منذ ثلاثة أسابيع يعاني محمد (أحد مواطني غزة) من شدة ملوحة المياه الواصلة إلى منزله، يصفها "بأنها غير صالحة للاستخدام الآدمي"، ليست هذه المشكلة فحسب، بل يشتكي من انقطاعها المتكرر لمدة تزيد عن 10 ساعات في اليوم، ولا تقتصر هذه الحالة عليه، إذ يشاركه الأمر ذاته معظم سكان أحياء قطاع غزة، وبات الحصول على المياه بملوحتها ضرباً من المعاناة.
وحتى عندما تصل المياه إلى الأحياء فإن سكان غزة يشتكون من عدم وصولها إلى خزانات منازلهم، يقول محمد، "لشدة ملوحة المياه الآتية من بلديات القطاع، نضطر لشراء المياه المُحلّاة، أعتقد أن الماء لدينا غير صالح حتى لري المحاصيل الزراعية".
إسرائيل تمنع مواد التعقيم
في الواقع، ينتظر سكان غزة كارثة حقيقية في مجال المياه، إذا نفذت إسرائيل تهديدها بمنع إدخال الكلور، أو إدخاله بعد خفض نسبة تركيزه من 12 في المئة إلى 5 في المئة، الأمر الذي يجعل القطاع على محك أزمة مياه كبيرة.
ويعد الكلور المادة الوحيدة المسموح بدخولها لتعقيم المياه في غزة، بعدما منعت إسرائيل قبل 11 سنة دخول مادة الـ"أوزون" وجهاز التعقيم باستخدام الأشعة فوق البنفسجية إلى القطاع، من دون تبرير، يقول مدير الشؤون الفنية في مصلحة بلديات الساحل عمر شتات إن "المواد الممنوعة من الدخول هي الأهم للتعقيم، واللجوء إلى استخدام الكلور السائل بديل اضطراري على الرغم من أنه غير كاف للتعقيم".
وعلى الرغم من أن الكلور غير كاف، تهدد إسرائيل بعدم السماح بإدخاله إلى غزة، أو في أحسن الأحوال فإنها تنوي تخفيض نسبة تركيزه، في حين يستعمل القطاع حوالي 90 متراً مكعباً شهرياً من الكلور المركز بنسبة 12 في المئة، ويقول شتات، "أجهزة الحقن داخل محطات التحلية مضبوطة على تراكيز محددة، وفي حال كان الكلور بنسبة 5 في المئة، فإنه لا يمكن استخدامه، وعند وقف توريده نضطر إلى تقنين إنتاج المياه، أو إيقاف عمل محطات التحلية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كارثة بيئية
على الرغم من الاعتماد على الكلور بشكل أساسي في التعقيم، إلا أنه غير مجد في بعض الأحيان، خصوصاً عند معالجة مياه الشرب المستخرجة من الآبار، يشرح شتات، "عند خروج الماء من البئر، يخلط الكلور فيه مباشرة بنسب متعارف عليها، بحد أدنى 0.3 من الغرام لكل لتر ماء شرب، بينما نواجه مشكلة تلوث شبكة الأنابيب الناقلة للمياه، التي بدورها تفقد مادة التعقيم فعاليتها".
يضيف شتات، "حال منع الكلور فإننا سنمر بكارثة بيئية، خصوصاً مع أزمة كورونا، مياه غزة تعاني من الملوحة، ونعمل على تعقيمها بالكلور فقط، الذي نعتمد عليه بنسبة 99 في المئة".
وبحسب معلومات "اندبندنت عربية" فإن لدى غزة مخزوناً من الكلور يكفي لمدة لا تزيد على خمسة أشهر، وفي العادة لا يمكن الاحتفاظ بهذه المادة فترة طويلة كي لا تفقد صلاحيتها أثناء التخزين.
نقص في المياه
في الحقيقة، الأزمة ليست مقتصرة على تعقيم المياه، فقطاع غزة يعاني من الأساس من نقص في المياه، إذ يحتاج القطاع حوالي 291 مليون متر مكعب سنوياً من الماء، يتوفر منها 236 مليون متر مكعب سنوياً، بينما يبلغ العجز أكثر من 55 مليون متر مكعب سنوياً، وفقاً لنائب رئيس سلطة المياه في القطاع مازن البنا.
وعادة، تعتمد بلديات قطاع غزة ومصلحة بلديات الساحل، اللتان تزودان السكان بالماء، على ثلاثة مصادر، الأول المياه الجوفية (تعد المصدر الرئيس) وتغطي سنوياً حوالي 200 مليون متر مكعب، أما المصدر الثاني فمن شركة "مكروت" الإسرائيلية التي تزود القطاع بحوالي 20 مليون متر مكعب سنوياً، في حين أن المصدر الثالث محطات التحلية الست المنتشرة في غزة، التي تغطي حوالي 16 مليون متر مكعب سنوياً.
شديدة الملوحة
يفصل البنا الاستهلاك السنوي للقطاع من المياه قائلاً، "يحتل الاستخدام المنزلي أعلى نسبة، تتبعه الزراعة، وفي المرتبة الثالثة السياحة".
وعلى الرغم من وجود هذه الكميات من المياه، إلا أن غزة تعاني من الملوحة الشديدة، ويوضح البنا أن نسبة النترات في المياه تبلغ 1000 في الليتر الواحد، بينما يبلغ معدلها الطبيعي 250 في الليتر، وفقاً لما حددته منظمة الصحة العالمية لمناطق الشرق الأوسط.
ويرجع السبب وراء ملوحة المياه الشديدة في غزة إلى انخفاض منسوب المياه إلى ما يزيد عن 16 متراً في الآبار الجوفية عن مستوى سطح البحر، الأمر الذي أدى لدخول مياه البحر على المياه الجوفية. ويقول المختص في قضايا المياه عدنان عايش، "تضخ محطات معالجة الصرف الصحي 112 ألف لتر مياه عادمة يومياً في بحر غزة، الأمر الذي يؤثر مباشرة على المياه الجوفية".
وتعد زيادة عدد الآبار الجوفية أكثر العوامل التي تؤثر على المياه، سواء من حيث المخزون أو الملوحة، وتشير المعلومات الواردة لـ"اندبندنت عربية" إلى وجود أكثر من 14 ألف بئر محفورة في مختلف محافظات القطاع، منها 4500 بئر مرخصة ومتابعة من سلطة المياه وبلديات غزة، بينما أكثر من 10 آلاف بئر عشوائية.