تواصل إسرائيل سياسة فرض الأمر الواقع في الجولان، باستغلال مواقعه المهمة لأهداف إستراتيجية. وهذه المرة أعلنت أن مشروعها لاستخراج الطاقة الكهربائية من الجولان سينطلق عبر نصب مزيد من التوربينات الهوائية (المراوح)، الذي تعتبره الحكومة الإسرائيلية مشروعاً إستراتيجياً من الدرجة الأولى.
السوريون في الجولان المحتل، الذي أعلنوا في وقت سابق رفضهم المشروع، عادوا هذه المرة ليُطلقوا صرختهم، بعدما تبيّن أن إسرائيل مصرّة على تنفيذه، وستكون مرحلته الأولى مصادرة مساحات شاسعة من الأراضي، التي يملكها الجولانيون ويعتاشون منها، لتنصب فيها هذه المراوح.
وأطلق الجولانيون حملة شعبية واسعة، بدأت بمسيرة واعتصام، على أن تتواصل بإطلاق التظاهرات والاحتجاجات، يفترض أن تتجاوز حدود الجولان إلى المجتمع الدولي، في محاولة لوقف المشروع الإسرائيلي، الذي سيستولي على الأرض الجولانية وينهب خيراتها من أصحابها الأصليين.
72 مروحة
على الرغم من المعارضة الجولانية لنصب المراوح، إلا أن الحكومة الإسرائيلية أبلغت أنها ستشرع في نصب 42 مروحة في منطقة تل الفرس و30 مروحة في سهل المنصورة.
اختارت إسرائيل الجولان لكون سرعة الرياح فيه وكميته هما الأعلى في المناطق التي تحتلها. وقد اهتم الخبراء في الجولان بتوعية السكان على تفاصيل هذه المراوح ومدى خطورتها على مستقبل الجولان وملكيته.
يجري الحديث عن أن سرعة كل مروحة تؤمن 3 ميغاوات في الساعة، أي 3000 كيلوات وتكفي لـ 1500 بيت، علماً أن عدد البيوت في قرى الجولان لا يتجاوز الـ 5000، أي أن خمس مراوح تكفي لتأمين الكهرباء لبيوت هذه المنطقة. لكن وفق مساحة الأراضي المرتفعة في الجولان، وهي أراض زراعية، ووفق المعايير الدولية في بناء المراوح والمسافات بينها وبُعدها عن البيوت السكنية، يمكن نصب 90 مروحة.
في المقابل، حددت سلطة الكهرباء الإسرائيلية مبلغاً لكل كيلوات تنتجه المراوح، وبموجبه فإن إنتاج المروحة الواحدة وبسرعة الرياح الموجودة يصل إلى 3 ملايين شيكل سنوياً (الدولار يساوي 3.6 شيكل). وبعد دفع تكاليف الصيانة والتأمين وإيجار الأرض والشوارع، تتراوح الأرباح بين 2 و2.5 مليون شيكل لكل مروحة.
وكانت الحكومة الإسرائيلية أعلنت أنها حددت هدفاً لإنتاج 10 في المئة من طاقة إسرائيل من مصادر متجددة بحلول العام 2020، وبأنها منحت تراخيص لتوليد 200 ميغاوات من الكهرباء. أما بقية قطاع الطاقة فسيستخدم الغاز الطبيعي المستخرج من حقول بحرية جديدة وواردات الفحم.
وتعتزم إسرائيل زيادة استهلاكها من طاقة الرياح إلى أكثر من ثلاثة أضعاف، بينما ستزيد من إنتاجها من الطاقة الشمسية، التي لا تزال مهيمنة بنسبة 40 في المئة فقط.
التحرك الشعبي دفاعاً عن الأرض
ما إن أبلغت الحكومة الإسرائيلية قرارها بالشروع بتنفيذ المشروع، قام السوريون في الجولان بتنظيم أنفسهم لمواجهته، وأطلقوا على أنفسهم اسم "التحرك الشعبي دفاعاً عن الأرض". في البداية، سعوا إلى توعية السكان حول المشروع ومخاطره وعقدوا اجتماعات عدة لمناقشته وأجمعوا على رفضه والتصدي له، من دون تردد. وكانت مشاركة الشباب والشابات الواسعة لافتة، خصوصاً أنهم لعبوا دوراً كبيراً في تعميم الوعي وتنشيط النقاش في الحيز العام في بلدات الجولان المحتل، عموماً، والمناطق التي يستهدفها المشروع خصوصاً.
وأعلنوا عن سلسلة نشاطات كانت انطلاقتها بتنفيذ اعتصام، بعد ظهر الثلثاء، في 2 أبريل (نيسان) الحالي. ويقول أيمن أبو جبل، وهو أحد المبادرين إلى هذا التحرك، إن "إسرائيل لم تتوقف عن مشاريعها الاستيطانية في الجولان، وهي تصر على تنفيذ مشروع المراوح على الرغم من معارضتنا الشديدة له، لما يحقق لها من أرباح وأهداف إستراتيجية. وهذا ما يحثنا جميعاً في الجولان على العمل من أجل الحفاظ على الأرض سورية ومنع تحقيق مثل هذه المشاريع الاستيطانية". وأشار أبو جبل إلى أن هذا المشروع سيؤدي إلى مصادرة مساحات شاسعة من الأراضي ومنع أصحابها من العمل فيها وحرمانهم من حقهم بها.
ورأى أبو جبل أن تزامن الإعلان عن تنفيذ المشروع مع الاعتراف الأميركي بسيادة إسرائيل على الجولان ليس صدفة. إذ "ذكّر بالسياسات الكبرى، ليس السياسية فحسب بل الاقتصادية أيضاً، التي تسعى إلى تغيير طابع الجولان وهويته، من دون الاكتراث بالسكان الأصليين أصحاب هذه الأرض".
وقال التحرك الشعبي، في بيان، إن "مشروع المراوح هو حلقة من ضمن مشاريع استثمار الموارد الطبيعية لأرض الجولان والاستفادة منها لخدمة مشاريع الاحتلال، على حساب عيشنا ورفاهنا، وعلى حساب الأجيال التي لم تولد بعد من أبنائنا".
وأكد التحرك ضرورة التنبه إلى "المخاطر والدلالات البعيدة المدى، التي تحملها هذه المشاريع بالنسبة إلى مستقبل وجودنا على هذه الأرض. لقد أصبح واضحاً للجميع أن التصدي لهذا المشروع يستوجب العمل الجاد على أكثر من مستوى".
مشاريع استيطانية
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مشروع المراوح هو واحد من سلسلة مشاريع استيطانية تخطط لها إسرائيل في الجولان. وفور إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، خرجت بعض هذه المشاريع إلى حيز التنفيذ، وأبرزها إقامة مستوطنتين وإسكان ربع مليون يهودي فيهما، حتى العام 2048.
بموجب الخطة، ستبنى 30 ألف وحدة سكنية جديدة، وسيزيد عدد سكان مستوطنة "كاتسرين"، كبرى مستوطنات الجولان، ثلاثة أضعاف، بالإضافة إلى خلق فرص عمل ومشاريع في مجالَي المواصلات والسياحة، إلى جانب الاستثمار في البنى التحتية المتعلقة بالمواصلات والسياحة.
ولبدء تنفيذ المشروع تُزال حالياً الألغام من 80 ألف دونم من الأراضي.