كما لناس بيروت انتظارهم السنوي لموسم الأعياد وزحمتها، كذلك لمثقفيها ذلك الانتظار للحدث الثقافي السنوي، معرض بيروت العربي الدولي للكتاب.
هذا المعرض الذي يعد ملتقى رواد القراءة، ويعد حدثاً ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً في آن يغيب للعام التالي على التوالي، وتغيب معه تلك الاجتماعات واللقاءات والتواقيع والإصدارات الجديدة التي ينتظر أصحابها هذا المعرض، معلنين عن مولود جديد يرتمي في أحضان "الآداب، والعلوم، والسياسة، والفن، وعالم الترفيه والأطفال"، ليكون نقطة في بحر الثقافة عامة في لبنان والعالم العربي والعالم.
أول معرض كتاب عربي
في عام 1956 فتحت الجامعة الأميركية إحدى قاعاتها لتحتضن الكتب، وتطلق أول معرض عربي للكتاب، نظمه النادي الثقافي العربي الذي تأسس عام 1944. واستقطب المعرض منذ ذلك الحين وحتى دورته الـ62 كثيرين من الكتاب والمؤلفين العرب والأجانب واللبنانيين للقاء ثقافي سنوي، يحفل بإصدار الكتب، وإقامة الندوات، والأمسيات الشعرية ونشاطات ثقافية أخرى.
وكان المعرض الذي استقطب أكثر من 245 دار نشر عربية وأجنبية قد أَجل دورته الـ63 في شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 2019 بسبب أحداث انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه، إلى فبراير (شباط) من عام 2020. وجاء انتشار كورونا ككابوس على النشاطات الثقافية عموماً، ومعرض الكتاب خصوصاً، بسبب منع التجمعات والحجر الذي فرض على البلد وما زال.
انفجار بيروت أطاح بالمكان
وتقوم عادة نقابة اتحاد الناشرين في لبنان والنادي الثقافي العربي بتنظيم معرض بيروت العربي الدولي للكتاب، وتحاول الجهات المنظمة للمعرض إيجاد حلول على الرغم من الوضع الاقتصادي والسياسي والصحي الصعب لإقامة المعرض منذ عامين.
وتقول رئيسة نقابة اتحاد الناشرين في لبنان سميرة عاصي، إن النقابة تحاول جاهدة إيجاد مكان أو صالة لإقامة المعرض، بعد أن هدمت الصالة المعتمدة بسبب انفجار المرفأ في الرابع من أغسطس (آب) الماضي، إضافة إلى درس أمور عدة تتعلق بالمعرض، منها الجمهور والوضع الاقتصادي والاجتماعي ووضع البنوك وسائر القطاعات، لا سيما وأن المعرض يقام بشكل شخصي وليس دولياً، وليس هناك من يدعم كما تقول، وتشير عاصي إلى وجود تفاصيل دقيقة يجب درسها، إن كان على صعيد الوافدين من الخارج للاشتراك، وكذلك على صعيد المقيمين.
ومن العوائق أيضاً، تذكر عاصي أن الحالة الاقتصادية للناشر اللبناني ضعيفة جداً، إضافة إلى أزمة الدولار، فلا يوجد مكان متوفر ولا مقومات ولا مساعدات، إضافة إلى منع التجمعات بسبب انتشار كورونا، وتضيف، "مع الأسف، الدولة بجميع وزاراتها لا تهتم بالثقافة، ولو لم تكن هناك نقابة وناشر حقيقي لم يكن هناك نشر في لبنان، ووزارة الثقافة لا تدعم، للأسف، ونحن نعرف أن الإمكانية ضعيفة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دور النشر تشارك مجاناً في الشارقة
وعن مشاركة دور النشر اللبنانية في معرض الشارقة للكتاب تقول رئيسة النقابة "مشكور الدكتور حاكم الشارقة سمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي على التحدي لإقامة المعرض على الرغم من كورونا، وقد كان داعماً للمعرض والناشر، فأعفى الناشرين اللبنانيين والعرب من رسوم الاشتراك، كما شجع الشراء من دور النشر من خلال الهيئات الحكومية"، وتضيف "لا بد من أن أشير إلى أن بعض الزملاء أصيبوا بالوباء، وقد تكفلت الشارقة بالطبابة والحجر لحين الشفاء، وهذا الأمر غير متوافر لدينا في لبنان نظراً للظروف الاقتصادية. وهذه من الأسباب التي تمنع إقامة المعرض، وعلى الرغم من ذلك نحاول".
الناشر المتضرر الأكبر
وتتابع عاصي، أن الكتاب المدرسي المستورد أصبح أغلى سعراً، لأن كلفته تحسب بالدولار واليورو، أما الكتب الأخرى، فتتفاوت أسعارها بين دار نشر وأخرى بحسب كلفة الكتاب.
