خلص متخصصون في علوم الفلك إلى أن جسماً فضائياً رصده "تلسكوب هاواي" Hawaii الشهر الماضي، وأضيف إلى الحصيلة الرسمية للأجرام الفضائية الصغيرة باعتباره "كويكباً" جديداً، ربما يكون في حقيقة الأمر خردة فضائية من تركات بعثة أخفقت في الهبوط على سطح القمر قبل 54 عاماً.
واستطراداً، ذُكر سابقاً أن جسماً فضائياً يسمى "كويكب 2020 أس أو" asteroid 2020 SO، يتجه نحو كوكب الأرض، وسوف تشدُّه جاذبيتها نحوها في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وتالياً، سيدور حول مدار الأرض قرابة أربعة أشهر، قبل أن يعود إلى مداره حول الشمس في مارس (آذار) المقبل، وفق اعتقاد المتخصصين.
في المقابل، أعرب متخصص متقدم في مجال الكويكبات لدى وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) عن اعتقاده الآن أن ذلك الجسم الفضائي ليس كويكباً. في الواقع، يرى عالم الفلك أنه جزء متبقٍّ من صاروخ فضائي قديم.
"أنا متحمس للغاية حيال ذلك"، وفق مانقله المتخصص بول تشوداس إلى وكالة "أسوشييتد برس".
وأضاف "إنها هواية بالنسبة لي أن أجد أحد تلك (المخلفات في الفضاء)، واستنتج وجود رابط (مع بعثة فضائية ما)، وما زلت أفعل ذلك منذ عقود".
ووفق تكهنات تشوداس، يشكل ذلك الحطام الفضائي في الواقع الجزء الأعلى من صاروخ "سنتور" Centaur (صاروخ متعدد المراحل صمم كي يستخدم كمرحلة متقدمة في أداة حمل مركبة إلى الفضاء الخارجي) الذي نجح في دفع حمولته المتمثلة في مسبار "سيرفيور 2" Surveyor 2 الذي صنعته "ناسا"، وأطلقته إلى القمر في 1966، قبل أن ينفصل عن إجمالي كتلة تلك المركبة.
انتهى المطاف بـ"سيرفيور 2" إلى التحطم على سطح القمر بعد تعرض أحد محركات الدفع لخلل منعه من الاشتعال خلال مساره نحو ذلك التابع المنير للأرض (القمر).
وآنذاك، وصل الصاروخ "سنتور" بسرعة إلى القمر وتجاوزه، ثم دخل في مدار حول الشمس، ورصد لاحقاً كقطعة حطام فضائي متروكة عن قصد، ولم يظهر مرة أخرى، حتى الآن ربما.
وفي الشهر الماضي، عثر عدد من العلماء في (جزيرة) هاواي مُصادفةً على ذلك "الجُرم" غير المتوقع خلال إجرائهم بحثاً يرمي إلى حماية كوكبنا مما يسمى "صخور نهاية العالم" الفضائية، في إشارة إلى مجموعة من الأجسام التي تتحرك في الفضاء الكوني، ويعتقد أنها قد تهدد الأرض بتأثيرات كارثية.
ولاحقاً، أضيف "الجُرم" الفضائي إلى حصيلة "مركز الكواكب الصغيرة" Minor Planet Center (المنظمة الرسمية التابعة لـ"الاتحاد الفلكي الدولي" International Astronomical Union) للكويكبات والمذنبات الموجودة في نظامنا الشمسي، والتي ينقصها خمسة آلاف جُرم لتصل إلى عتبة المليون.
استناداً إلى مدى سطوعه، يقدر حجم ذلك الجسم بنحو 26 قدماً (نحو ثمانية أمتار)، ما يعني أنه بحجم صاروخ "سنتور" القديم، الذي يبلغ طوله أقل من 32 قدماً (زهاء 10 أمتار) بما في ذلك فوهة المحرك في الصاروخ الذي يبلغ قطر جسمه 10 أقدام (نحو ثلاثة أمتار).
واستطراداً، لفت انتباه تشوداس أن للجسم مداراً شبه دائري حول الشمس يُماثل تماماً مدار الأرض، وهي سمة غير مألوفة بالنسبة إلى كويكب.
"(لقد شكل ذلك) الراية (إشارة التنبيه) رقم واحد"، وفق تشوداس الذي يتولى إدارة "مركز دراسات الأجسام القريبة من الأرض" Center for Near-Earth Object Studies في "مختبر الدفع النفاث"Jet Propulsion Laboratory التابع لوكالة "ناسا" في جنوب ولاية كاليفورنيا الأميركية.
أكثر من ذلك، يدور ذلك ضمن مدار له نفس مستوى الأرض، وليس مائلاً إلى أعلى، أو أسفل، وقد شكل ذلك (بالنسبة إلى تشوداس) "راية حمراء" ثانية. يُشار إلى أن الكويكبات تعبُر عادةً قرب الأرض، وتتقاطع مع مدار كوكبنا بزوايا نافرة.
أخيراً (وتلك كانت "الراية الثالثة" بالنسبة إلى تشوداس)، يقترب الجُرم من الأرض بسرعة 1500 ميل (نحو 2414 كيلو متراً) في الساعة، وهي سرعة بطيئة وفق معايير الكويكبات.
