بعد فشل صواريخ "إس-300" في شمال حماه وإدلب في 2019، يدور كلام الصحافة الروسية اليوم حول فشل المنظومة هذه في أرمينيا. وفي الحالين، يبدو أن صواريخ المنظومة الضخمة والباهظة الثمن عجزت عن التصدي لخطر أصغر حجماً.
وإثر اندلاع الحرب الأرمينية- الأذرية (أذربيجانية)، توجهت أنظار خبراء عسكريين أميركيين وروس، على حد سواء، إلى المعارك، وقبلة أنظارهم كانت أداء منظومة الصواريخ السوفياتية "إس – 300" من جهة، والعلاقات التركية – الروسية من جهة أخرى. وفي فبراير (شباط)، أي قبل أشهر من اندلاع الحرب، توقعوا رجحان كفة أرمينيا العسكرية في مواجهة محتملة مع أذربيجان. فعلى سبيل المثل، كتبت مجلة "ميليتري واتش" الأميركية الرائدة في الأدبيات العسكرية الغربية، في 19 فبراير 2019، أن أرمينيا تعدّ العدة لاحتمال اندلاع مواجهة مع الجارة الأذرية، وأن كفتها سترجح جراء التعاون العسكري العالي المستوى مع روسيا وإيران، وجراء شراء مقاتلات "سو-30 أس أم" Su-30SM الروسية. ولكن فصول الحرب خالفت التوقعات.
وإثر مشارفة الحرب التي اندلعت في سبتمبر (أيلول) الماضي على الانتهاء، ذهب أليكس سيتنيكوف في "سفوبودنايا بريسا" الروسية في مقالة بعنوان "كيف صارت إس -300" الروسية لقمة سائغة في أرمينيا؟" إلى أن الفضل في رجحان كفة أذربيجان يعود إلى مقاتلات الدرونز التي مكّنتها مثلاً من استخدام قنابل الفوسفور الأبيض لحرق غابات تحيط بجبال شوشة الأرمينية حيث كانت تختبئ قوات أرمينية من المسيّرات التركية والإسرائيلية التي تستخدمها أذربيجان. وفي هذه المعركة، كان دور الدرونز حاسماً بعد أن استخفت به أرمينيا جراء اعتدادها بمنظومة الصواريخ الروسية. وكان الرئيس الأذري أعلن في مقابلة مع "فوكس نيوز" نقلتها وكالة الأنباء الروسية "ريا نوفستي" في 25 أكتوبر (تشرين الأول) أن "الدرونز [الأذرية] دمرت دبابات أرمينية ومعدات عسكرية أخرى. وإلى اليوم ( تصريحه يعود إلى نهاية أكتوبر الماضي)، دمرنا أكثر من 230 دبابة و6 أنظمة دفاعية جوية من طراز "إس-300" ومركبات مصفحة، ولم نوجه [نيران] الدرونز ضد المدنيين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي سعيه إلى تفسير أسباب إخفاق منظومة "إس-300" وتفوّق الجيش الأذري العسكري في كاراباخ، يسلط سيتنيكوف الضوء على 5 عوامل "منهجية" هي:
أوّلاً، على خلاف الحرب الماضية في آرتساخ إثر انهيار الاتحاد السوفياتي، أعدت باكو العدة على أحسن وجه، فاستثمرت بلايين الدولارات في قواتها المسلحة.
ثانياً، تدور أذربيجان أكثر فأكثر في فلك تركيا، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو). وتسنى لها الاعتبار بتجارب تركيا القتالية الغنية والوصول إلى تكنولوجيا غربية عسكرية مبتكرة، تحديداً أصول الحرب الإلكترونية والهجمات السيبرانية (الرقمية). والأرجح أن هذه التكنولوجيا كانت وراء "العمى" الذي أصاب مقرات القيادة العسكرية الأرمينية. ولا يخفى أن فعالية منظومة "إس-300" الدفاعية الجوية وثيقة الصلة بدمجها في نظام دفاع جوي شامل، وركنها منظومة معلومات استخبارايتة فرعية لقيادة العمليات. وفي موقع "راديو أوروبا الحرة"، يسلّط كان كازاب أوغلو، مدير برنامج الأمن والدفاع في مركز إسطنبول للدراسات الاقتصادية والسياسة الخارجية EDAM، الضوء على نقاط الضعف الأرمينية، أبرزها الافتقار إلى أجهزة استشعار مناسبة وغطاء إلكتروني حربي وأسلحة مضادة للدرونز".