وعن غلاء الكتب وعدم تمكن الفقراء من شرائها، تقول عاصي، إن الشعب اللبناني كله أصبح فقيراً، ويقوم بجهد لجعل راتبه قادراً على توفير الطبابة والأكل إذا توفر، "نحن نعاني"، وبسبب الظروف الاقتصادية لا يستطيع الأهل دفع القسط الجامعي أو المدرسي لأولادهم.
وعن المتضرر الأكبر من توقف المعرض وما يرافقه من حركة اقتصادية، تعتبر عاصي أن المتضرر الأكبر هو الناشر، وأن دور النشر تعاني كثيراً، وليس هناك من دعم من الدولة، وبالطبع يتأثر كل من الكاتب والمؤلف، كما أن رواد المعرض متأثرون بسبب الأزمة الاقتصادية، وتشير إلى أن الإصدارات خفت كثيراً بسبب الأزمة الاقتصادية ووضع الدولار، إذ إن بعض المطابع تتقاضى بالليرة اللبنانية، ولكن على سعر السوق السوداء، "ومن أين للناشر تأمين الدولار"، وتختم أنهم كنقابة لم يفقدوا الأمل في إقامة المعرض "لكننا نحتاج للمكان، ونحن بصدد إيجاده، وإذا توفر ستعتمد باقي التفاصيل على موضوع الحجر ومستجدات كورونا".
المعرض حافز للقراءة
رواد المعرض من المثقفين والقراء ومقتني الكتب افتقدوا لذلك الحدث الثقافي السنوي، ويقول اسطفان كرم "أنا من زوار معرض الكتاب منذ كان عمري 15 عاماً، أي منذ عام 1979، وكان ينظم معرض الكتاب في القاعة الزجاجية في الحمراء، وكنت أدخر مصروفي اليومي لأشتري الكتب".
العام الماضي، يقول كرم، إنه شعر بالفراغ، ويعتبر أنه خسر كثيراً، وعلى الرغم من أنه يقرأ ويشتري الكتب عبر الإنترنت، فإنه يعتبر أن غياب المعرض ترك فراغاً لا يعوض، وعلى الرغم من زيارته عدداً من المعارض العربية في الشارقة وأبو ظبي فإن لمعرض بيروت ميزته الخاصة، ويشكل بالنسبة إليه فرصة خاصة للقاء الناشرين والكتاب والصحافيين والأصدقاء من المؤلفين والزوار "بعض الأشخاص قد لا ألتقي بهم إلا في المعرض وندواته وأجنحته وحتى في الكافيتريا".
في السنوات الـ10 الأخيرة كان كرم يرصد بين 300 و500 دولار أميركي كل عام لشراء الكتب، ويشجع أولاده لزيارة المعرض الذي يقصده خمس مرات على الأقل خلال أيامه الـ12.
الكتب المكدسة
ويقول قدموس الخطيب، إنه لم يشعر بمرور عامين ولا معرض للكتاب، لأن الأيام مرت حافلة بأحداث كثيرة، ونظراً لوجود كم كبير من الكتب التي لم يكن لديه الوقت سابقاً لقراءتها، فتكدست على مدى أعوام، ويقوم اليوم بقراءتها، ويعتبر أن معرض الكتاب حدث ثقافي تقليدي، حتى لو لم يكن يريد شراء الكتب، يحرص أن يزوره إن في بيروت أو في البقاع، وأن يكون بين الكتب.
"حبة الخلاص"
وتقول الكاتبة جنان خاشوف، إنها تحمست كثيراً عندما علمت أن روايتها الأولى "حبة الخلاص" ستُوقع في معرض الكتاب، فهو بالنسبة لها جزء من ذاكرة بيروت، ومن النشاطات القليلة التي حظيت بإجماع كل الناس، وكانت قد وقعت روايتها الثانية "مسدس سلف" في عام 2017 كذلك في المعرض.
تخبر جنان أن معرض الكتاب كان فرصة لها في أيام الطفولة لاختيار الكتب بنفسها، بعكس باقي أيام السنة، حيث كانت أمها تختار الكتب، فكان معرض الكتاب عزيزاً، وكانت لا تحب مغادرته، عندما يقفل أبوابه مساء، إذ كانت تلتقي بكل الأصدقاء والناس الذين تعرفهم.
في العام الماضي تقول جنان، إنها فرحت أن المعرض لم يقم بسبب الانتفاضة، "لأننا لا نستطيع الادعاء أن كل شيء على ما يرام، ولكنني لم ألحظ غيابه هذا العام، لأن كل حياتنا اختلفت عن الحياة السابقة التي تعودنا عليها".