث شجار كبير تدخلت الشرطة في فضه. خرجت من المكان مهرولاً. وفي يناير (كانون الثاني) 2020، ركبت قارباً غص بنحو 79 شخصاً، وذلك عدد كبير جداً بالنسبة إلى سعته. لم أتمكن من أن أحظى ولو بمساحة صغيرة على متنه، ولم يكن هناك طعام ولا ماء. بعدها، انتشلنا قارب إنقاذ إلى أحد المراكز، حيث حصلنا على ملابس وتمكنا من الاستحمام وتناول الطعام. وأخذت أيضاً بصمات أصابعنا.
أخذونا على إثر ذلك إلى معسكر كبير أشبه بسجن، مما حدا بي إلى مغادرة إيطاليا. انتقلت بالقطار إلى فرنسا وجئت إلى مدينة "كاليه" في يونيو (حزيران) كي أحاول الوصول إلى إنجلترا. ودوماً، كانت الشرطة تمسك بنا، ويخبرني أفرادها بأن هذا ليس وطنك، وهذه ليست بلادك. إنهم يستخدمون الغاز المسيل للدموع الذي يسبب الألم في العينين. وعندما أطلعهم على عمري، يخبرونني بأنه يتوجب علي البقاء في مركز الشرطة أربع وعشرين ساعة. وقد دخلت المركز خمس أو ست مرات.
أريد الوصول إلى المملكة المتحدة كي أركن إلى بعض من الراحة. أنا أتكلم الإنجليزية وأبحث عن فرصة للعمل والتعلم. في بريطانيا، يمكن ممارسة لعبة كرة القدم. الناس هناك طيبون ويحبون تقديم المساعدة. لا أريد أن أطلب اللجوء في فرنسا لأن الشرطة سيئة والناس سيئون للغاية. إنهم لا يحبوننا. في فرنسا، أنام في الشوارع. لذا، فإنني إذا مت وأنا أحاول الذهاب إلى بريطانيا، فلن تكون هناك مشكلة، في النهاية، هذه ليست حياة. تمثل إنجلترا الأمل الوحيد لدي.
مبين، 22 عاماً، إيراني
حدث احتجاج مناهض (للحكومة الإيرانية) في المدرسة التي كنت أعمل فيها. وتعرضت لإطلاق النار، وتلقيت سبع رصاصات صغيرة. كان من الممكن أن أقتل. ولقد قتل بعض من أصدقائي في ذلك الاحتجاج. أشارت أسرتي إلى أنه من الأفضل أن أهرب على أن أخسر حياتي أو أن يزج بي في السجن سنوات عدة. وتدبرت عائلتي الأمر مع أحد المهربين كي يعبر بي الحدود. لقد باع والدي كل شيء كي أتمكن من الهرب.
وضعني المهرب ليلاً داخل شاحنة. ظللت فيها لمدة يومين بلا طعام. رافقني أشخاص آخرون. كنا نخرج ونمشي لوقت طويل، ونبقى معاً في مكان ما لبعض الوقت ثم نعاود مجدداً السير، وبعدها نركب شاحنةً أخرى. لم أكن أعرف أين أنا. توجب علينا البقاء بعيداً عن أعين الشرطة، حتى أننا لم نكن نستخدم وسائل النقل العام. وقد مشيت سيراً على القدمين 20 يوماً كي أصل إلى هنا [كاليه] في فرنسا.
لا أنوي طلب اللجوء في فرنسا. أريد متابعة دراستي للغة الإنجليزية. تخصصت في علم اللغويات التطبيقية، ويمكنني أن أصبح مترجماً. استطعت الوصول إلى هذه النقطة التي تشكل المرحلة الأخيرة من رحلتي، لكنها أيضاً المرحلة الأشد شراسة. ليس هناك من سبيل آخر. من الممكن الذهاب إلى بريطانيا إما عبر القوارب أو داخل إحدى الشاحنات. تلك هي الخيارات المتوافرة. يكلف الأمران مالاً ويتطلبان اللجوء إلى مساعدة من المهربين. أحياناً، يكون هناك نحو خمسة عشر أو عشرين شخصاً على متن قارب لا يزيد طوله على خمسة أمتار. إنه أمر خطير، لكنني ما زلت أعتقد أنه يستحق المجازفة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نبيل، 17 عاماً، صومالي
غادرت بلادي قبل نحو 10 أعوام بسبب القتال في مقديشو. أريد الذهاب إلى لندن لأن والدتي وشقيقي اللذين لم أرهما منذ أعوام يقيمان هناك. حاولت الانتقال على متن شاحنات لكن الشرطة كانت تقبض علي. يتعين دفع مبالغ كبيرة كي أخوض تلك المجازفة، لكنني لا أملك النقود، وكل ما تبقى لي هو الحلم.
