وضع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون خططاً للاستثمار البيئي خلال العقد المقبل من الزمن، تشمل توليد ما يكفي من الرياح البحرية لمدّ كل منزل في المملكة المتحدة بالطاقة، وحظر السيارات والشاحنات الصغيرة التي تعمل بالبنزين والديزل اعتباراً من سنة 2030.
خطة رئيس الوزراء التي طال انتظارها والمؤلفة من 10 نقاط تهدف إلى تحقيق "ثورة صناعية بيئية"، وإنشاء أول مدينة تعمل بالهيدروجين، وبناء أربعة "تكتلات" لاحتجاز غاز الكربون، قادرة على امتصاص نحو 10 ميغا طن من ثاني أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي، إضافة إلى ابتكار جيل جديد من المفاعلات النووية.
لكن أنصار الدفاع عن سلامة البيئة في بريطانيا، حذّروا من أن مبلغ 12 مليار جنيه استرليني (16 مليار دولار أميركي) من التمويل العام الذي وعد به جونسون، أقلّ من الموازنة الطموحة المطلوبة، في حين أثارت مسألة تضمين طائرات نفّاثة لا تطلق أيّ انبعاثات ضمن خططه، بعض الاستياء، باعتبارها "صعبة التحقيق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يمهد قرار تقديم موعد التخلص التدريجي من السيارات والشاحنات الصغيرة الملوثة للبيئة بنحو 5 سنوات - مع منح المركبات الهجينة الجديدة مهلة وقف تنفيذ حتى السنة 2035 - لإطلاق سوق السيارات العاملة بالطاقة الكهربائية، التي ما زالت تمثل فقط 7 في المئة من القطاع في المملكة المتحدة، على الرغم من النمو الأخير الذي شهدته.
ويأتي القرار الحكومي مدعوماً باستثمارات جديدة مقدارها مليار و300 مليون جنيه استرليني (1.7 مليار دولار)، خُصّصت لتركيب نقاط شحن في المنازل والشوارع وعلى الطرق السريعة في أنحاء إنجلترا، في محاولة للتغلب على عزوف المستهلكين عن اعتماد تكنولوجيا أكثر نظافة على المستوى البيئي.
المدافعون عن البيئة أثنوا على هذه الخطوة معتبرين أنها تشكل تقدماً كبيراً، ورأت منظمة "غرينبيس" (السلام الأخضر) أنها يمكن أن "تعيد الحكومة البريطانية إلى المسار الصحيح، لجهة الوفاء بالتزاماتها تجاه المناخ"، المتمثلة في خفض الانبعاثات الصافية لغاز الكربون إلى الصفر بحلول السنة 2050.
خطة المملكة المتحدة هذه تشكل ضغطاً على دول أخرى كي تحذوَها، قبل قمة الأمم المتحدة لمواجهة تغير المناخ COP26 التي تستضيفها بريطانيا في مدينة غلاسكو السنة المقبلة، وتبعث في المقابل بإشارة إلى شركات تصنيع السيارت، للاستثمار في إنتاج نماذج من المركبات الصديقة للبيئة.
لكن "اتّحاد الصناعات البريطانية" Confederation of British Industry (أكبر اتّحاد في قطاع الأعمال في البلاد)، أشار إلى أن الموعد الجديد المستهدف "يشكل تحدياً بلا شك"، ويتطلب دعماً من قطاع السيارات للتمكن من التكيف مع هذا التغيير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي الوقت الذي يحاول رئيس الوزراء البريطاني "إعادة لملمة" حكومته بعد الرحيل المدوّي والمثير للجدل لمساعده دومينيك كامينغز، تسعى خطته إلى تحقيق أهداف استثمارية في المناطق الصناعية السابقة في ميدلاندز وسط البلاد وفي شمال إنجلترا وفي اسكتلندا وويلز، التي كان قد تعهد بـ "إنعاشها" ومعاملتها بطريقة متكافئة وعادلة مقارنة بالجنوب المزدهر.
ويرى رئيس الوزراء أن البرنامج المطروح يمكن أن يخلق ما يصل إلى 250 ألف وظيفة عالية المهارات في مجال البيئة النظيفة ويدعمها، وسيستقطب أكثر من 36 مليار جنيه استرليني (47.5 مليار دولار) على شكل استثمارات في القطاع الخاص على مدى السنوات العشر المقبلة. وقال في هذا الإطار إنه "مع أن هذه السنة قد سلكت مساراً مختلفاً تماماً عن الذي توقعناه، إلا أنني لم أغضّ الطرف عن خططنا الطموحة والهادفة إلى تحقيق الازدهار على نحو متكافىء في مناطق البلاد. وأكد: "ستساهم خطتي المؤلفة من 10 نقاط في إيجاد مئات الآلاف من الوظائف في مجال البيئة النظيفة ودعمها وحمايتها، في وقت نسعى إلى خفض صافي الانبعاثات الغازية إلى حد الصفر بحلول السنة 2050.
