"يعتقد كثير من الناس أن الرسوم المتحركة خاصة بالأطفال، على الرغم من أن الكبار ينجذبون إليها في كثير من الأحيان وقد يتأثرون بها"، تقول لينا غانم مؤسسة مبادرة "حرّك فلسطين" عن تجربتها في تنظيم مهرجان الرسوم المتحركة الفلسطيني الذي يعقد كل أربع سنوات، في محاولة لاستحداث هذا الفن محلياً في ظل تطور الإنتاج العالمي، من ناحية الأفكار والتكنولوجيا المستخدمة والقضايا المناقشة.
وتتابع لينا أن الفعاليات تلقى إقبالاً واسعاً من البالغين كما الصغار، فنسخة عام 2017 اشتملت عروضاً لـ 52 فيلماً من دول عدة في العالم، وورش لتعليم إعداد الرسوم المتحركة لجميع الفئات العمرية، في مختلف مدن الضفة الغربية وقطاع غزة، ويجري الآن العمل على تحضيرات مهرجان عام 2021.
ولا يتوقف عمل مبادرة "حرّك فلسطين" عند تنظيم المهرجان فقط، فهم يقيمون سنوياً فعاليات تتعلق بالرسوم المتحركة من ورش وعروض أفلام، لتشجيع الفلسطينيين على زيادة العمل في هذا المجال، واستقطاب الجهود الشابة، وتدريب الأطفال على الرسم والإنتاج، وكان آخرها مطلع هذا الشهر، بعرض فيلم "البرج" الذي يروي قصة طفلة فلسطينية لاجئة في لبنان، بالتزامن مع احتفال الرابطة الدولية لصانعي الرسوم المتحركة باليوم العالمي للـ"أنيميشن".
قطاع مهمش محلياً
ربما لا نشاهد على قنوات الأطفال المتلفزة رسوماً متحركة من إنتاج فلسطين، ولكن بعض المهارات الشابة تظهر هنا وهناك على مواقع التواصل الاجتماعي، أو في عدد من المؤسسات الثقافية، والمبادرات المجتمعية والحقوقية المتعلقة بالأطفال والمرأة، والبيئة والتوعية الصحية وغيرها، فبحسب غانم، هذا القطاع مهمش وغير مدعوم محلياً، على الرغم من أهميته الكبيرة في إيصال القضية الفلسطينية للعالم، فحرية استخدام الخيال واختيار القصة والشخصيات واسعة، ما يعني عدم تعرض أي شخصية للانتقاد بناء على قيامها بدور معين.
الأطفال يروون قصصهم بالرسوم
وتقول بسمة السمك، وهي مدربة رسوم متحركة وصانعة أفلام في قطاع غزة، إن دخولها هذا المجال كان صدفة تحولت في ما بعد لشغف دائم، فهي تعمل حالياً مع الأطفال على تجسيد قصصهم المجتمعية واليومية، وإيصالها إلى المحيط من خلال صناعة الرسوم المتحركة، فالظروف الحياتية المعقدة التي يعيشها الغزيون تترك أثراً كبيراً على الأطفال، ومن هنا تنبع أهمية التفريغ النفسي وزيادة ثقتهم بأنفسهم من خلال توسعة الخيال، وإنتاج الشخصيات التي يحبون، وأشارت إلى أن الصغار خلال الورش التدريبية استطاعوا علاج مشاكل حساسة مروا بها مع أسرهم، عبر صناعة أفلامهم الخاصة وإدخال الفكاهة إليها، وفتح نقاش بعد عرض المشاريع الختامية لهم أمام الأهل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما مصمم الرسوم والألعاب الإلكترونية عنان دسوقي، فيركز على صناعة المواد التعليمية للأطفال باستخدام الألوان والحركة والموسيقى، بشكل يجبر الطفل على التفاعل بكل حواسه مع مقطع الفيديو أو اللعبة الإلكترونية، خصوصاً أن المحتوى العربي الجيد الموجه للصغار قليل على شبكة الإنترنت، على الرغم من أهميته للناطقين وغير الناطقين بالعربية.
وتقول أخصائية الأطفال النفسية حنان وليد، عن تجربتها في كتابة سيناريو الألعاب الإلكترونية للأطفال، إن الأمر يتعلق باختيار الفكرة الأساسية، والهدف، ومن ثم انتقاء الكلمات المناسبة لعمر الطفل وقدراته، وتحديد كيفية عرضها وتصميمها، وشكل الشخصية والألوان المستخدمة، والاستعداد لاحقاً لأي تغيير أو تبديل أثناء عملية التجريب قبل نشرها للاستخدام، مشيرة إلى أنها وفريقها يفضلون عادة اعتماد اللعب كوسيلة للتعليم لأنه الأفضل في إيصال الأفكار.
الرسوم المتحركة والتحديات
وعلى الرغم من نجاح عديدين في هذا المجال إلا أن تحديات كبيرة تواجههم، فبالنسبة إلى بسمة السمك، يتمثل الأمر بعدم تقبل الأهالي هذا الفن المستحدث باعتباره غير مهم لأطفالهم، وانقطاع الكهرباء ساعات طويلة في غزة، ما يؤثر على صنع الإضاءة اللازمة، وعدم توفر بعض المواد الخام محلياً، ما يضطرهم لطلب بعضها من الضفة أو من خارج فلسطين ولكنها قد لا تصل.
ويرى دسوقي أنه في فلسطين ليس من السهل الاعتماد فقط على إنتاج الرسوم كمصدر دخل، لأن العمل يأخذ وقتاً وجهداً كبيرين، وهو غير مستقر وليس له وقت محدد، وعلى الرغم من وجود بعض البرامج الكوميدية التي تحاكي الواقع المعاش، إلا أن الطلب يزداد عليه في فترات الأعياد وشهر رمضان، وعند الحاجة لمواد توعوية تتعلق بمرض معين مثل كورونا، لذلك من المهم وجود دعم كبير لهذا القطاع وفرصة لبناء العلاقات الخارجية والداخلية.
الإنتاج استمر حتى مع الوباء
هذا العام، تأثر كثير من القطاعات عالمياً بسبب انتشار كورونا، إلا أن لينا غانم تقول إن أهمية هذا الفن ازدادت بشكل كبير مع الإغلاقات التي طالت كثيراً من دول العالم، إذ أعيق استكمال تصوير الأفلام والمسلسلات بسبب منع التجمعات، لكن الـ"أنيميشن" لم يتأثر بحال الطوارئ، لسهولة العمل من المنزل، وازدياد استخدامه في التوعية من كورونا وكيفية الوقاية منه، وهذا ما يشير إلى ضرورة الاستثمار فيه للتقليل من البطالة في فلسطين، وزيادة التواصل مع العالم.