مانديل، 21 عاماً، صومالي
غادرت الصومال في 2014 بسبب الصراع الدائر فيها، وموجود في "كاليه" منذ نحو شهر. أمضيت خمسة أعوام في ألمانيا، وعانيت البؤس. وإضافةً إلى ذلك، لم يمنحوني أي أوراق ثبوتية.
ومنذ وصولي إلى "كاليه"، تعرضت للضرب، وتوجب أن أدخل المستشفى كي أخضع لجراحة في ذراعي. قررت البارحة تغيير رأيي والتراجع عن الذهاب إلى المملكة المتحدة. لا أستطيع البقاء في الشارع على هذا النحو، وقد أضطر إلى طلب اللجوء هنا، في فرنسا.
سالومون عبدالله، 29 عاماً، سوداني
أثناء محاولة جماعات مسلحة قتلنا داخل قريتنا، تعرضت أختي للاغتصاب. حاولت جاهداً الدفاع عنها. بعد ذلك، طلبت مني والدتي المغادرة لأن الوضع لم يكن آمنا. انتقلت إلى النيجر حيث عملت في حقول الذهب. وحينها، لم أفكر أبداً في الذهاب إلى أوروبا، أردت فقط العمل لبضعة أشهر والعودة إلى بلادي، لكنني مكثت هناك قرابة سبعة أشهر فيما ازداد الوضع في السودان سوءاً. لم يكن هناك شيء في النيجر، لذا كان علي مواجهة الأمر والرحيل.
غادرت إلى ليبيا. ودفعت ثمن الرحلة إلى إيطاليا. القارب الذي نقلنا حمل 137 شخصاً. شعرت بأن الموت أصبح داهماً، وكدت أفقد الأمل إلى أن جرى إنقاذنا ووصلنا إلى إيطاليا. عندما غادرت ليبيا لم أكن أفكر في الذهاب إلى المملكة المتحدة، لكن عندما وصلت إلى إيطاليا، وجدت أن هناك كثيراً من اللاجئين، وأدركت أنني لن أتمكن من الوصول إلى نتيجة. توجهت إلى فرنسا، لكن كان يتوجب علي تعلم اللغة الفرنسية. قلت في نفسي إن المملكة المتحدة يجب أن تكون هدفي الأول. وفي ذلك اليوم عقدت العزم على التوجه إليها.
أعيش الآن في وسط الغابات، وأنا من الأشخاص الذين قضوا وقتاً طويلاً هنا إذ وصل معظم الناس في مرحلة متأخرة، في حين غادر أصدقائي. بعضهم وصل إلى المملكة المتحدة وطلبوا اللجوء هناك. أما البعض الآخر فقد طلب اللجوء في أماكن أخرى من أوروبا. وقد حاولت ركوب الشاحنات مرات عدة، وألقي القبض علي دوماً. لم أحاول العبور على متن قارب لأن الكلفة باهظة.
لدي أصدقاء في المملكة المتحدة وأحد أعمامي، وأتطلع بشوق إلى الانضمام إليهم. أريد أن أكون في المملكة المتحدة كي أتابع الدراسة وأطور مسار حياتي. في كل مرة أستيقظ فيها، أشعر بأن علي أن أصل إلى هناك قبل نهاية هذه السنة بسبب مسألة الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي. إذ ستتغير الأمور بعده بالنسبة إلى اللاجئين. أعتقد أنه سيصبح من المستحيل على اللاجئين الوصول إلى المملكة المتحدة السنة المقبلة. وإذا ظل الأمر على ما هو عليه حتى 2021، فسأطلب اللجوء في فرنسا.
