لن تخلو الأسابيع الفاصلة عن موعد تسلّم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن منصبه، في العشرين من يناير (كانون الثاني) المقبل من المفاجآت. فالرئيس الخاسر دونالد ترمب هدد بالادّعاء على حملة بايدن بتهمة التزوير، وبدأ رفع قضايا أمام القضاء، معتبراً نفسه الفائز في انتخابات الثالث من الشهر الحالي. وقد لا يكون في ذلك مفاجأة في المعنى المألوف. فترمب كان مصرّاً على إعلان فوزه وغير مستعدٍ لقبول الخسارة، إلا أن المسار القضائي لن يتمكّن في النهاية من تغيير الوقائع التي جاءت في حصيلتها الكاسحة لمصلحة المنافس بايدن.
ما هي إذاً المفاجأة الحقيقية التي يمكن لترمب أن يصنعها ويتركها إرثاً للإدارة الديمقراطية المقبلة؟ الاحتمالات كثيرة في هذا المجال، خصوصاً في السياسة الخارجية. وقد يكون الشرق الأوسط الساحة الأكثر تفاعلاً مع خطوة يمكن أن يشجعها أو يُقدم عليها الرئيس قبل تسليمه مفاتيح البيت الأبيض لخصمه اللدود.
أبقى ترمب قضايا كبرى عالقة من دون حل خلال إدارته التي استغرقت أربع سنوات، وعدد من هذه القضايا لا يُرجح أنه سيتمكّن من إحداث خرق بشأنها في الأسابيع المتبقية له في السلطة.
الصين مثلاً، لن تكون مستعدة لمفاجأة سعيدة تتضمن تحسين العلاقات بعد حرب ترمب التجارية وإطلاقه تسمية "الفيروس الصيني" على الوباء الذي اجتاح العالم. وهي على الأرجح ستنتظر مفاوضات مع إدارة بايدن لإعادة ترسيم العلاقات بين الدولتين.
وكوريا الشمالية التي صنّفها ترمب تهديداً مصيرياً، وأطلق على زعيمها كيم جونغ أون تسمية "الرجل الصاروخ" قبل أن يجتمع معه في لقاء "تاريخي"، ستفضّل بدورها الانتظار، ولن تكون مستعدة لعقد اتفاق يحاصر مشروعها النووي مع إدارة راحلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وسينتظر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الإدارة الجديدة للبحث في مواضيع أوكرانيا والقرم والقوقاز وسوريا وتوسّع حلف الأطلسي شرقاً، وقبل ذلك في موضوع العقوبات على بلاده، التي استمرت على الرغم من العلاقات التي بقيت ملتبسة بينه وترمب منذ انتخاب الأخير رئيساً قبل أربع سنوات.
لن تكون المفاجآت مجدية أو متاحة في الساحات المذكورة، وليس أيضاً في مجال تحسين العلاقات مع الاتحاد الأوروبي. فالشركاء والخصوم المفترضون في أوروبا والصين وروسيا سيفضّلون على الأرجح التريث وإعادة بناء سياساتهم بالشراكة مع ساكن البيت الأبيض الجديد، فماذا يبقى أمام الرئيس الذي شغل العالم أربع سنوات ليفعله، وهو الذي اعتاد الحركات الاستعراضية الضخمة واتخاذ القرارات المثيرة والثناء عليها باندهاش ودهشة؟
من إخراجه بلاده من اتفاق باريس حول المناخ، إلى رفضه الاتفاق النووي مع إيران، إلى دعمه المطلق لإسرائيل وسعيه لتقريبها من المحيط العربي، نفّذ ترمب ما تعهد به أمام ناخبيه. وفي الفترة القصيرة المتبقية له رئيساً، ربما يعمل على تسجيل نقاط حاسمة في الملف الإيراني - الإسرائيلي المفتوح، ما ينعكس على المنطقة من المتوسط إلى الخليج العربي.
فقد يسعى إلى اتفاق جديد مع إيران ضمن المهلة المتبقية من ولايته، وهو وعد بمحاولة من هذا النوع عشية الانتخابات. لكن القادة الإيرانيين الذين شككوا بحصول تغيير في السياسة الأميركية كائناً من يكون الفائز بالرئاسة، يفضّلون ضمناً التعامل مع بايدن الديمقراطي، خصوصاً أنه شغل منصب نائب الرئيس باراك أوباما لدى انخراطه في الاتفاق النووي مع طهران.
لن يكون تسجيل خرق باتجاه إيران أمراً عملياً، ويبقى احتمال آخر: أن يشجع ترمب عملية إسرائيلية واسعة ضد حلفاء طهران ومنظماتها في سوريا ولبنان وغزة، بما يؤدي إلى وضع الإدارة الأميركية الجديدة أمام أمر واقع عليها التعامل معه. ويتلاقى تشجيع مثل هذا الاحتمال، إن تمت تغذيته في واشنطن، مع رغبات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يشعر بالخسارة بعد هزيمة صديقه في البيت الأبيض واضطراره إلى تسليم مقاليد الحكومة إلى شريكه وغريمه بيني غانتس الشهر المقبل بمقتضى اتفاق الشراكة بينهما.
وعشية الانتخابات الرئاسية الأميركية، أنهى الجيش الإسرائيلي مناورات هي الأخطر في السنوات الأخيرة.
وقال معلقون إسرائيليون إن الجيش أجرى تدريبات على حرب شاملة قد تبدأ عند الحدود مع لبنان وتتسع إلى سوريا وقطاع غزة وحتى إيران والعراق والبحر الأحمر. وتضمنت المناورات خصوصاً خططاً لتدمير حزب الله في حال شنّه هجوماً على إسرائيل. ونشرت "يديعوت أحرونوت" تفاصيل عن استعداد الفرقة 162 وفيها خمسة ألوية لشنّ هجوم برّي بمساعدة الطيران، فيما يقوم لواء الكوماندوس ولواء "الأشباح" بتنفيذ عمليات خاصة في لبنان.
ولبنان ليس الهدف الوحيد، فالوجود الإيراني في سوريا هدف ثابت للقوات الإسرائيلية، وعلى هامش المناورات تابعت تل أبيب هجماتها إلى الجنوب من دمشق وصولاً إلى الجولان، معتبرة أن التفاهم الأميركي- الروسي بشأن الوجود الإيراني في الجنوب السوري قد سقط، وأن موسكو المنزعجة من طهران لا تمانع في إطلاق يدها في سوريا.
قد ترتسم مفاجأة ترمب الأخيرة في هذه النقطة المتفجرة من العالم، ولا شيء يحسم بعدم حصولها بعد الانسداد في أفق العلاقات الأميركية الإيرانية واستمرار طهران في محاولة فرض نفوذها في المشرق العربي، وسعي المتطرفين في إسرائيل وبلاد فارس إلى تعزيز نفوذهم في انتخابات إسرائيلية مبكرة، وأخرى تستعد لها إيران في حزيران (يونيو) المقبل.
جميع هؤلاء يعملون على فرض وقائع جديدة، وما سيفعله سيد البيت الأبيض الغاضب، في نهاية ولاية لم يتمكّن من تجديدها، سيكون عنصراً رئيساً في تحديد الوجهة والاحتمالات في منطقة متوترة، وامتحاناً عاجلاً للسياسة التي ستّتبعها الإدارة الجديدة الفائزة.