بينت دراسة أن المملكة المتحدة و"شبكتها العنكبوتية" من أقاليم ما وراء البحار البريطانية مسؤولتان عن أكثر من ثلث التهرب الضريبي العالمي سنوياً.
وأفادت شبكة العدالة الضريبية، وهي مجموعة تعمل في مجال المناصرة، بأن سوء استخدام المؤسسات المتعددة الجنسيات والأفراد الأثرياء للأنظمة الضريبية، حرم بلداناً من 427 مليار دولار (321 مليار جنيه إسترليني) كان يمكن تخصيصها للمستشفيات والممرضين والمدارس والخدمات العامة الأخرى العام الماضي. ومن ضمن ذلك الرقم، سهلت المملكة المتحدة وأقاليمها وملحقاتها تهرباً ضريبياً بقيمة 160 مليار دولار.
وفي حين يحصد فيروس كورونا مئات آلاف الأرواح ويدفع الحكومات في مختلف أنحاء العالم إلى إنفاق تريليونات الدولارات لدعم مواطنيها، يقدم البحث الصورة الأوضح إلى الآن للضرر الذي يتسبب به أولئك الذين يحولون الأرباح إلى ملاذات ضريبية ويراكمون الثروة في الخارج.
وحللت شبكة العدالة الضريبية المجموعة الدولية التفصيلية الأولى للبيانات التي تبلغ عنها الشركات، فبينت المجالات التي تتجنب الشركات فيها الضرائب.
واحتسبت أن أوروبا خسرت ما يوازي ثمن ميزانيتها الصحية بسبب التهرب الضريبي العام الماضي.
وفي حين تتحمل البلدان الغنية مسؤولية 98 في المئة، تتحمل البلدان الأقل ثراءً عبء الأثر. وقدرت شبكة العدالة الضريبية أن أميركا اللاتينية وإفريقيا خسرتا ما يوازي الخمس والثلث على التوالي من الإنفاق الصحي لكل منهما.
وتخسر البلدان ذات الدخل الأدنى ما يوازي 5.8 في المئة من إجمالي العوائد الضريبية التي تجبيها عادة كل عام، في حين تفقد البلدان ذات الدخل الأعلى ما متوسطه 2.5 في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتحافظ المملكة المتحدة على موقعها في رأس قائمة الكيانات ذات السيادة التي تساعد المؤسسات في تحويل كميات كبيرة من المال بعيداً عن الاستثمارات والخدمات العامة.
فقد ساعدت جزر كايمان (وهي إقليم خارجي بريطاني يضم 65 ألف نسمة فقط) شركات متعددة الجنسيات وأفراداً في تجنب دفع 70 مليار دولار، أو دولار من كل ستة دولارات تُحرَم منها البلدان سنوياً.
وتحل المملكة المتحدة وحدها، التي توفر مشورة مميزة عالمياً لتجنب الضرائب من خلال المصارف ومحامي الصناديق والمحاسبين في القلب التجاري للندن، ثانية في القائمة، وتتحمل مسؤولية 42 مليار دولار من الضرائب الضائعة. وتسهل المملكة المتحدة وجزر كايمان معاً عمل أكثر من ربع القطاع المزدهر للتهرب الضريبي.
ومنذ خمسينيات القرن العشرين، حين ساعدت المملكة المتحدة في إنشاء الشبكة العالمية للملاذات الضريبية، زعمت الحكومة أن سيطرتها قليلة على أقاليم مثل جزر كايمان. لكن المملكة المتحدة تمتلك سلطة نقض القوانين وتعيين مسؤولين حكوميين رئيسين في الجزيرة، وهي مسؤولة أيضاً عن الدفاع عنها وعن علاقاتها الدولية.
وتحل هولندا في المرتبة الثالثة في قائمة البلدان التي تسبب الضرر الأكثر بالنظام الضريبي العالمي، فهي مسؤولة عن خسائر سنوية تُقدر بـ36 مليار دولار. وتستكمل لوكسمبورغ والولايات المتحدة البلدان الخمسة الأولى في القائمة، فهما مسؤولتان عن خسائر بقيمة 28 مليار دولار و24 ملياراً على التوالي. وتضم البلدان الـ20 الأولى في القائمة جيرسي وبرمودا وجزر العذراء البريطانية، إلى جانب الصين وسنغافورة وأيرلندا وهونغ كونغ.
وعالمياً، نتج أكثر من نصف الضرائب الضائعة (أي ما قيمته 254 مليار دولار) من تحويل الشركات، أرباحاً بـ1.38 تريليون دولار، من خارج البلدان المولدة فيها إلى كيانات ذات سيادة تفرض قليلاً من الضرائب أو لا تفرض ضرائب على الإطلاق.
ويعود الباقي إلى أفراد يتهربون من الضرائب من خلال وضع أصول بـ10 تريليونات دولار في الخارج. والأموال الموضوعة في بلدان توفر السرية وتفرض ضرائب منخفضة توازي تقريباً الناتج الاقتصادي الشامل لكل شخص في المملكة المتحدة لخمس سنوات.
وقال الرئيس التنفيذي لشبكة العدالة الضريبية، أليكس كوبهام، "إن نظاماً ضريبياً عالمياً يخسر 427 مليار دولار سنوياً ليس نظاماً معطلاً بل نظاماً مبرمجاً ليفشل.
"فتحت ضغط الشركات العملاقة وقوى الملاذات الضريبية، مثل هولندا وشبكة المملكة المتحدة، برمجت حكوماتنا النظام الضريبي العالمي ليعطي الأولوية لرغبات الشركات والأفراد الأغنى على حساب احتياجات الآخرين جميعاً.
"وكشفت الجائحة التكلفة الضخمة لتحويل السياسة الضريبية إلى أداة لتدليل المنتهكين الضريبيين بدلاً من حماية رفاه الناس.
"والآن علينا أكثر من أي وقت مضى أن نعيد برمجة نظامنا الضريبي العالمي لإعطاء الأولوية لصحة الناس وسبل عيشهم على حساب رغبات أولئك المصممين على عدم دفع الضرائب".
وتدعو شبكة العدالة الضريبية الحكومات إلى اعتماد ضريبة على الأرباح الفائضة لاستعادة المال من الشركات المتعددة الجنسيات التي أعطت البلدان "أقل مما تستحق" لسنوات.
وحضت الشبكة على أن تُستهدَف أولاً تلك الشركات التي قفزت أرباحها في وقت اضطرت فيه مؤسسات محلية إلى إغلاق أبوابها.
وقال كوبهام، "إلى جانب هذه الضريبة، ستضمن ضريبة على الثروات أن الأكثر قدرة على التحمل يسهمون كما يجب في هذا الوقت الحرج".
وقالت الأمينة العامة للاتحاد الدولي للخدمات العامة، روزا بافانيلي، "يعود سبب افتقار العاملين في الرعاية الصحية، (ممن هم على تماس مع المرضى) إلى معدات للحماية الشخصية ومعاناتهم من نقص شديد في التوظيف، إلى اتباع حكومتنا التقشف والخصخصة خلال عقود من الزمن وتسهيلها لعملية إساءة استخدام ضريبة الشركات.
"ويشعر عديد من هؤلاء العاملين بالإهانة عندما يرون هؤلاء السياسيين أنفسهم وهم "يصفقون" لهم. ويجب تحويل الغضب الشعبي المتنامي إلى عمل فعلي، أي جعل الشركات وأصحاب الثروات الكبيرة يدفعون أخيراً حصتهم العادلة من أجل إعادة بناء الخدمات العامة في شكل أفضل".
© The Independent