منذ أن تولى رودريغو دوتيرتي رئاسة الفيليبين عام 2016، أعلن صراحة أن على رأس قائمة أولوياته "القضاء على تجارة المخدرات وإدمانها في بلاده". وفي سبيل تحقيق الرئيس برنامجه وجه قوات الشرطة إلى قتل كل من يقاوم الاعتقال في حملاتهم ضد المواد المخدرة، وهو ما خلق تحفظاً داخلياً واتهامات دولية عدة لحكومته بانتهاك القانون وحقوق الإنسان في هذه الحرب، التي أثبتت نجاحها في أرض الواقع.
لكن، عدد القتلى بسبب حرب المخدرات تجاوز تسعة آلاف شخص، خلال فترة حكمه وفق الأرقام الرسمية، وسط احتمالات قوية بازدياد هذه الأرقام في الفترة المقبلة، مع رفض دوتيرتي تغيير برنامجه أو تعديل إستراتيجياته.
حرب المخدرات
في الإحصاءات الأخيرة لعام 2016، أظهر تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة أن 1.6 في المئة من الفيليبينيين أعمارهم تتراوح بين العاشرة والسبعين عاماً يتعاطون المخدرات، وهي نسبة ليست مرتفعة كثيراً مقارنة مع العالمي، إذ تصل مستويات الإدمان في أفغانستان إلى أكثر من 4 في المئة، لكنها تبقى مرتفعة مقارنة مع نظائرها في جنوب شرقي آسيا، إذ تصل النسبة في إندونيسيا إلى أقل من ربع في المئة، كما أن تايلاند لم تتجاوز 1.2 في المئة.
ووفقاً للجنة خطورة المخدرات الفيليبينية في إحصاء لها في عام 2016، فإنه يوجد ما يقرب من مليوني متعاط للمخدرات في الفيليبين، كما أن هناك ما يقرب من خمسة ملايين فيليبيني قد ثبت تعاطيهم بشكل غير قانوني على الأقل مرة واحدة في حياتهم تقريباً. ويواجه من ثبتت عليه تهمة الاتجار غير القانوني في البلاد عقوبة السجن مدة تصل إلى أربعين عاماً أو مدى الحياة.
غير أن الرئيس الفيليبيني أقام عماد برنامجه الرئاسي على التخلص من تجار المخدرات ومستخدميها في بلاده خلال فترة حكمه، حتى لا تصبح الفيليبين "دولة مخدرات" على حد تعبيره. فمنذ انتخابه قبل خمس سنوات، وهو يخوض حرباً حصدت أرواح عدد كبير من الأشخاص، كما تعرض لكثير من الانتقادات داخل البلاد وخارجها، حتى أنه صرح للصحافيين ذات مرة أن مصير أبنائه القتل في حال ثبوت تعاطيهم.
واستهل دوتيرتي فترته الرئاسية بخروجه على شعبه بقائمة أسماء لمئة وخمسين قاضياً ومحافظين وقادة شرطة، قال إنهم متواطئون مع تجار المخدرات، كما أعلن قائمة من 49 شخصية حكومية ادعى أنهم متورطون في أعمال غير مشروعة، في رسالة واضحة منه إلى عدم التساهل مع أي شخص يتورط في تلك التجارة كائناً من كان.
كما شهد العام الماضي انخفاضاً في معدلات الجريمة الوطنية في ظل إدارة الرئيس الفيليبيني عن سابقه بنحو 20 في المئة، وهو ما يعده البعض انتصاراً لسياسات دوتيرتي.
ويقول محللون إن كثيراً من المواطنين الفيليبينيين يتشاركون مع رئيسهم في رؤيته تجفيف منابع تجارة المخدرات وضرورة حماية وطنهم منها، لذلك فإن الحرب تحظى بشعبية واسعة، حتى وإن كان كثيرون منهم يرفضون القتل غير القانوني فإنهم يرونه ضرورياً للتخلص من الإدمان في البلاد.
قتلى ومساعدات
وقع كثير من القتلى في الحرب التي تشنها إدارة الرئيس دوتيرتي على المخدرات. تقول مجلة "تايم" إن قوات الشرطة قتلت نحو 1500 شخص بعد شهرين من رئاسة دوتيرتي في 2016.
وحين جاءت جائحة كورونا لم تتوقف الحملة، بل أشارت إحصائية لمنظمة هيومن رايتس ووتش إلى مقتل 150 شخصاً خلال أربعة أشهر فقط بين أبريل (نيسان) ويوليو (تموز) من العام الحالي، وهو ما يمثل قفزة كبيرة في فترة قصيرة. ووفقاً للأرقام الحكومية، قُتِل منذ بدء الحرب على المخدرات في عام 2016 وحتى يوليو الماضي نحو 6 آلاف شخص.
كما تتعاون الولايات المتحدة التي تربطها علاقة جيدة بالفيليبين، في الحرب على المخدرات، فقد ذكرت السفارة الأميركية تقديم مساعدات للبلاد بقيمة 20 مليون دولار منذ عام 2017 وحتى ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي في هذا الشأن، كما قدمت إدارة مكافحة المخدرات الأميركية ومكتب التحقيقات الفيدرالي تدريبات متنوعة متعلقة بهذا الشأن وأنشطة تبادل المعلومات الاستخباراتية.