واستطراداً، ومع اقتراب الجسم إلى الأرض، ينبغي أن يكون علماء الفلك قادرين على وضع رسم بياني عن مداره بشكل أفضل وتحديد مدى الضغط الذي يمارس عليه من جانب أشعة الشمس وتأثيراتها الحرارية. وإذا كان ذلك الجسم هو صاروخ "سنتور" القديم الذي يتكون أساساً من صفيحة فارغة خفيفة الوزن، فسيتحرك في شكل مُغاير للطريقة التي تتحرك بها عادةً صخرة فضائية ثقيلة تكون أقل تأثراً (من مجرد صفيحة فارغة) بالقوى الخارجية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
استناداً إلى ذلك المعيار، يميز علماء الفلك عادة بين الكويكبات والخردة الفضائية التي تشمل بقايا خلفتها صواريخ فضائية، إذ يظهر النوعان من الأجسام الفضائيان كلاهما كنقاط متحركة في السماء. في هذا الصدد، لم يستبعد تشوداس وجود عشرات من الكويكبات المزيفة، بيد أن تحركاتها تفتقر بشدة إلى الدقة أو مشوشة إلى درجة تعيق تأكيد هويتها الصناعية. في بعض الأحيان، يكون الأمر معكوساً.
ففي 1991 مثلاً، تثبت تشوداس وآخرون من أن جُرماً غامضاً رصدوه يشكل كويكباً عادياً، وليس مجرد حطام فضائي، على الرغم من أنه كان للجسم مداراً فلكياً حول الشمس يشبه مدار الأرض.
وفي منحى أكثر تشويقاً، وجد تشوداس في 2002 ما يعتقد أنه الجزء الثالث المتبقي من صاروخ "ساتورن 5" من بعثة "أبولو 12" التي أطلقت في 1969، ومثلت الهبوط الثاني على سطح القمر، وقد نفذه طاقم من رواد الفضاء في "ناسا". ويقر المتخصص في الكويكبات بأن الأدلة آنذاك كانت ظرفية، نظراً إلى المدار الفوضوي الذي اتخذه الجُرم طوال عام حول الأرض. وبذا، لم يصنف (ذلك الجسم) على أنه كويكب، وغادر مدار كوكبنا في 2003.
في المقابل، يتحرك الجرم المكتشف حديثاً والمشار إليه آنفاً، في مسار يبدو مباشراً وأكثر استقراراً، ما يدعم نظرية تشوداس.
"ربما أكون مخطئاً في هذا الشأن"، ذكر تشوداس، مضيفاً "لا أريد أن أبدو شديد الثقة. غير أنها المرة الأولى، من وجهة نظري، التي تتلاءم جميع الدلائل مع إطلاق بعثة فضائية معروفة فعلاً" (مسبار "سيرفيور 2").
وكذلك لا يتردد تشوداس عن الإشارة إلى سروره بأنه تابع تلك البعثة في 1966 حينما كان مراهقاً يعيش في كندا.
وفي مسار متصل، تطرقت إلى الاكتشاف نفسه كاري نوجنت، المتخصصة في تعقب الكويكبات وتعمل في "كلية أولين للهندسة" في "نيدهام" بولاية ماساتشوستس الأميركية Olin College of Engineering in Needham, Massachusetts، مشيرة إلى أن استنتاج تشوداس "جيد"، وفق وصفها، ويستند إلى أدلة متينة "سيكون مفيداً توفير بعض البيانات الإضافية كي نتبين (هوية الجُرم) بشكل أكيد. سيواصل متعقبو الكويكبات في شتى أنحاء العالم مراقبة هذا الجسم الفضائي بغية استخراج تلك البيانات. أنا متحمسة لأرى كيف سيتطور الأمر!"، ووفق ما كتبت نوجنت في رسالة إلكترونية.
في تطور متصل، أشار جوناثان ماكدويل من "مركز هارفارد سميثسونيان للفيزياء الفلكية" Harvard-Smithsonian Center for Astrophysics إلى وقوع "مجموعة كبيرة جداً من الحوادث المحيرة المتصلة بأجسام فضائية في مدار عميق، وكذلك حصول كويكبات على تسميات مؤقتة تدوم بضعة أيام قبل أن يلاحظ أنها بقايا صناعية". في الواقع، نادراً ما يكون الأمر جلياً.
في العام الماضي مثلاً، أعلن نيك هاوز عالم الفلك البريطاني، أن كويكباً في مدار شمسي ليس على الأرجح سوى المركبة القمرية المفصولة عن مركبة الفضاء في مهمة "أبولو 10" التي نهضت بها وكالة الفضاء الأميركية، وقد كانت تجربة لهبوط "أبولو 11" على سطح القمر. وفي المقابل، في حين أن هذا الجُرم حطام صناعي على الأرجح، يشكك تشوداس وآخرون في الرابط مع تلك المهمة المذكورة.
وبالعودة إلى مسألة الخلاف عن "كويكب 2020 أس أو"، فلقد مرَّ ذلك الجسم الذي يشكل الهدف حاضراً في دائرة اهتمام تشوداس، مرَّ قرب الأرض أثناء دورتين حول الشمس في 1984 و2002.
وكذلك يتوقع المتخصص الفلكي أن يمضي الجسم نحو أربعة أشهر في الدوران حول الأرض بمجرد اجتذابه إليها في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني)، قبل أن يعود إلى مداره حول الشمس في مارس (آذار) المقبل.
في المقابل، يشير تشوداس أيضاً إلى أن الظروف كانت مظلمة جداً، ما حجب الرؤية ضمن مسافة خمسة ملايين ميل (زهاء ثمانية ملايين كيلو متر).
وفي ذلك الصدد، يتمثل النبأ السار في أن تشوداس يستبعد أن يصطدم الجسم غير المعروف الهوية بالأرض "ليس هذه المرة على الأقل"، وفق كلماته.
© The Independent