اختار وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، أن تكون زيارته الأخيرة بصفته الرسمية إلى إسرائيل، بمثابة حملة دعم مطلق لليمين الإسرائيلي والمستوطنات، لكن الإسرائيليين، الذين أرادوا من هذه الزيارة تحقيق أهدافهم خلال الفترة المتبقية للرئيس دونالد ترمب، عرضوا على الضيف الأميركي مختلف القضايا المتعلقة بالوضع الأمني في المنطقة، وعند الحدود الشمالية، تجاه سوريا ولبنان.
وقدم بومبيو أقصى الدعم والخدمات الدولية لإسرائيل بما يفوق توقعاتها، بل تبنى ما وصفته جهات إسرائيلية مناهضة للاحتلال بـ"دعاية إسرائيلية كاذبة"؛ إذ أعلن قرار إدارة ترمب، اعتبار حركة "BDS" الدولية الداعية إلى مقاطعة إسرائيل حركة لا سامية، ونعتها بـ"السرطان".
بمثل هذا التصريح، يتبنى بومبيو دعاية حكومة إسرائيل بشأن أن "كل من يؤيد مقاطعة المستوطنات، أو إسرائيل، بسبب الاحتلال هو لا سامي".
ووجه إعلان بومبيو بمعارضة إسرائيليين اعتبروا "العقوبات والمقاطعة أداة دولية متبعة ضد أنظمة الاستبداد، وطالما بقي الاحتلال الإسرائيلي ستتصاعد أكثر فأكثر دعوات التعامل على هذا النحو مع تل أبيب".
ليس صدفة أن يختار الإسرائيليون مستوطنة شاعر بنيامين ليجول فيها بومبيو. فقد وصل إلى مصانع النبيذ في "بساغوت"، حيث يحمل أحد أنواعه اسمه، بعد أن قرر صاحب المصنع تغيير اسم نوع منه إلى "بومبيو" لشكره على الخطوة التي قام بها في فبراير (شباط) الماضي، باعترافه بـ"الحق اليهودي في تقرير المصير في وطننا التاريخي"، كما جاء في بيان وزير الخارجية الأميركي آنذاك.
هذه الجولة أقيمت فوق أرض شكلت، ولا تزال تشكل، عقبة كأداء في المحادثات بين إسرائيل والفلسطينيين. فأصحاب الأرض الفلسطينية، التي أقيم عليها مصنع النبيذ، لا يزالون يطالبون بها، وقد استبق الفلسطينيون هذه الزيارة، يوم الأربعاء، بالتظاهر بالقرب من المصنع، وألقى بعضهم الحجارة على الجنود الذين يحرسون مدخل المنطقة الصناعية. كما احتجت حركة "السلام الآن" الإسرائيلية خارج المصنع عند وصول بومبيو.
ولتقديم مزيد من الدعم لإسرائيل، أعلن بومبيو أن الولايات المتحدة ستسمح بوضع علامة على منتجات المستوطنات باعتبارها منتجات إسرائيلية.
وزار بومبيو الجولان بصفته أول مسؤول أميركي يزور مستوطنة فيها، لكن بالنسبة إلى الإسرائيليين، الزيارة هي تثبيت وتعزيز للسيادة على مرتفعات الجولان، التي سبق أن اعترف ترمب بأنها جزء من إسرائيل.
زيارة بومبيو شكلت دعماً كبيراً لإسرائيل يمكن استغلاله في مرحلة تعزيز العلاقات مع الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن. ووفق ما تخطط إسرائيل، فإنها ستستبق فترة الرئيس الديمقراطي بخطوات عملية تشكل واقعاً على الأرض، من بينها بناء مشاريع استيطانية جديدة، وقد بدأت في تنفيذها بالفعل.
زيارة الجولان
منذ تخطيط زيارة بومبيو إلى إسرائيل، أعلن بشكل واسع عن زيارته إلى الجولان، بل تم توزيع البرنامج بأدق تفاصيله، لكن إسرائيل التي وضعت ملف إيران والحدود الشمالية في جعبة أهدافها الخاصة بالفترة السابقة على دخول بايدن الإدارة الأميركية، اختارت عشية زيارة بومبيو إلى الجولان لقصف سوريا.
وكانت المرة الأولى التي تعلن فيها تل أبيب أن سلاح الجو الإسرائيلي هو من نفذ القصف. وقام الجيش بتوزيع صور ادعى أنها للأهداف التي قصفت في سوريا، وهي مواقع إيرانية. ولم يكترث بذلك، بل خرج بحملة واسعة ضد طهران وتموضعها في سوريا، وهدد مسؤولون عسكريون باتخاذ جميع الخطوات الضرورية لمنع وجودها فيها.
