للمرة الأولى، تيقن العلماء من وجود ماء على السطح المنير للقمر، ما يعتبر اختراقاً علمياً كبيراً. واستطراداً، ثمة مياه كثيرة منتشرة على سطح القمر، في جانبيه المضيء والمظلم، ومعظمه متجمع على هيئة ثلوج "مخبأة" في فجوات وشقوق مظللة وباردة. في المقابل، يحذر العلماء من التفكير بأن يكون الوصول إليه بمثل سهولة اغتراف ماء نهر جارٍ بواسطة الدلاء، بل إن أمر ماء القمر أشد تعقيداً مما توحي به الكلمات.
إذ لا توجد على سطح القمر مسطحات مائية (بحيرات، أنهار، بحار، محيطات)، كتلك المتوفرة على كوكب الأرض، وأعلن علماء، الاثنين في 26 أكتوبر (تشرين الأول) عن مياه في القمر منتشرة على نحو أكبر مما ساد الاعتقاد به لأوقات مديدة.
جزيئات من الماء
ويتوفر غالباً على هيئة جزيئات من الماء (الرمز الكيمياوي للماء هو H2Oويعني أنها مزيج من جزيئين من الهيدروجين وجزيء من الأوكسجين)، محاصرة داخل حبيبات معدنية على سطح القمر، مع إمكانية توفر مزيد منها في بقع جليدية تحتويها مناطق مظللة وباردة في شكل دائم.
وتذكيراً، أشار بحث قبل 11 عاماً إلى أن الماء منتشر نسبياً في كميات صغيرة على سطح القمر. وحاضراً، يتحدث فريق من العلماء عن أول اكتشاف لا لبس فيه لجزيئات الماء على هذا الكوكب، خصوصاً السطح المُضيء الذي تنيره أشعة الشمس باستمرار. وفي الوقت نفسه، تشير تقارير فريق آخر إلى وجود حوالى 40 ألف كيلومتر مربع من الظلال الدائمة في مناطق كثيرة ضمن الجانب المنير له، وقد تحتوي على جيوب من المياه على هيئة جليد.
يشكّل الماء مورداً طبيعياً ثميناً. وقد يصبح وجوده بغزارة على القمر أمراً فائق الأهمية بالنسبة إلى البعثات المستقبلية سواء نفّذها رواد فضاء بشر، أو تولى إنجازها الروبوت، إذ ستسعى على الأرجح إلى الوصول إلى المياه واستخدامها لأغراض كالشرب أو صنع وقود عبر استخراج جزيء الهيدروجين الذي قد يصبح وقوداً للصواريخ والمركبات الفضائية مستقبلاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حبيبات حطام
في التفاصيل عن الإعلان الذي صدر أخيراً، يرد أن فريقاً علمياً بقيادة كيسي هونيبول من "مركز غودارد" لرحلات الفضاء التابع لوكالة "ناسا" الأميركية للفضاء (تستضيفه ولاية "مريلاند")، استطاع التثبت من وجود جزيئات مياه على السطح المنير للقمر محاصرة داخل حبيبات حطام من النيازك، أو في شظايا معادن يطلق عليها الزجاج الطبيعي نظراً لتشابهها مع الزجاج.
وفي أوقات سابقة، ساد غموض وضبابية، الاكتشافات المتعلقة بوجود مياه على هذا الكوكب، إلى درجة تعذّر معها غالباً التفريق بين الماء ومادة الـ "هيدروكسيل" التي تحتوي أيضاً مزيجاً من الهيدروجين والأوكسجين، ما يعني أنها تشبه الماء في التركيبة الجزيئية. في المقابل، اعتمد الاكتشاف الجديد على وسيلة كانت نتائجها واضحة لا لبس فيها.
حبيسة حبيبات المعادن
واستطراداً، أشار العلماء إلى أن السبيل الوحيد لاستمرار وجود تلك المياه على مناطق من سطح القمر مضاءة بأشعة الشمس، يتمثّل في أن تكون حبيسة حبيبات المعادن، ما يحميها من البيئة المتجمدة والظروف القاسية. وكذلك استخدم الباحثون بيانات من مرصد "صوفيا" المحمول جواً، وهو عبارة عن طائرة "بوينغ 747 إس بي" جرى تعديلها كي تحمل تلسكوباً فضائياً.
