منذ أن أمر الرئيس دونالد ترمب بقتل قاسم سليماني، أصبح الجواسيس الغربيون في حالة تأهب قصوى لمعرفة احتمالات وكيفية انتقام إيران، ويعتقد البعض أن الضربة قد تقع في أفريقيا، حيث أمضت طهران سنوات في بناء شبكات سرية، وحيث تواجه القليل من التدقيق من جانب الحكومات المحلية.
شبكات سرية
كشفت مجلة "إيكونوميست" عن قيام إيران خلال السنوات الماضية ببناء شبكات سرية في القرن الأفريقي، خارج رقابة السلطات المحلية. وذكرت المجلة أنه في عام 2013، اعتقلت الشرطة النيجيرية ثلاثة لبنانيين وعثرت على مستودع أسلحة في كانو، أكبر مدينة في الشمال. وقد اعترف الثلاثة بأنهم أعضاء في "حزب الله"، الميليشيا اللبنانية والذراع السياسية لإيران. وقالوا إنهم كانوا يخططون لمهاجمة السفارة الإسرائيلية وأهداف غربية أخرى.
وقبل ذلك بعام، اعتقلت الشرطة في كينيا إيرانيين اثنين كانا قد أخفيا متفجرات في ملعب للغولف في مومباسا، واتهمتهما بالتخطيط لمهاجمة أهداف غربية وحكم عليهما بالسجن 15 عاماً.
وعام 2016، أرسل إيرانيان اثنان إلى نيروبي لإعداد استئناف قانوني للمُدانَين، ولكن ألقي القبض عليهما وهما يخططان لشن هجوم على السفارة الإسرائيلية وطردا من البلاد. وشهدت الشرطة الكينية العام الماضي أن رجلين خدعا السفير الإيراني وأخبراه أنه بإمكانهما إطلاق سراح المُدانَين، ولكن السفير نفى ذلك.
أخطاء فيلق القدس
ويعتقد أن السبب الأساسي لهذه الأخطاء هو فيلق القدس، الجناح الخارجي للحرس الثوري الإيراني، لكن هذا التشكيل العسكري ربما يكون يعمل على تحسين قواعد اللعبة في أفريقيا ويلجأ إلى السكان المحليين للحصول على المساعدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فقد اتهم تقرير لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في ديسمبر (كانون الأول)، إسماعيل جدة، المعتقل في تشاد عام 2019، بمساعدة فيلق القدس في تجنيد وتدريب خلايا إرهابية في أفريقيا الوسطى وتشاد والسودان لمهاجمة الغرب وأهداف سعودية وإسرائيلية.
ومن بين معارف إسماعيل جدة، وفقاً للتقرير، كان ميشال دجوتوديا، وهو زعيم متمردين كان رئيساً لفترة وجيزة في أفريقيا الوسطى، من 2013 إلى 2014. ويتهم التقرير دجوتوديا بأنه التقى مسؤولين في فيلق القدس في إيران عام 2016، ومنحهم الموافقة على إنشاء شبكة إرهابية مقابل أن تساعده طهران في استعادة السلطة، لكن محاميه نفى هذه الرواية.
وقال مصدر استخباراتي غربي إن الشرطة في النيجر اعتقلت أخيراً رجلاً اعترف أثناء الاستجواب بالعمل في وحدة "400" التابعة لفيلق القدس والمتخصصة في العمليات السرية. وأقرّ المشتبه فيه بأنه جُنّد أثناء رحلة قام بها إلى إيران، وأنه سافر إليها مرات عدة للتدريب على الأسلحة. وذكر أنه ساعد في بناء شبكات وجمع معلومات استخباراتية، إلى جانب رشوة سياسيين في تشاد وإريتريا وغامبيا والسودان وجنوب السودان. كما طلبت منه طهران الحصول على تراخيص التعدين في النيجر للمساعدة في تعويض تأثير العقوبات الأميركية وتمويل العمليات السرية.
