في مكان بعيدٍ عن زحمة المدن وسط جمال الطبيعة وبساطة المكان المؤثث بطاولات ومقاعده مصنوعة من عشبة الحلفاء، اختارت منى، الطبيبة النفسية الشابة، أن تحط الرحال هذه المرة بمقهاها المتنقل الذي خصصته لمرضى الزهايمر، في منطقة نائية تسمى "المناقع" بمحافظة زغوان شمال تونس. الفكرة تبدو مثيرة وغير عادية، لكن نجحت في تحقيقها على أرض الواقع على الرغم من صعوبة الطريق الذي سلكته، ولا تزال عثراته تعرقل البعض من طموحاتها.
المداواة بالموسيقى
راودت فكرة تأسيس مقهى لمرضى الزهايمر منى (28 سنة) منذ سنوات، ومنذ أيام قليلة تحقق الحلم فكان افتتاح المقهى في العاصمة تونس، حيث احتضنت دار الثقافة ابن رشيق يوم الاثنين 21 سبتمبر (أيلول) 2020 حصة المداواة بالموسيقى بمناسبة اليوم العالمي لمرضى الزهايمر، كتجربة أولى وفريدة من نوعها في تونس والعالم العربي.
وتقول منى العيساوي المتخصّصة في علاج مرضى الزهايمر بالموسيقى لـ"اندبندنت عربية"، "اخترت المناطق النائية للمقهى لأن المرضى هنا لا يتلقون العناية اللازمة، فهدفي هو الحديث مع عائلاتهم وتدريبهم على كيفية التعامل مع مرضاهم أيضاً، مضيفة "هدفنا تبادل التجارب بين العائلات من أجل تخفيف وطأة معاناتهم وتذليل الصعوبات أمامهم".
بعد الاستقبال والتعارف مع التزام شروط التباعد وضرورة ارتداء الكمامة بسبب الكورونا، استقبلت منى ضيوفها في المكان الذي اختارته لاحتساء القهوة وتبادل أطراف الحديث، استهلت الجلسة بالتأهيل حتى يشعر الحضور كأنهم بين أصدقائهم، ثم وضعت الاجتماع في إطاره وحدثتهم عن هدفها من جمع المرضى وعائلاتهم.
جمعت فكرة منى بين عشقها للموسيقى واختصاصها الأكاديمي في علم النفس، وكان هدفها المزج بينهما وتوظيفهما لكشف خفايا مرض الزهايمر، ومحاولة استعمال الموسيقى لتحفيز ذاكرة مرضاها وجعلهم يتذكرون ويعبرون ويغنون ولمَ لا يرقصون أيضاً.!
وتقول الطبيبة الدواء في حالة هؤلاء المرضى على الرغم من أهميته ليس الحل الوحيد لأنه يجعله يشعر بالخمول، موضحة "من خلال الموسيقى، أريد تنشيط ذاكرته وجعله يتحرك ويشعر بحلاوة الحياة وأهميتها واللحظات الجميلة التي عاشها من خلال محاولة استرجاع بعض اللقطات من شريط حياته".
الخير والشر
مفيدة 33 سنة من بين الحاضرين في المقهى تقول، إنها سعيدة جداً بهذا اللقاء، الذي جعلها تتصالح مع هذا المرض الذي اقتحم منزلهم من خلال والدتها 66 سنة، وتضيف "حيث أسكن لا يوجد متخصّصون في علم النفس من أجل الاستفسار عن هذا المرض، الذي قلب حياتنا رأساً على عقب، وتقديم نصائح للعائلات في كيفية التعامل مع الذين يعانون التهميش في بعض المناطق النائية".
كثيرة هي الأحاسيس التي عاشها الحاضرون في مقهى الزهايمر، ضحك وفرح وبكاء ولوعة وأمل في أغلب الأحيان، فقد نجحت الطبيبة الشابة من خلال تبادل أطراف الحديث مع المرضى وعائلاتهم في كسب الثقة، وفي الانطلاق مجدداً من أجل مد يد المساعدة للمرضى من خلال معاملة جديدة مختلفة أكثر إنسانية تجعل معالجتهم أسهل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتحدثت العيساوي لـ"اندبندنت عربية" أيضاً عن الصعوبات التي تعترضها، فقلة الإمكانيات المادية تكبّل تحركاتها وتصعّب تنظيمها للمقهى، ما يجعل نشاطها يرتكز على مساعدة الأصدقاء بطريقة مجانية، فحتى القهوة في جلسة اليوم جلبتها زميلتها الطبيبة النفسية التي تقطن في المكان نفسه.
تصرفات لامسؤولة
مرض الزهايمر هو مرض عصبي يتسبب في إتلاف الخلايا العصبية للمخ تدريجياً مع التقدم في السن. ومن أهم الأعراض، فقدان القدرة على التعبير وجهل المحيط الذي يعيش فيه ورفضه فقدان التمييز بين الخير والشر وما هو صائب وخاطئ، وتكون تصرفات المُصاب عادة لامسؤولة، وفي المرحلة الأخيرة يفقد المريض الإحساس بالأشياء الحياتية المكتسبة، كطريقة الأكل والتنفس وغيرها.
وقد بلغ عدد الأشخاص المصابين بمرض الزهايمر في تونس سنة 2018، 60 ألف حالة تقريباً، ارتفاعاً بحوالى الضعف، مقارنة بسنة 2012، (35 ألفاً)، وفق إحصاءات قدمتها الجمعية التونسية حول هذا المرض.
مع العلم أن تونس تتوفر على أول مركز في أفريقيا والشرق الأوسط لعلاج الزهايمر، ويقدم فيه العلاج المناسب للمصابين من قبل أطباء متخصّصين. علماً أن شريحة المسنين هي الأكثر عرضة له.