في ذلك الصدد، ذكر هونيبول أن "كثيرين يعتقدون أن الاكتشاف الذي توصلت إليه يتمثّل في اكتشاف جليد مائي. إن ذلك غير صحيح. إنها مجرد جزيئات ماء. ونظراً لانتشارها في مناطق متباعدة على مساحة كبيرة فإنها لا تتفاعل مع بعضها بعضاً كي تشكل جليداً مائياً أو حتى ماء سائلاً".
واستطراداً، ركزت دراسة ثانية نشرت أيضاً في مجلة "نيتشر علم الفلك"Nature Astronomy، التي تصدر عن مؤسسة "نيتشر" العلمية المعروفة، على ما يسمى "المصائد الباردة على القمر"، إذ يشير ذلك المصطلح إلى مناطق من سطحه يلفها ستار الظلام الأبدي ولا تقل الحرارة فيها عن 163 درجة مئوية تحت الصفر. وتتكفل تلك البرودة بالاحتفاظ بالمياه المتجمدة ضمن حالة استقرار تدوم مليارات السنين.
على نحو مماثل، وباستخدام بيانات من المركبة الفضائية "لونار ريكونيسانس أوربيتر" التابعة لوكالة "ناسا"، اكتشف باحثون بقيادة عالم الكواكب بول هين من جامعة "كولورادو" الأميركية في مدينة "بولدر"، ظلالاً صغيرة قد يصل عددها إلى عشرات المليارات، كثير منها لا يزيد حجمه عن حجم عملة صغيرة، تقع معظمها في المناطق القطبية من القمر.
موطن للجليد
في ذلك الصدد، أوضح هين أن "بحثنا يظهر وجود عدد كبير من مناطق القمر التي لم تكن معروفة لنا في السابق، لكنها قد تكون موطناً للجليد المائي فيه. كذلك تشير نتائجنا إلى أن المياه قد تكون أكثر انتشاراً في المناطق القطبية له مما كان يُعتقد في السابق، الأمر الذي يجعل إمكانية الوصول إليها واستخراجها وتحليلها أكثر سهولة".
واستناداً إلى معطيات شتى، تخطط وكالة "ناسا" لإعادة رواد فضاء إلى القمر، وستكون المصادر المتاحة للعثور على المياه على سطحه مفيدة تماماً وتشكّل مهمة يُنظر إليها من زاوية أنها قد تمهد الطريق لرحلة لاحقة تحمل طواقم فضائية إلى المريخ.
عن ذلك المنحى، تحدث هونيبول مشيراً إلى إن "المياه ليست محصورة في المنطقة القطبية وحدها. إنها منتشرة إلى حد أبعد مما كنا نتصور"، وعند هذه النقطة، ثمة سؤال آخر يطرح نفسه. من أين جاءت مياه القمر؟
يوضح هين أن "أصل الماء على القمر يشكّل أحد الأسئلة الصعبة التي نحاول الإجابة عنها من خلال هذا البحث وغيره. نحن نتسابق على تفسير وجود المذنبات والكويكبات والجزيئات الصغيرة من غبار الكواكب والرياح الشمسية، المتأتية من غازات تصدرها انفجارات بركانية".
العالم الرطب
تذكيراً، تعتبر الأرض نموذجاً عن العالم الرطب، بفضل ما تحتويه من محيطات مالحة شديدة الاتساع وبحيرات عذبة كبيرة وسهوب جليدية تعمل بوصفها مخازن للمياه.
وكخلاصة، أشار هين إلى أن "القمر أقرب "رفاقنا"، لذا يمكن لفهم أصل الماء على سطحه أن يسلّط أيضاً شعاع ضوء على أصل مياه الأرض، الذي يشكّل سؤالاً مفتوحاً في علم الكواكب".