وإضافة إلى ذلك، جنّد "حزب الله" نيجيريين ودرّبهم لسنوات. وذكر تقرير صادر عن معهد الشرق الأوسط في 2018 أن إيران وجّهت "حزب الله" إلى زيادة تدريب هؤلاء وأعربت عن أملها في استخدام نيجيريا كقاعدة عمليات لشنّ هجمات و"إحباط الطموحات الإسرائيلية والغربية في المنطقة".
كما أن جنوداً من غرب أفريقيا، اعتنقوا الإسلام على المذهب الشيعي، سافروا وقاتلوا إلى جانب الإيرانيين في سوريا.
التخطيط لقتل السفيرة الأميركية
وذكر تقرير إعلامي أميركي، نقلاً عن مسؤولين لم يكشف عن أسمائهم، في وقت سابق من سبتمبر (أيلول) الماضي، أن إيران كانت تخطط لقتل السفيرة الأميركية في جنوب أفريقيا قبل الانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة في نوفمبر (تشرين الثاني)، وأن مثل هذه المؤامرة كانت ستكون بمثابة هجوم انتقامي بعدما أمر ترمب بقتل قائد "فيلق القدس" بالحرس الثوري الإيراني. لكن وكالة أمن الدولة في جنوب أفريقيا قالت إنها لم تجد أي دليل على أن طهران كانت تخطط لاغتيال السفيرة الأميركية في بريتوريا، لانا ماركس. وأوضح المتحدث باسم الوكالة مافا سكوت في بيان "في الوقت الحالي، المعلومات المقدمة ليست كافية لدعم الادعاء بوجود تهديد حقيقي ضد سفيرة الولايات المتحدة في جنوب أفريقيا".
وبالمثل يستمر الإيرانيون في دعم مقاتلين من أجزاء أخرى من العالم للانضمام إليهم في صراعات مختلفة، كما سعت طهران إلى زيادة نفوذها في دول معينة في أفريقيا في السنوات الأخيرة من خلال أنشطة مثل بيع الأسلحة وتدريب المحاربين على القتال في الشرق الأوسط وتمويل الميليشيات لتحقيق أهدافها السياسية. كما أن لديها علاقات تجارية مهمة مع عدد من تلك البلدان، بما في ذلك جنوب أفريقيا.
في هذا السياق، قال فيليب سميث، زميل "سوريف" في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ومؤسس "المشروع التفاعلي لإعداد خرائط بمواقع انتشار الميليشيات الشيعية"، إنه لا يتوقع بالضرورة أن يضرب الإيرانيون على الفور، مشيراً إلى أنهم دوماً كانوا حذرين وبحثوا عما يسمّيه "الإنكار المعقول" لتجنّب اكتشافهم عند الهجوم.
وشرح سميث أنه عندما يردّون، من الممكن أن يبحثوا عن هدف سهل في مكان غير متوقع، مردفاً "سيرغب الإيرانيون في إظهار أن لديهم تأثيراً في نطاق عالمي وقد يبحثون عن ثمار متدلية أو أهداف أسهل يمكنهم السعي وراءها". وقد يحدث هذا بشكل جيد للغاية في أفريقيا. كما يمكن أن يحدث بشكل جيد للغاية في أميركا الشمالية أو أوروبا أو في أماكن أخرى كثيرة. ويؤكد مسؤولو مكافحة الإرهاب الحاليون والسابقون هذا النمط العام من النشاط لدى النظام الإيراني لنشر شرّهم وأيديولوجيتهم. وقال أحدهم: "من الواضح أن طهران تحاول نشر أجنحتها إلى أقصى حدّ ممكن، ومن المنطقي بالنسبة إليهم استخدام السكان المحليين الذين باستطاعتهم العمل تحت الرادار. إنهم يتطلّعون إلى تصدر عناوين الأخبار، ولقد اختاروا أفريقيا لأنه من السهل العمل هناك".