أكدت "أوبك" أن الطلب العالمي على النفط سيبلغ الذروة في أواخر العقد المقبل، وقد يبدأ في التراجع بحلول ذلك الوقت، في تحول كبير لمنظمة المنتجين، يعكس التأثير المستمر لأزمة فيروس كورونا على الاقتصاد وعادات المستهلكين.
ويأتي التنبؤ الصادر عن منظمة "أوبك"، الوارد في توقعات النفط العالمي 2020 للمنظمة، في ظل تنامي عدد من التوقعات الأخرى بأن الجائحة ربما تمثل نقطة تحول لذروة الطلب على النفط، إضافة إلى تنامي سوق الطاقة من مصادر متجددة، مثل الطاقة الشمسية والرياح والطاقة النووية.
وقالت "أوبك" إن استخدام النفط سيرتفع إلى 107.2 مليون برميل يومياً في 2030 من 90.7 مليون برميل يومياً في 2020، بانخفاض 1.1 مليون برميل يومياً عن توقعاتها لعام 2030 الصادرة العام الماضي، وبما يقل 10 ملايين برميل يومياً عن توقعها عام 2007 للطلب في 2030.
وتواصل مؤسسات أخرى، كوكالة الطاقة الدولية وشركات البحوث والدراسات في قطاع الطاقة العالمي، خفض تقديراتها لنمو الطلب العالمي على النفط خلال السنوات المقبلة.
تعافي النفط مع دخول الإعصار
على صعيد آخر، استمرت الأسعار في التعافي مع تركيز السوق على انقطاع وتأثر إمدادات النفط والغاز في الولايات المتحدة الأميركية نتيجة إعصار دلتا في خليج المكسيك، ويؤكد متخصصون في شؤون النفط أن التوقعات تشير تقريباً إلى أن 30 في المئة من إنتاج النفط هناك، أو ما يعادل 500 ألف برميل يومياً، ستتوقف بسبب الإعصار والإجراءات الاحترازية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الوقت نفسه، يبدو أن هناك إعصاراً جديداً يتشكل أيضاً مع انخفاض إنتاج النفط في النرويج بمقدار 350 ألف برميل يومياً، نتيجة إضراب عمال النفط، وقال اتحاد النفط والغاز النرويجي إن "التوقف الراهن في الإنتاج بسبب الإضراب المستمر في قطاع النفط والغاز سيزيد إلى 966 ألف برميل من المكافئ النفطي يومياً، بحلول 14 أكتوبر (تشرين الأول)، ما لم يتم التوصل إلى حل للأزمة في الوقت الحالي".
هذا في وقت يشهد استهلاك الصين والهند تعافياً، كما أن المخزون من النفط والمنتجات بدأ ينخفض وإن بوتيرة أقل، كما أن إنتاج النفط الخام في ليبيا ما زال يدور بين 200 و300 ألف برميل يومياً، كما أن قطاع التكرير بدأ الانتعاش بشكل بطيء، لكنه نحو التوازن.
شركات الطاقة المتجددة المنافس في وول ستريت
وبلغت قيمة شركة الطاقة المتجددة "نكست إرا إنيرجي" السوقية 145 مليار دولار، مقارنة مع "اكسون موبيل" التي بلغت قيمتها 142 مليار دولار، في مؤشر جديد إلى تراجع مركز المجموعة النفطية العملاقة، ومقرها تكساس، والتي أزيلت هذا العام من مؤشر "داو جونز" المرموق بعد أكثر من 90 عاماً.
ويشير الخبير في مجال الطاقة لدى شركة "ثرد بريدج" للأبحاث بيتر ماكنالي إلى أن صعود "نكست إرا" وغيرها من الشركات التي تركز على الطاقة المتجددة ليس مجرد اتجاه عابر.
وقال، "شهدت ظهور واختفاء اتجاهات رائجة تتعلق بالطاقة البديلة على مدى العقد الأخير، وأنا متأكد أن الناس سيتساءلون عن الثمن الذي دفعه عدد من المستثمرين لقاء الإيرادات التي يتم تحقيقها". وأضاف، "إنهم في المكان والوقت المناسبين".
طاقة الرياح تكتسح
واستثمرت "نكست إرا" التي تأسست عام 1925 في فلوريدا، إذ ما زالت تمد 5 ملايين منزل بالكهرباء، في تكنولوجيا طاقة الرياح والطاقة الشمسية منذ تسعينيات القرن الماضي.
وبدأت هذه الاستثمارات تؤتي أكلها نظراً للتطور التكنولوجي الكبير الذي تحقق في مجال الطاقة المتجددة. وقال ماكنالي، "أصبح إنتاج الكهرباء عبر مصادر الطاقة البديلة ينافس المصادر التقليدية على غرار الفحم والغاز الطبيعي". وأضاف، "لو أن هذه الاستثمارات تمت قبل 10 سنوات لكانت نتائجها اختلفت على الأرجح، إذ إن توليد الطاقة من الرياح والشمس بات أقل كلفة بكثير".
وتعد "نكست إرا" أكبر منتج لطاقة الرياح في أميركا الشمالية، ومن رواد منتجي الطاقة الشمسية في الولايات المتحدة.
وهناك عامل آخر لا يقل أهمية، ألا وهو ازدياد تركيز المستثمرين على التغير المناخي، وميلهم نحو الشركات التي تتبنى فكرة أن مصادر الطاقة المتجددة ستصبح اللاعب الأكبر في معادلة الطاقة.
ولا يخفى أن رأياً مشابهاً كان وراء تحول "تيسلا" إلى شركة السيارات ذات القيمة السوقية الأكبر، لتتفوق على "جنرال موتورز" و"فورد"، بالرغم من أن الشركتين التقليديتين تبيعان عدداً أكبر من السيارات.
وفي 2019، سجلت "نكست إرا" أرباحاً بقيمة 3,8 مليار دولار مع عائدات بلغت 19 مليار دولار. وفي الفترة ذاتها، سجلت "اكسون موبيل" أرباحاً بقيمة 14,3 مليار دولار وعائدات بقيمة 265 مليار دولار.
توقعات قاتمة لأسعار النفط
ويتزامن تراجع "اكسون موبيل" مع التوقعات القاتمة لأسعار النفط غداة أزمة "كوفيد-19"، وتواصل الضبابية حيال الطلب. وجعلت هذه القوى المحركة قرارات "اكسون موبيل" الاستراتيجية تبدو سيئة خلال السنوات الأخيرة.
واستثمرت شركة النفط العملاقة حوالى 80 مليار دولار بين العامين 2017 و2019، إذ تم تخصيص نحو ثلث المبلغ للاستثمارات في النفط الصخري الأميركي، في مسعى لزيادة الإنتاج بمليون برميل يومياً بحلول 2024، لكن نظراً للأزمة التي شهدها القطاع، تبدو هذه الأهداف بعيدة المنال.
ومع تهاوي أسعار النفط، خفضت "اكسون موبيل" موازنتها الاستثمارية للعام الحالي.
في المقابل، استفادت "نكست إرا" من أسعار الكهرباء المنظمة، واستقرار الاستهلاك، إذ إن ثلثي عائداتها مرتبطة بإمداد الكهرباء. وبين مصدر العائدات الثابت وخبرتها في تخزين طاقة الرياح والشمس، تعد "نكست إرا" في "وضع يسمح لها بالانتقال إلى عالم توليد الطاقة المتجددة والخالية من الانبعاثات"، بحسب المحلل لدى "مورنينغ ستار" أدنرو بيشهوف، الذي أضاف، "يقدر المستثمرون بكل تأكيد هذا النوع من السجل الكربوني.