اتهامات وانتهاكات
كانت الحرب دموية وذات تكلفة عالية ومثيرة للجدل والاتهامات بارتكاب أفعال غير قانونية، فقد قدم المحامي الحقوقي الفيليبيني جود سابيو بلاغاً للمحكمة الجنائية الدولية في أبريل 2017، يتهم إدارة دوتيرتي بارتكاب جرائم ضد الإنسانية والقتل غير القانوني في حملته المثيرة للجدل ضد التجار.
وقالت المنظمة المناهضة للتعذيب وحقوق الأطفال، إن الرئيس الفيليبيني تسبب بحملته على المخدرات في حصد أرواح ما لا يقل عن 122 طفلاً بين سن الحادية عشرة والسابعة عشرة منذ يوليو 2016 وحتى ديسمبر العام الماضي. وذكر تقرير المنظمة أن القتل كان متعمداً وبعيداً عن أن يكون عرضاً جانبياً لتلك الحملة كما صرحت المصادر الحكومية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووثق تقرير المنظمة وجود 47 حالة قتل مرتبطة بعمليات الشرطة، بينما تنتمي 75 حالة، إلى أشخاص غير معروفين، يصفهم شهود عيان بأنهم "على علاقة مباشرة بالشرطة". ونفت منظمات حقوقية أعداد القتلى التي أُعلنت إبان فترة حكمه الرسمية، ووصفتها بغير الحقيقية خلال حرب دوتيرتي على المخدرات، بل قدرتها بضعفي العدد إلى نحو 27 ألف قتيل. وتشير اتهامات إلى وجود قتل لمهربين خارج القانون على أيدي مدنيين موالين للشرطة، إضافة إلى مقتل 248 من الحقوقيين والصحافيين بين عامي 2015 و2019.
ونفت الحكومة باستمرار الاتهامات الموجهة إليها بالقتل على نطاق واسع، فقد ذكر المتحدث باسم الرئيس دوتيرتي، هاري روك، أن الادعاءات المتكررة عن الإفلات من العقاب ليس لها أي أساس من الصحة.
صورة حقوقية سيئة
أكد رئيس مجلس الشيوخ الفيليبيني، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ضرورة توخي الحذر الشديد، وأخذ الحكومة الفيليبينية الحالية في الاعتبار علاقتها بمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، واصفاً أرقام القتلى المسجلة لدى مكتب المكافحة في الفيليبين بأنها تُسهم في رسم صورة ذهنية سيئة عن المجال الحقوقي في البلاد.
ومن الغريب أن هناك تراجعاً في اتهامات سابقة من مفوضية حقوق الإنسان، بشأن التحقيق في مزاعم ارتكاب انتهاكات في الفيليبين، حيث أصدرت المفوضية قراراً يحث الفيليبين على المساعدة التقنية في مجال حقوق الإنسان.
وذكرت صحيفة "إنكيورير" أن تحالف "انهض" rise up، الذي يضم أقارب لمواطنين قُتِلوا في ظل إدارة دوتيرتي في حربه على المخدرات، سجل استياءه من قرار مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لصرف النظر عن التحقيق في الموقف الحقوقي للبلاد، معبراً عن فقدانه الثقة في الحكومة ووكالاتها لتورطهم في مخالفات ضد حقوق الإنسان، ويحاول التحالف مساعدة أهالي الضحايا ورفع قضايا على قوات الشرطة أمام القضاء.
الشرطة الأميركية ووجه الشبه
رد الرئيس الفيليبيني على الاتهامات الموجهة إليه بانتهاك حقوق الإنسان والقتل غير القانوني من المنظمات الحقوقية بكثير من الأقوال المثيرة للجدل. كما علق على انتقادات معارضيه بأن القتل الذي تمارسه الشرطة الفيليبينية ضد تجار المخدرات يشبه ما تفعله الشرطة الأميركية من قتل للأميركيين ذوي العرق الأسود.
وأكد سابقاً في ديسمبر من العام الماضي، أنه لن يسمح أبداً للمحكمة الجنائية الدولية بالحكم عليه، ووصف مسؤولي المحكمة بـ"الأجانب"، وصرح بأن الفيليبين وحدهم من يمكنهم الحكم عليه. وفي تصريحات أخرى، قارن دوتيرتي نفسه بهتلر، وقال، إن هتلر قتل ثلاثة ملايين يهودي، وإن الفيليبين لديها ثلاثة ملايين مدمن مخدرات، وسيكون سعيداً لو تمكن من ذبحهم.
وهاجم دوتيرتي ممثلي حقوق الإنسان الذين ينتقدون القوات الشرطية والإدارة الحاكمة بشدة، عندما تصبح الحرب على المخدرات دامية وشرسة، فقد قال إنها بعيدة عن أن تكون في نهايتها، وإن مخاوف المراقبين والمنظمات هي حقوق الإنسان، في حين أن مخاوفه هي حياة الإنسان نفسه.
غير أن الرئيس الفيليبيني ذكر في تصريحات له في العام الماضي، أن إدارته فشلت في حربها على المخدرات، كونها مشكلة عالمية، وذكر أن تورط بعض عناصر الشرطة في مساعدة المهربين هو ما يفاقم المشكلة، ولهذا طالب الضابط السابق بانفيلو لاكسون، عضو مجلس الشيوخ، الحكومة برفع قضايا ضد الشرطيين المتورطين في علاقات مع التجار قبل الإعلان عن هوياتهم.