وأضاف: "إن ثورتنا الصناعية الخضراء ستستمد قوتها ونجاحها من الجهات الصناعية في أنحاء البلاد، بدءاً من توربينات توليد الطاقة من الرياح الموجودة في اسكتلندا والشمال الشرقي، إلى المركبات الكهربائية المصنوعة في مناطق ميدلاندز، وأحدث التقنيات المطورة في ويلز، كي نتمكن من التطلع معاً نحو مستقبل أكثر ازدهاراً واستدامة".
إلا أن وزير الأعمال في حكومة الظل "العمالية" المعارضة إد ميليباند، نبه إلى أن التمويل المعلن عنه من جانب جونسون، "لا يلبي ولو من بعيد، حجم ما هو ضروري لمعالجة حال الطوارئ المرتبطة بالبطالة وحال الطوارئ المناخية التي نواجهها"، ويُعد متدنياً مقارنة بعشرات المليارات التي تعهدت فرنسا وألمانيا بتخصيصها للبيئة أو بـ 30 مليار جنيه استرليني (40 مليار دولار) من الاستثمار الرأسمالي في القطاعات المنخفضة الكربون التي كان طالب بها حزب "العمال" على مدى الأشهر الثمانية عشرة المقبلة.
ورأى أن "جزءاً ضئيلاً فقط من التمويل الذي أعلنت عنه الحكومة اليوم، هو جديد. نحن لسنا بحاجة إلى أوعية تمويل أو تعهدات كلامية بصياغة أو نبرة جديدة، إنما إلى خطة طموحة ترقى إلى حجم المهمة التي أسندت إلينا، وهي إيجاد وظائف وفرص عمل على نحو حاسم الآن".
جوناثان بارتلي الزعيم المشارك لـ "حزب الخضر"، رأى في المقابل، أن رئيس الوزراء يجب أن يسعى إلى مزيد من الاستثمارات بالمليارات، وإلى ملايين الوظائف في مجال الحفاظ على البيئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال بارتلي: "إننا نرحب بأي تحرك لمعالجة تغير المناخ، لكن الإجراء الحكومي لا يقترب أبداً من النطاق أو السرعة المطلوبين لتحقيق الهدف المنشود". وأضاف أن "هذه الخطة المؤلفة من 10 نقاط بمثابة صفقة أعمال كالمعتاد، تعتمد بضعة تدابير خاوية وغير حاسمة، وبعض التمنيات في شأن تقنيات صعبة التطبيق على أرض الواقع، مثل الطائرات ذات الانبعاثات المعدومة لغاز الكربون Jet Zero التي لم تبصر النور حتى الآن".
مايك تشايلدز رئيس السياسات في منظمة "أصدقاء الأرض" Friends of the Earth (شبكة دولية للمنظمات المدافعة عن البيئة والناشطة في 74 بلداً)، رأى أن خطة جونسون "مقصرة جداً عن الإصلاح السياسي الطموح والمطلوب، لإثبات زعامةٍ بريطانية حقيقية على مستوى العالم، في ما يتعلق بمعالجة أزمة المناخ".
ونبه: "في حين نرحب بشكل كبير بالتخلص التدريجي من السيارات العاملة على البنزين أو الديزل، وبالتزام بناء صناعة أكبر لاستخراج الطاقة من الرياح البحرية، لا بد للحكومة أيضاً أن تشجع تطوير قطاع استخراج الطاقة من الرياح البرية، وتلتزم وقف العمل بالتدفئة التي تعتمد على الغاز في منازلنا".
اللورد جون ديبن رئيس "اللجنة الاستشارية المستقلة لمواجهة تغير المناخ" التابعة للحكومة، أعرب عن "سروره" بتوسيع الخطط الحكومية في المجال البيئي، التي قال إنها ستمنح البريطانيين فرصة لإخبار أحفادهم أن "المملكة المتحدة عمدت إلى التصرف في الوقت المناسب".
لكنه رأى أن "لا بد الآن من تحويل هذا المنحى إلى خريطة طريق مفصلة، كي نعرف جميعاً ما نحن مقبلون عليه في السنوات المقبلة".
