ما من شك أن أنقرة تسعى للبقاء كلاعب أساس في ساحات الصراع شمال سوريا، بدوافع متعددة تعزوها على الدوام إلى وجود خطر يداهم حدودها الجنوبية، من الأحزاب الكردية المقاتلة.
تحرك تركي جديد
في المقابل، تترك الانسحابات التركية المتتالية عبر شهر من الزمن من نقاط المراقبة غرب حلب وجنوب إدلب، وتحديداً من مناطق باتت تسيطر عليها القوات السورية النظامية، حالة من التعطش لمعرفة الخطوة اللاحقة في لعبة الشطرنج التركية على الأرض، لا سيما أنها زجت مقابل ذلك بقوات جديدة في منطقة خفض التصعيد.
في هذا السياق، رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره بريطانيا، دخول رتل عسكري تركي يضم 20 آلية بحوزتها معدات عسكرية، ولوجيستية معبر كفرلوسين الحدودي المتاخم للواء اسكندرون، شمال إدلب، شاقاً طريقه إلى منطقة خفض التصعيد، وسط تكهنات عن دواعي التحرك الجديد في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.
يعد المراقبون هذا الحدث محاولة دعم وإرضاء للفصائل المتشددة التي تقاتل في إدلب، بعدما أصاب صفوفها الانهيار، بالإضافة إلى التغطية على الانسحابات المتكررة لنقاط المراقبة التي يبلغ مجموعها 12 نقطة.
ويذهب فريق من الخبراء المتابعين للشأن السوري، للاعتقاد بأن إقدام أنقرة على التحرك ميدانياً بهذا الشكل المفاجئ، قد يفضي بالنتيجة نحو عملية عسكرية في إدلب، خصوصاً أن هذا التدخل العسكري يضرب بعرض الحائط تفاهم أستانا بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، الموقع في 4 مايو (أيار) 2017 حول مناطق خفض التصعيد.
ترتيبات لمعركة قادمة
من المرجح أن يتبع وصول هذه الآليات، استقدام إسطنبول لأرتال عسكرية جديدة بغية تعزيز قواتها، يضاف إليها نقاط المراقبة التي انسحبت متوجهة إلى جبل الزاوية في ريف إدلب ومناطق متعددة خارج سيطرة الدولة السورية، كي لا تكون هدفاً لأي عملية مقبلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقائع التحركات على الحدود الشمالية تسرع من هذا الاحتمال، الذي يرجحه المتخصص في الجماعات المتشددة عمر رحمون. وهو يعتبر التراجع من قبل الجيش التركي مع استقدام قوات جديدة وتموضعها في إدلب، مؤشراً على التحضير لعمل عسكري.
ويضيف "في الظاهر هي تنفيذ لاتفاق موسكو الذي وقعت عليه تركيا وروسيا، ويقضي بإنشاء نقاط تركية لمراقبة تحركات وقف إطلاق النار. وبعد تحرير المنطقة من الجماعات المسلحة، لم يعد هناك من داعٍ لوجودها، ولهذا بدأت تركيا سحب التزامها الاتفاقيات التي وقعت عليها".
ويوضح "أما باطن هذا الانسحاب فهو تفريغ الساحة لمعركة قادمة وتجهيز المنطقة لمرحلة ما بعد نتائج الانتخابات الأميركية الأخيرة".
أستانا وسوتشي في الشمال
في غضون ذلك، يرتفع تعداد الآليات العسكرية التركية الموجودة على الأراضي السورية إلى ما يزيد على عشرة آلاف آلية وشاحنة منذ فبراير (شباط) الماضي.
في المقابل، تنظر موسكو إلى الكأس الممتلئ من الموقف التركي، معتبرة الانسحاب الجديد، استمراراً في تنفيذ الاتفاقيات التي توصل إليها الجانبان في مارس (آذار) الماضي، وفق تصريح لمبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر يفيموف لوسائل إعلام محلية.
ويؤكد يفيموف أهمية تطبيق اتفاقية "أستانا" التي تضم روسيا وتركيا وإيران، وذلك تعبيراً عن "رغبة مشتركة بضمان عدم تكرار ما حدث في العراق أو ليبيا في سوريا، على الرغم من اختلاف مناهج الدول الثلاث ومواقفها من المعارك، وأعتقد أننا نجحنا".
الانسحاب التركي يأتي على نقيض من تصريحات وزير الدفاع التركي خلوصي أكار قبل نحو عام، حين قال إن "بلاده لن تخلي نقاط المراقبة في منطقة خفض التصعيد بإدلب، بأي شكل من الأشكال"، وذلك خلال اجتماع عقده في ولاية هاتاي التركية بين قادة الوحدات التركية وقيادات سورية.
وبموجب اتفاق أبرمته مع روسيا في سوتشي في سبتمبر (أيلول) 2018، نشرت تركيا 12 نقطة مراقبة أكبرها كانت "مورك" الواقعة في ريف حماة الشمالي، التي انسحبت منها في 20 أكتوبر (تشرين الأول).
الأكراد في لهيب المعركة
في الشمال الشرقي، لا يبتعد الأكراد من جوهر الصراع وتوزع خريطة اللعبة العسكرية التركية الجديدة، بعد أن تلقوا ضربة تركية موجعة قبل أيام، في 25 نوفمبر، أدت إلى مصرع 21 عنصراً من مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية، كرد على كمين محكم نصبته "قسد" بعد تسللها إلى قرية تقع تحت سيطرة فصائل سورية موالية لتركيا.
ويرى رحمون أن تركيا تريد السيطرة الدائمة على الشمال السوري لتريح نفسها من خطر تنظيم حزب العمال الكردستاني، الذي يحارب أنقرة منذ عشرات سنوات، مشيراً إلى أن هذا الوجود العسكري له "ضوابط وتفاهمات والتزامات وليس تدخلاً منفلتاً، بل هو مرتبط بصمود الدولة السورية وعملها على تحرير كامل التراب الوطني. سينتهي الوجود التركي في الشمال السوري عندما تنتهي أسبابه".