مع انتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي على نحو واسع في الأردن، يكاد لا يسلم أحد تقريباً من ظاهرة التنمر الإلكتروني الذي أصبح وباءً يأخذ أشكالاً مختلفة تحت غطاء السخرية والنقد اللاذع والتجريح وحرية التعبير.
وفيما تمتلئ أروقة المحاكم الأردنية بمئات القضايا، التي تندرج تحت مسمى التنمر الإلكتروني كنشر الأكاذيب، أو الصور المحرجة، أو رسائل التهديد، وانتحال الشخصيات، يعرّف مختصون الظاهرة بأنها "استخدام سلبي للتقنيات الرقمية، ووسائل التواصل الاجتماعي ومنصات المراسلة والألعاب والهواتف المحمولة، بهدف إخافة أو استفزاز المستهدفين به أو تشويه سمعتهم".
تنمر إلكتروني انتخابي
خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الأردن تعرض عدد من المرشحين للمجلس النيابي إلى تنمر واضح، بعضه طال النساء بهدف إقصائهن من الحياة السياسية والحد من انخراطهن في الشأن العام.
وبحسب مؤسسة "تضامن" طال التنمر الإلكتروني عدداً من المرشحات، من بينهن مرشحة من ذوي الاحتياجات الخاصة، وأخرى تلعثمت وارتبكت خلال لقاء تلفزيوني على الشاشة الرسمية.
وترى الجمعية أن التنمر الإلكتروني في الأردن ضد النساء ضعف ما يتعرض له الرجال، بخاصة إذا ما قمن بمشاركة حياتهن الاجتماعية على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأظهرت دراسة مسحية أن 47 في المئة من المترشحات واجهن تنمراً إلكترونياً، وتعليقات سلبية على صورهن ومظهرهن ولباسهن، والتحريض على عدم التصويت لهن.
بيئة خصبة
تبدي وزارة التعليم الأردنية اهتماماً متنامياً بالحد من التنمر في المدارس حيث البيئة الخصبة لهذه الظاهرة التي لم يكن يلتفت إليها أحد سابقاً، وتعمل جاهدة للحد منها.
كما يتكفل قانون الجرائم الإلكترونية بمحاسبة المتنمرين على وسائل التواصل الاجتماعي، ويجري الإبلاغ عن هذه الجرائم عبر مركز الشرطة أو المدعي العام. بينما تتكفل وحدة الجرائم الإلكترونية بالتحقيق وجمع الأدلة.
وأمام عدم وجود قانون خاص، يندرج التنمر الإلكتروني ضمن جرائم الابتزاز والذم والقدح والتشهير، حيث تشير أرقام تقديرية إلى تعرض نحو 37 في المئة من الأردنيين بخاصة فئة الشباب والمراهقين للتنمر عبر الإنترنت.
ومع اتصال نحو 80 في المئة من المراهقين بالإنترنت عبر أجهزتهم المحمولة، فإن فرصة تعرضهم للتنمر كبيرة جداً، بخاصة من خلال تطبيق "تيك توك"، كما يلاحظ خبير التقنية محمد مرعي، الذي يشير إلى أن الفتيات أكثر عرضة للتنمر الذي يعتمد بالأساس على حب الظهور والتعبير عن النفس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى مرعي أن المسؤولية الأولى في محاربة التنمر الإلكتروني تقع على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال وضع ضوابط أخلاقية على منصاتها.
يشير مرعي إلى قصة مذيعة تعمل في إحدى المحطات الأردنية كمثال على التنمر الإلكتروني، حيث تلقت تعليقات سلبية وإساءات بالغة من متابعين بسبب مظهرها، مما دفعها إلى الغياب فترة عن الشاشة.
بينما تشرح المرشدة الاجتماعية نوال عوّاد ما يسببه التنمر من ضغوط نفسية وعاطفية كبيرة، حيث يعاني الأطفال الذين يتعرضون للتنمر عبر الإنترنت من القلق والخوف والاكتئاب وتدني احترام الذات، وقد يعانون أيضاً من أعراض جسدية، تصل إلى حد محاولة الانتحار.
عنف مسكوت عنه
ويوضح الخبير في الوقاية من العنف الدكتور هاني جهشان أن التنمر من أكثر أشكال العنف شيوعاً ضد الأطفال في المدرسة، وهو من أشكال العنف التي لا يُبلغ عنها ويتم التسامح معه في أغلب الاحيان وربما التغاضي عنها من قبل المعلمين وإدارة المدرسة، باعتبار أنها لا تستحق الدراسة والبحث والنقاش، وذلك على الرغم مما تتركه من أذى بليغ وعواقب سلبية على الأطفال.
ويضيف "بعيداً عن التنمر الإلكتروني الذي تمكن ملاحقته بسهولة، فإن التنمر في المدرسة يصل إلى الاعتداء الجسدي، والإساءة اللفظية، والعنف الجنسي".
واعتبر أن التنمر عبر الإنترنت يتضمن نشر رسائل إلكترونية وصور ومقاطع فيديو عبر الشبكة العنكبوتية أو الهواتف الخلوية تهدف إلى مضايقة الطفل أو المراهق وتشويه سمعته وتهديده بإرسالها له مباشرة او لأصدقائه وزملائه بالمدرسة. فضلاً عن نشر إشاعات أو معلومات كاذبة أو رسائل مؤذية أو تعليقات أو صور محرجة أو استبعاد الطفل من مجموعات الدردشة عبر الإنترنت.
ويؤكد جهشان أن جذور التنمر تعود إلى "التفكك الأسري وغياب التواصل بين أفرادها، فضلاً عن رفاق السوء، والفقر، وثقافة العنف، وشيوع المعايير الاجتماعية التي تكرس وجود فئات منبوذة كالذين يعانون من سمنة أو صعوبات تعلّم أو إعاقات أو اللاجئين، وغياب الدعم النفسي لهذه الفئات".
تنمر افتراضي
بدوره يرى أستاذ علم الاجتماع الدكتور رامي حباشنة، أن موضوع التنمر الإلكتروني أخذ اهتماماً متزايداً في الآونة الأخيرة، وأن المتنمر الإلكتروني يحاول حشد الآخرين لعزل شخص آخر في سياق التفاعل عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
ورجح أن "الشخص المتنمّر يملك الشعور بالجرأة للتعبير عن معتقداته العدوانية، وإسقاط مشاعره غير المرغوب فيها وغير السارة على شخص آخر، ويبدأ المتنمر هنا باستخدام التكتيكات العدوانية إما لفرض مكانة لشخصيته الاجتماعية أو تشويه المرتبة الاجتماعية لشخص آخر".
ويعتبر الحباشنة التفاعل الافتراضي وغير الوجاهي على الإنترنت، أحد بواعث جرأة المتنمّر في بث إساءته على شكل فيديو أو صورة أو منشور أو تعليق، وفي الغالب تكون شخصيته مبهمة وغير معروفة.