الدكتور جوناثان مارشال من "وحدة استخبارات الطاقة والمناخ" Energy and Climate Intelligence Unit (منظمة غير ربحية تتابع النشاطات المناخية وتقدم خدمات استشارية في هذا الإطار)، قال، إن خطط رئيس الوزراء "تشكل تقدماً في ما يتعلق بعدد من القرارات السياسية الرئيسية اللازمة لإعادة المملكة المتحدة على نحو واضح إلى مسارها الصحيح، في اتجاه هدفها المتعلق بتقليص انبعاثات الكربون إلى الصفر".
لكنه حذّر في المقابل، "يبقى بعض الثغرات القائمة. فلا تزال طاقة الرياح والطاقة الشمسية البرية غير مدعومتين، وقد لا تؤتي الطموحات الطويلة الأمد ثمارها من خلال الاستثمار في تقنيات باهظة الكلفة مثل الطاقة النووية المولدة من مفاعلات أصغر من التقليدية، والتقاط الهواء لثاني أكسيد الكربون. وتظل الحلول الطبيعية لمواجهة تغير المناخ - مثل زرع الأشجار واستعادة المناطق الرطبة التي تتراكم فيها النباتات - مهملة، وموضع تجاهل رسمي إلى حدّ كبير".
إلى جانب الاستثمار في نقاط الشحن سيارات التي تعمل على الطاقة الكهربائية، أعلن بوريس جونسون عن تقديم منح بقيمة 582 مليون جنيه استرليني (768 مليون دولار) للمركبات ذات الانبعاثات الصفرية من غاز الكربون، أو تلك التي تحدث انبعاثات منخفضة للغاية، إضافة إلى نحو 500 مليون جنيه استرليني (660 مليون دولار)، لتطوير بطاريات للسيارات الكهربائية، وإنتاجها على نطاق واسع. وسيتم إجراء استشارات لتحديد موعد التخلص التدريجي من مركبات النقل الثقيلة العاملة على الديزل.
التزم رئيس الوزراء البريطاني تخصيص مبلغ يصل إلى 500 مليون جنيه استرليني (660 مليون دولار) لتطوير استخدام وقود الهيدروجين، بما في ذلك للتدفئة المنزلية والطهي، بهدف إنشاء حيّ يستمد طاقته من الهيدروجين بحلول السنة 2023، للانتقال لاحقاً إلى بناء قرية تعمل بالهيدروجين بحلول 2025، وصولاً إلى مدينة قائمة على هذه الطاقة تضم عشرات الآلاف من المنازل قبل نهاية العقد الجاري.
وسيُضخّ تمويل جديد بقيمة 200 مليون جنيه استرليني (264) لزيادة استثمار المملكة المتحدة في تكنولوجيا التقاط الكربون وتخزينه Carbon Capture & Storage إلى مليار جنيه استرليني (مليار و320 مليون دولار)، بهدف إقامة منشأتين نظيفتين أخريين منتصف السنوات العشرين، واثنتين إضافيتين بحلول السنة 2030، ربما في مناطق مثل هامبر وتيسايد وميرسيسايد أو غرنغموث أو بورت تالبوت.
ووعد رئيس الوزراء بمبلغ إضافي بقيمة 525 مليون جنيه استرليني (693 مليون دولار) للمحطات النووية الضخمة والصغيرة الحجم، وللأبحاث والتطوير في مجال إنشاء مفاعلات جديدة متطورة.
وتضمنت خطته عناصر أخرى كما يأتي:
- وضع هدف جديد يقضي بتركيب 600 ألف مضخة حرارية سنوياً، كجزء من حملة مخصصة لمد المنازل والمدارس والمستشفيات بطاقة ذات كفاءة توفيرية.
- زرع نحو 30 ألف هكتار من الأشجار كل سنة.
- جعل مدينة لندن مركزاً عالمياً لتمويل مشاريع البيئة النظيفة.
- تشجيع السير على القدمين وركوب الدراجات واستخدام وسائل النقل العام ذات الانبعاثات المنعدمة.
الصناعات البريطانية رحبت بحزمة القرارات هذه باعتبارها فرصة للمملكة المتحدة لقيادة العالم في مجال تقنيات المستقبل. وكان من المقرر أن يستضيف رئيس الوزراء "طاولة مستديرة عبر الإنترنت" بحضور مستثمرين محتملين في هذا المجال، يوم الأربعاء الفائت.
في هذا المجال، رأى جوش هاردي القائم بأعمال المدير العام لـ "اتّحاد الصناعات البريطانية" CBI، أن الخطة المؤلفة من 10 نقاط ستشكل "نقطة انطلاق يمكن أن يحققها اقتصاد حقيقي منخفض الكربون، في إطار طرح فرص استثمارية هائلة في أنحاء المملكة المتحدة، وإيجاد وظائف في مجال الحفاظ على البيئة".
© The Independent