أنشأت بريطانيا "القوة السيبرانية الوطنية" National Cyber Force التي طال انتظارها والقادرة على تنفيذ مهمات ضد أهداف منها دول معادية وتنظيمات إرهابية وشبكات الجريمة المنظّمة ودوائر دولية تنشط في استغلال الأطفال جنسياً.
تهدف المنظمة التي ينضوي تحت سقفها عدد من أجهزة الأمن والاستخبارات، إلى توفير أكثر أنواع الدعم التكنولوجي تطوراً بهدف مؤازرة عمليات تتراوح بين مهمات القوات الخاصة في القتال الميداني وبين التصدي لاستخدام الإنترنت من أجل استغلال الأطفال جنسياً.
ويرى مسؤولو الاستخبارات والدفاع أن استحداث قوة مركزية ضرورة ماسّة بسبب الارتفاع الهائل في التهديدات في الفضاء السيبراني.
وزادت خلال الأشهر الستة الماضية وتيرة الهجمات الموجّهة ضد البنية التحتية الاستراتيجية، والمجالات المتعلقة بـ"كوفيد- 19" ومن ضمنها محاولات اختراق أبحاث اللقاحات ونشر المعلومات الكاذبة بشأن الجائحة.
على نحوٍ مماثل، تعرّض الجيش (البريطاني) لهجمات مستمرّة، إذ واجه أكثر من 180 هجوماً شهرياً أو 60 يومياً، ما اعتبره الجنرال السير باتريك ساندرز، رئيس "غرفة القيادة الاستراتيجية" في المملكة المتحدة وأعلى القادة رتبة في المجال السيبراني، "حرباً خاطفة" في العصر الحديث.
للمرة الأولى، سيجتمع "قيادة الاتصالات الحكومية" و"مركز الأمن السيبراني الوطني" و"جهاز الاستخبارات الخارجية" "إم آي 6" MI6، و"مختبر علوم الدفاع والتكنولوجيا" والجيش البريطاني في إطار "القوة السيبرانية الوطنية".
ومن المتوقع أن تبدأ القوة بعديد من 3 آلاف شخص، يأتي قسم كبير منهم من الجيش، لكنها ستتوسّع من خلال عدد من القواعد في أنحاء البلاد.
وسوف تعمل القوة السيبرانية مع الدول الأعضاء الشريكة في "تحالف العيون الخمس" Five Eyes Alliance وهي الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وغيرها من الحلفاء في الغرب، وستضع قدراتها تحت تصرّف "حلف ناتو"، إذا دعت الحاجة.
بموجب البند الخامس في نظام الحلف، تستطيع الدول الأعضاء في "ناتو" طلب مساعدة بعضها بعضاً في حال تعرضها لاعتداء. ومع أنّ أياً من الدول الأعضاء لم تُفَعّله [البند الخامس] بعد، لكن المملكة المتحدة كانت قد قدّمت مساعدة تقنية إلى عدد من الحلفاء أثناء تعرضهم للعدوان السيبراني الروسي.
ويشترط بالعمليات الهجومية التي تنهض بها القوة السيبرانية أن تحصل على موافقة وزير الخارجية باعتباره المسؤول عن جهاز الاستخبارات (الخارجية) "إم آي 6" و"قيادة الاتصالات الحكومية" GCHQ، و[موافقة] وزير الدفاع الذي يتولى المسؤولية نفسها مع الجيش و"مختبر علوم الدفاع والتكنولوجيا". وسوف تُراقِبْ نشاطاتها [القوة السيبرانية] لجنة الاستخبارات والأمن في مجلس العموم. إذ يصرّ المسؤولون على ضرورة اتّباع المعايير القانونية والأخلاقية.
تذكيراً، شنّت المملكة المتحدة العملية السيبرانية الهجومية الأولى بجهود مشتركة موجهة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" [= "داعش"] بواسطة مهمات نهضت بها أجهزة الاستخبارات والجيش في العراق وسوريا، قبل سنتين. واستطراداً، سوف تعمل "القوة السيبرانية الوطنية" على مواصلة عرقلة مخططات التنظيمات الجهادية ونشاطاتها في التجنيد [عبر الإنترنت]، لكن نشاطات الدول المعادية برزت أكثر مع اتهام روسيا بالتدخّل في انتخابات الغرب واستفتاءاته، إضافة إلى ارتفاع عمليات التجسس التجاري الصينية.
لا يريد مسؤولو الحكومة في "وايتهول" التعليق علناً على استهداف الدول الخارجية. وفي المقابل، أكّد مارك سيدويل، أمين سر الحكومة ومستشار الأمن القومي سابقاً، أخيراً أنّ المملكة المتحدة نفّذت عمليات هجومية في روسيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في هذ الصدد، أشار جيريمي فليمينغ، مدير "قيادة الاتصالات الحكومية" GCHQ إلى أن "القوة السيبرانية الوطنية تُنشأ كقوة دفاعية. وتجمع القدرات الاستخباراتية والدفاعية لتحويل قدرات المملكة المتحدة للتصدي للأعداء في الفضاء السيبراني، وحماية بلدنا وشعبنا وطريقة عيشنا".
أضاف، "من خلال ارتباطها بشراكة وثيقة مع أجهزة حفظ القانون والشركاء الدوليين، تعمل "القوة السيبرانية الوطنية" بطريقة قانونية وأخلاقية ومناسبة للمساعدة في الدفاع عن الأمة والتصدي لأشكال المخاطر الأمنية الوطنية".
وأوضح الجنرال السير باتريك ساندرز "إن تشكيل "القوة السيبرانية الوطنية" للدفاع عن المملكة المتحدة في الفضاء السيبراني يشكّل خطوة مهمة وحيوية لأن هذا الفضاء يمثّل المكان الأكثر تنازعاً، حيث سيلتقي أعداؤنا وحلفاؤنا خلال العقد المقبل وما بعده".
وأشار وزير الدفاع بن والاس إلى أنّ هذه القوة سوف "تعطي المملكة المتحدة قدرة عالمية لتنفيذ العمليات السيبرانية". في المقابل، صرّح وزير الخارجية دومينيك راب بأنّ "القوة السيبرانية الوطنية قوة خير رائدة عالمياً، قادرة على القيام بعمليات هادفة ومسؤولة بهدف حماية أمننا القومي، في مواجهة الإرهاب والتصدي للنشاط المعادي للدول الأخرى، ومكافحة آفة استغلال الأطفال على الإنترنت. إذ تجمع هذه القوة تحت لوائها قدرات حيوية من أقسام الحكومة كلها".
في مقلب مغاير، لا يوافق جميع من يتابع الساحة الأمنية (البريطانية) على التركيز على العمليات السيبرانية الهجومية هذه.
وفي الأسبوع الماضي، ذكر سياران مارتن الذي شغل حتى وقت قريب منصب رئيس "المركز الوطني للأمن السيبراني"، في جامعة "كينغز كوليدج، لندن"، إنه "خلال كل خبرتي العملية، لم أرَ يوماً، ما يشير إطلاقاً إلى أنّ وجود القدرات السيبرانية في الغرب أو الاستعداد لاستخدامها، يقدر على ردع المهاجمين".
وأضاف، "في المقابل، إن مبرّر الضوابط السيبرانية واقعي وعملي. إذ تشكّل البيئة الرقمية الأكثر أمناً، الضامن الوحيد لسلامة الدول الغربية وأمنها في العصر الرقمي. ونعرّض أنفسنا للخطر بتحويل الإنترنت سلاحاً وأداة عسكرية".
© The Independent