ثالثاً، عانت أرمينيا طوال سنوات من أزمة سكانية حادة قوّضت قدرات الجيش على التجنيد. فاستناداً إلى إحصاء 2011، كان عدد سكان جمهورية أرمينيا 3 ملايين و18.9 ألف نسمة. ولكن هذا العدد انخفض في الثلث الثاني من 2019 إلى مليونين و961 ألف نسمة. وهجرة أكثر مواطني البلاد كفاءة وتعليماً سعياً إلى "أرباح كبيرة"- وروسيا هي وجهتهم الأولى- تؤثر سلباً في تدريب الجيش الأرميني وكفاءته، تحديداً في مجال حسابات حيوية لعمل منظومة "إس -300 بي أس" الدفاعية الجوية. ويعزو سيتنيكوف إلى هذه الثغرة في الكفاءات إخفاق حماية منظومة "فايفوريت إس-300" على مقربة من خوجالي أثناء هجوم درون إسرائيلي عليها.
وعلى خلاف الانكماش السكاني في أرمينيا، ينمو عدد السكان في أذربيجان نمواً مطّرداً. ففي 2014 بلغت الكتلة السكانية، بحسب جهاز الإحصاء العام المحلي، 9 ملايين و477 ألف نسمة، وارتفعت إلى 10 ملايين و73 ألف نسمة في فبراير 2020. وهذا التفوّق السكاني وفّر لباكو كفاءات عسكرية متنوعة.
رابعاً، أذربيجان دولة مستبدة، نظامها مستقر وضارب الجذور منذ عقود، لا يقيم وزناً للخسائر البشرية في المعارك، في وقت أن النظام في أرمينيا ديمقراطي غير مستقر السلطة تُتداول فيه دورياً. لذا، تولي أرمينيا الأولوية لحماية مواطنيها. وهذا ما يفسر غياب المقاومة، إلى حد كبير، في جنوب قره باغ.
خامساً، ويرى سيتنيكوف أن هذا العامل الأبرز وراء سقوط منظومة "إس-300" في أرمينيا في مرمى الدرونز الأذربيجانية: تمسّكت يريفان بمنظومة ـ إس 300 بي تي/بي إس للدفاع الجوي، وهي نسخة طوّرت في 1982 عن منظومة "إس -300" السوفياتية، ومرمى صورايخها يبلغ 90 كلم، وهي قادرة على إسقاط مقاتلات أذربيجان من طراز " ميغ-29A. ولكن ما كان ناجعاً قبل 30 عاماً صار في عالم اليوم بائتاً وعاجزاً عن التصدي للتحديات العسكرية المعاصرة. فهذه المنظومة مصممة لرصد أكثر من هدف (10 أهداف كحد أقصى) في وقت واحد، بينما الدرونز قادرة على تشكيل سرب والهجوم واستخدام "طعم" للتضليل وصرف أنظار العدو عن الهدف الفعلي.
وتشغل تركيا منظومة "‘إس – 400" على أراضيها، لذا، صارت أنقرة قادرة على الإعداد لأكثر من نموذج هجومي. ويخلص سيتنيكوف إلى أن هزيمة منظومة "إس-300 فايفوريت" السوفياتية في أرمينيا أمام الدرونز التركية والإسرائيلية، تقرع جرس الإندار وحريّ بالجيش الروسي الاعتبار بدروسها واستقائها. فالمنظومة السوفياتية صارت بائتة وعاجزة عن التصدي على وجه فعال لمقاتلات الدرونز الإسرائيلية والتركية، على نحو ما نبّهت مجلة "ميليتري واتش" في نهاية سبتمبر الماضي، أي في مطلع الحرب، إلى أن "قدرات منظومة الصواريخ هذه محدودة، ما يقتضي لجوء أرمينيا أكثر إلى مقاتلات "سو-30 أس أم"، ورجحت أن تكون الغلبة ليريفان إذا هيمنت قواتها الجوية في قره باغ. ولكن الأسطوال الأرميني الجديد لم يُستخدم ربما لأن باكو اشترت أنظمة دفاع جوي أكثر تطوراً من موسكو في حين لم يراكم الطيارون الأرمن الخبرات الكافية لقيادة مقاتلات من طراز "4 ++" Mikoyan MiG-35.
والحق أن خلاصة الحرب الأرمينية – الأذرية واضحة: التعويل فقط على القوة التقليدية ومجانيقها (على سبيل المثل درع صاروخية ضخمة باهظة الثمن) في حروب القرن الحادي والعشرين ليس الجسر إلى نصر مُحقّق بل إلى هزيمة مؤكدة.