وخلال جولته في الجولان، قال بومبيو إن "لإسرائيل الحق في الدفاع عن سيادتها وأمنها، وبأن إدارة ترمب ستواصل بذل قصارى جهدها لضمان أن هذا ما تفعله إسرائيل".
رسالة لبايدن
تولي إسرائيل ملف إيران وسوريا ولبنان أهمية خاصة في الفترة المتبقية من ولاية ترمب، وتسعى إلى بلورة مخطط تضمن استكماله خلال حكم بايدن. ومن الناحية الزمنية، يرى الجيش الإسرائيلي أن هذا هو الوقت المناسب للضغط على القوات الإيرانية في سوريا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تعتقد إسرائيل أن الإيرانيين لن يخرجوا من سوريا من دون تدخل سياسي من الولايات المتحدة وروسيا واستئناف الحوار حول الموضوع، لكن هناك فرصة لنقطة انعطاف تتضمن دعماً أميركياً هاماً لإسرائيل.
ووفق الإسرائيليين، فإن القصف الأخير بمثابة رسالة للإيرانيين بأن الجيش سيواصل العمل ضد أي هدف له علاقة بتمركز القوات الإيرانية في سوريا. ومن جهة أخرى، هو رسالة إلى الولايات المتحدة وروسيا والجهات الخارجية ذات الشأن، بأن إسرائيل وحدها صاحبة القرار باختيار طريقة مواجهة المخاطر التي تهدد أمنها، وفق تقرير لجهاز الأمن.
هذا الموقف نقل إلى بومبيو، الذي أعلن أنه ناقش مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سبل التعاون للدفاع عن الأميركيين والإسرائيليين في المنطقة بمواجهة النظام الإيراني، مضيفاً "لسنا ملزمين أن نقبل بالضرورة حقيقة أنهم باقون، لأن إيران توفر الغطاء الرسمي للإرهاب في كل العالم. إسرائيل أيدت بشكل غير مسبوق حملة الضغط التي مارسناها ضد إيران، ونحن لا ننوي تخفيفها".
فرصة مع لبنان
في الوقت الذي ناقش فيه الإسرائيليون التطورات الأخيرة للمحادثات مع لبنان حول الحدود البحرية، واعتبار وزير الطاقة يوفال شتاينتس أن لبنان غير موقفه سبع مرات، وهناك عراقيل كبيرة تواجهها المحادثات، رأت جهات إسرائيلية أن الرسالة الأفضل التي يجب نقلها خلال زيارة بومبيو، هي ضرورة التوجه الإيجابي نحو لبنان، على أن تستمر الإدارة الجديدة برئاسة بايدن بمثل هذه الخطوات.
ويرى الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي، غيورا إيلاند، أن الخطوة الأفضل حالياً تجاه لبنان هي تقديم المساعدة الاقتصادية الفورية له، على أن تكون مشروطة بتعهد "حزب الله" بتفكيك المنشآت التي يحاول فيها إنتاج الصواريخ الدقيقة. ويضيف إيلاند "يزداد احتمال أن يحصل ذلك، إذا كان العرض الأميركي أكثر تشدداً: إما أن تقبلوا العرض وإما أن تمارس الولايات المتحدة عقوبات ضد لبنان. ولهذا النهج ثلاث فضائل كبرى، سواء من ناحية إسرائيل أو الولايات المتحدة".
الفضيلة الأولى، بحسب إيلاند "إذا نجح الأمر سيرفع التهديد العسكري الأكثر خطورة على إسرائيل. وحتى وإن لم ينجح، سيدخل حزب الله في موقف الدفاع عن النفس في السياسة اللبنانية الداخلية".
الفضيلة الثانية، برأي إيلاند "كل إضعاف لحزب الله هو مس بإيران، التي تحاول التدخل في عديد من الدول، بما في ذلك العراق وسوريا واليمن، لكن الدولة الوحيدة التي نجحت فيها تماماً هي لبنان. طهران تتحكم بحزب الله، الذي يتحكم بحكم الأمر الواقع بلبنان. فلماذا الصدام مباشرة مع طهران إذا كان ممكناً المس بها بسهولة عبر لبنان؟".
أما الفضيلة الثالثة فهي "إقناع الولايات المتحدة بالحاجة إلى تغيير صورة لبنان، واتخاذ خطوة يمكنها أن تكون إنجازاً سياسياً واضحاً بمخاطرة صغيرة".