أظهر المؤتمر الصحافي لرودي جولياني، الذي انساب خلاله صباغ شعره على جانبي وجهه، وإعلانه أن الزعيم الفنزويلي الذي توفي منذ سنوات هوغو تشافيز تسبّب في هزيمة الرئيس دونالد ترمب الانتخابات، أن هذا المحامي لم يعد "رئيس بلدية أميركا".
فالإشادات التي لقيها جولياني لشجاعته الهادئة في قيادة مدينة نيويورك بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، تلاشت بعد عدد من التصريحات الغريبة عن أن الديمقراطيين ووسائل الإعلام والديكتاتور الفنزويلي الراحل هم من حرموا ترمب من الفوز بولاية جديدة.
نظرية المؤامرة
ومؤتمره الصحافي الخميس، الذي روّج خلاله لنظريات مؤامرة في الانتخابات من دون تقديم أي دليل، كانت آخر عروضه الجريئة، دفاعاً عن ترمب الذي خسر في انتخابات الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) أمام الديمقراطي جو بايدن لكنه يرفض الإقرار بالهزيمة.
وقال جولياني، "لا يمكننا السماح لهؤلاء المحتالين، لأنهم بالفعل كذلك، أن يسرقوا انتخابات من الشعب الأميركي. لقد انتخبوا دونالد ترمب. لم ينتخبوا جو بايدن"، متجاهلاً فارقاً بنحو ستة ملايين صوت بين المرشحين لصالح الأخير.
ردود فعل
وصف حاكم ميريلاند الجمهوري لاري هوغان المؤتمر الصحافي بـ"الكارثي".
كما اعتبر كريس كريبس، مدير وكالة أمن الانتخابات، الذي أقاله ترمب أخيراً، المؤتمر الصحافي بأنه "أخطر ساعة و45 دقيقة من التلفزيون في التاريخ الأميركي. وربما الأكثر جنوناً".
وذكرت "نيويورك تايمز"، هذا الأسبوع، أن جولياني طلب مبلغ 20 ألف دولار يومياً مقابل تصريحاته دفاعاً عن ترمب، لكن التقرير قال إن المبلغ النهائي لم يُعرف. وبغض النظر عن المال، يقول روبرت بولنر، محرر كتاب عن جولياني، إن المدعي العام الفيدرالي السابق الذي أصبح رئيساً لبلدية نيويورك لطالما كان "انتهازياً سياسياً لا يهدأ" ولم تكن المصداقية من أولوياته.
الطريق الخاطئ نحو السلطة
وجاءت هجمات 11 سبتمبر لتفتح الطريق أمام جولياني لمهمّات أكبر، وشبّهه أحد الكتّاب في ردّه على الهجمات بـ"ونستون تشرتشل"، لكن ذلك ربما كان أفضل لحظات جولياني، فقد كان يتطلّع إلى مقعد البيت الأبيض في 2008، لكن استراتيجية أوّلية مشكوكاً بها فشلت، كما فشل اعتماده على سجله في 11 سبتمبر من دون تطوير منصة أوسع.
وقال بايدن، الذي سعى في ذلك العام أيضاً إلى نيل ترشيح الحزب الديمقراطي لخوض الانتخابات الرئاسية "ثلاثة أشياء فقط يذكرها في الجملة: اسم وفعل و11 سبتمبر".
وفشل مساعيه في 2008 جعله تائهاً. لكن صديقه النيويوركي القديم وحليفه السياسي فتح له طريقاً. وقال بولنر إن "جولياني رأى طريقاً نحو السلطة نتيجة صداقته مع ترمب ولم ينظر بعدها إلى الخلف". فطاقته واستعداده للدفاع عن الرئيس المنتهية ولايته في أي شيء جعل وجوده ضرورياً.
الصخب والتناقض
وعندما هدد تسجيل محرج فرص ترمب في انتخابات 2016، أجرى جولياني سلسلة من المقابلات التلفزيونية للتقليل من أهمية المسألة بغية تفقّد أي تأثير لها. بعد الانتخابات، لم يلبِّ الأول رغبته في تعيينه وزيراً للخارجية لكن الأخير بالكاد تأثر. فقط جنى ملايين الدولارات من دول وشركات تحتاج إلى شخص مؤثر في اتصال مباشر بالمكتب البيضاوي.
وفي مطلع 2018، استعان الرئيس بخدماته في حربه على تحقيق مولر. وبأسلوبه المحب للظهور مثل ترمب، أصبح جولياني وجهاً دائماً على التلفزيون، مدافعاً عن الأول ومتهماً المحققين ووسائل الإعلام بالفساد والانحياز.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان يفرط في الحديث إلى حدّ أن يناقض ما قاله قبل لحظات، أو كما حصل في أغسطس (آب) 2018 على شبكة "إن بي سي"، عندما دافع عن الرئيس بعبارات مثل "الحقيقة ليست حقيقة"، لكن جهود جولياني تسبّبت أيضاّ بمشكلات.
وتحسّباً لترشح بايدن أمام ترمب في 2020، قاد جولياني أواخر 2018 مساعي لإيجاد معلومات تسيء إلى الديمقراطي وابنه الذي لديه أنشطة تجارية في أوكرانيا.
وبناء على ما قال جولياني إنه توصّل إليه، جمّد ترمب مساعدات إلى كييف وطلب من رئيسها تسليم أدلة مفترضة عن تورّط بايدن في فساد، وهذا التصرف غير القانوني جعله ثالث رئيس في التاريخ يواجه إجراءات عزل. ويبدو أن مساعي تغيير مسار الهزيمة الواضحة له في الانتخابات، هي أكبر التحديات العقيمة لجولياني.
نصيب السخرية
المؤتمر الصحافي المهم، الذي دعا إليه بعد الاقتراع لم يكن سوى إيجاز صحافي قوبل بسخرية كبيرة، بعدما اتّضح أن مكان انعقاده لم يكن فندق "فور سيزونز" الفخم في فيلادلفيا، كما غرّد ترمب، إنما حديقة بين محرقة جثث ومتجر لكتب البالغين، هي فور سيزونز توتال لاندسكايبنغ.
وما فاقم المهزلة انعقاد المؤتمر الصحافي فيما كانت الشبكات الإخبارية الأميركية تعلن خسارة ترمب الانتخابات بعد أربعة أيام من فرز بطاقات الاقتراع.
وعدد من الشكاوى القضائية التي رفعها جولياني سحبت، أو أبطلت لعدم توفّر الأدلة. وفي مثوله أمام محكمة هذا الأسبوع، ظل يندّد بتزوير الانتخابات إلى أن أجبره القاضي على الإقرار بأن الشكوى التي يتم النظر فيها لا تتعلق بتزوير.
وفي مؤتمره الصحافي، الخميس، قال إن لديه أدلة عن جرائم متصلة بالانتخابات لكنه لم يعرضها. وبعض الأدلة الأخرى التي عرضها، مثل تصريحات لشهود عيان مفترضين، سرعان ما فضحتها وسائل إعلام.
لكن ذلك لم يثنِه. وصرّح "لدينا أدلة كافية من دون ذلك لإلغاء هذه الانتخابات. حصلنا عليها من إفادات مواطنين أميركيين لكن ما نتحدث عنه الآن مسألة تتعلق بالأمن القومي". وأضاف، "إذا لم يكن هذه عنواناً رئيساً غداً، فإنكم لا تعرفون ما معنى العنوان الرئيس".