حسن، 17 عاماً، سوري
عندما بدأت الحرب السورية، كنت في التاسعة من عمري، ولم أكن أرتاد المدرسة للتعلم آنذاك. قضى والداي قتلاً ولا أعرف إلى أين ذهب إخوتي. عشت مع جديّ، وقد مات كلاهما في بداية هذه السنة. حينها، قررت المغادرة فانتقلت إلى تركيا، ثم ذهبت إلى السودان، وبعده إلى ليبيا، فالجزائر. استغرق الأمر كله قرابة شهرين. بقيت في الجزائر لفترة من الوقت اشتغلت أثناءها في أعمال البناء. لكن الأمور لم تكن جيدة، ولم يكن لدي أحد هناك. أما أبناء عمومتي وما تبقى من عائلتي، فإنهم موجودون في إنجلترا.
ساعدني أحد الأشخاص على الوصول إلى أوروبا، وقد استغرق الأمر 31 ساعة. وصلت إلى إسبانيا بعد تكبدي كثيراً من المشقات. وسرعان ما قبضت الشرطة علي وأدخلت السجن بلا طعام، وأخذت بصمات أصابعي تحت الضغط. ذهبت إلى "كاليه" ووصلت إلى إنجلترا في 15 يونيو (حزيران) على متن قارب. دفعت 3 آلاف جنيه إسترليني (حوالي 4 آلاف دولار أميركي)، وقد شكل ذلك المبلغ كل ما في حوزتي. كنت سعيداً للغاية. فقد تحقق حلمي.
في "كاليه"، أخبروني أنه إذا كشفت عن أن عمري يقل عن 18 عاماً، فسألقى متاعب، وقد احتجز في مكان ما. لذا، أخبرت حكومة المملكة المتحدة بأنني أبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً. لم يكن لدي شخص آخر كي أخذ النصيحة منه، وبالتالي لم أكن أعرف الشيء الأفضل بالنسبة إلي. وضعت في فندق وبقيت فيه بضعة أشهر. حاولت أن أبدأ حياة جديدة كي أنسى كل شيء عن الحرب.
بعد ذلك، بادرت الشرطة إلى اعتقالي. وأوقفت ورحلت إلى إسبانيا. شعرت بأن حياتي انتهت وتدمرت. عندما وصلت إلى إسبانيا، واجهت التشرد فقررت العودة على الفور إلى "كاليه". الآن ليس لدي مال، لكنني آمل في أن أجد طريقة ما لتحصيله. إن وضعي يمكن اختصاره الآن بكلمتين هما، إنجلترا أو الموت.
أيوب، 29 عاماً، كردي
عندما كنت في السابعة من عمري، حينما تعرضت والدتي للقتل إبان حكم نظام صدام حسين. وكنا نشعر بأننا لاجئون حتى في بلدنا. وأطلقت النار علي بسبب نقلي بعض السلع عبر الحدود، فذلك شكل العمل الوحيد الذي أمكننا الحصول عليه بسبب الاضطهاد الذي كان يمارس ضد الكرد. قرار الرحيل كان صعباً للغاية، لكن في النهاية لم تكن توجد أمامي حلول أخرى. في حال بقيت هناك، كنت سأقتل لا محالة على يد السلطات الإيرانية. وقد حدثت لي هناك أمور كثيرة لا أستطيع التحدث عنها. إنه لأمر مؤلم للغاية.
رفضت ألمانيا طلبي اللجوء إليها، فغادرت إلى فرنسا قبل نحو أسبوعين فاقداً الأمل بعد ما خسرت كل شيء. لا أريد سوى ورقة تسمح لي بالعمل بطريقة قانونية وأن أعيش حياةً طبيعية. أريد أن أعيد المال الذي أخذته من أسرتي، فإن عائلتي تشكل السبب الوحيد الذي يجعلني أثابر على الحياة، ولولاها لكنت قد وضعت حداً لحياتي.
أريد حقاً العودة إلى بلادي لكن هذا الخيار ليس متاحاً لي. لقد حدثت لي أشياء فظيعة، وبت أفضل الموت وأنا أحاول الانتقال إلى حياة أفضل على أن أعود إلى بلادي وأقتل هناك. يتمثل حلمي في الوصول إلى إنجلترا ومجرد الشعور بالأمان.
(مول هذا المقال من جانب الجهات الداعمة لنا. إذا كنتم ترغبون في قراءة مزيد من هذه التقارير المهمة، يرجى تقديم مساهمة)
© The Independent