بعد أزمة مالية خانقة عاشها العراق هذا العام، بات الترقب يتزايد لمشروع موازنة العام المقبل 2021، والتي كان يفترض أن تُرسل منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لكنها لا تزال في أروقة وزارة المالية التي لم تفصح حتى الآن عن حجمها.
ولا يزال طرح التساؤلات مستمراً حول المؤشرات المالية والاقتصادية للعراق في العام المقبل، خصوصاً مع استمرار مؤشرات انخفاض أسعار النفط والمديونية العالية للبلاد، وانخفاض الاحتياطيات في البنك المركزي الذي ربما يؤثر بشكل كبير على أسعار العملة المحلية، ودفعت هذه الإشكالات الحكومة العراقية إلى اللجوء للاقتراض في أكثر من مرة، لتسديد رواتب الموظفين والنفقات التشغيلية الأخرى.
ترقب لإعلان حجم موازنة 2021
وفي وقت يترقب العراقيون الإعلان عن حجم موازنة العام المقبل، أعلن المتحدث باسم مجلس الوزراء العراقي وزير الثقافة حسن ناظم، الثلاثاء، الأول من ديسمبر (كانون الأول)، تأجيل الجلسة المخصصة لمناقشة مشروعها إلى السبت المقبل.
في غضون ذلك، كشف مصدر مطلع على حوارات مشروع موازنة 2021، عن النقاشات حول حجم احتساب سعر برميل النفط فيها، مشيراً إلى أن "النقاشات حول احتساب سعر برميل النفط تتراوح بين 41 و43 دولاراً، بعد أن كان الحديث يدور عن تحديد سعر البرميل في الموازنة بـ45 دولاراً".
ويتحدث نواب في اللجنة المالية في البرلمان العراقي عن عجز كبير في موازنة العام المقبل، وفي وقت حملوا الحكومة مسؤولية التأخر في إرسالها إلى البرلمان حتى الآن، تباينت تقديرات العجز نظراً لهذا التأخر في الإفصاح عنها.
وفي السياق نفسه، قال عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي، أحمد الحاج، "وفقاً لقانون الإدارة المالية، كان يفترض أن يصل مشروع موازنة عام 2021 إلى البرلمان في أكتوبر الماضي، وتتحمل الحكومة مسؤولية التأخر في هذا الجانب"، ورجح الحاج أن تكون الخلافات داخل وزارة المالية "حول تحديد السقف الأعلى لمشروع قانون الموازنة"، مبيناً أنه "حتى الآن، لم يحدد حجم الموازنة لينتج عنه تقديرات لحجم العجز فيها".
وأشار إلى أن "ما يصدر من تقديرات حول حجم العجز مجرد تكهنات"، مبيناً أنه "بحسب الأرقام الأولية يبلغ العجز 30 تريليون دينار (25 مليار دولار) يُغطى بالقروض الداخلية والخارجية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بين 40 و50 في المئة
ولا ترتبط الإشكالية المالية في البلاد على الحكومة الحالية فحسب، إذ يشير مختصون إلى أن الإشكال في ما يتعلق بالإدارة المالية تراكمي، إذ عمدت الحكومات السابقة إلى زيادة النفقات بشكل مبالغ به وزيادة مخصصات المسؤولين في الدولة مما جعل جوانب الموازنات التنموية غائبة بشكل كبير، وكان مقرر اللجنة المالية في البرلمان العراقي النائب أحمد الصفار، قد توقع أن يصل "حجم العجز في مشروع موازنة 2021 بين 40 و50 في المئة من حجم الإيرادات العامة للدولة".
وكان الصفار استعرض جملة توقعات بشأن مشروع الموازنة، من بينها "أن يكون هناك ضغط في جانب الإنفاق العام والتركيز على الإنفاق التشغيلي والضروري"، فضلاً عن توقعات أخرى تضمنت "إعادة النظر في هيكلية الرواتب، وتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية، إضافة إلى عمل الحكومة على الوصول إلى الإيرادات غير النفطية الحقيقية خصوصاً ما يتعلق بالمنافذ والضريبة ونافذة العملة".
اعتماد على تقديرات الورقة البيضاء
وتثير التقديرات المتوقعة لحجم العجز في مشروع الموازنة جدلاً اقتصادياً كبيراً، ويرى متخصصون بضرورة تقليل الإنفاق واعتماد صيغ تقشفية في إدارة الموارد المالية نظراً للمؤشرات المالية التشاؤمية للعام المقبل أيضاً، ويشير أستاذ الاقتصاد عبد الرحمن المشهداني، إلى أن حديث نواب في البرلمان عن عجز كبير في موازنة 2021، يعطي انطباعاً بـ"اعتماد الحكومة على تقديرات الورقة البيضاء في إعداد مشروع الموازنة، والتي قدرت بنحو 153 تريليون دينار (نحو 130 مليار دولار)"، مبيناً أنه "إذا اعتُمد هذا الرقم سيفوق مقدار العجز حدود الـ72 تريليون دينار (نحو 60 مليار دولار)، وهذا رقم هائل".
ويؤكد المشهداني أن "الأرقام المعقولة" لتضمينها في مشروع الموازنة يجب "ألا تتجاوز حدود 63 مليار دولار"، مضيفاً، "وفق البيانات الاقتصادية المتوفرة، فإن الإيرادات النفطية للعراق للعام المقبل، ستصل إلى نحو 42 مليار دولار، وغير النفطية نحو 8.5 مليار دولار، ما يؤدي إلى عجز لا يتجاوز حدود 12.5 مليار دولار، وهذا منطقي"، مشيراً في الوقت عينه إلى أن الحلول المتوفرة أمام الحكومة ترتبط بـ"ترشيد الإنفاق وتحديد الموازنة بحدود معقولة"، لافتاً إلى أن "العراق في أفضل الأحوال لم يحقق إنفاقاً أعلى من 85 تريليون دينار (نحو 71 مليار دولار)، عدا العام 2013 الذي بلغ فيه حجم الإنفاق نحو 100 تريليون دينار (84 مليار دولار) وشابته شبهات فساد".
وقال، "كل الدلائل تشير إلى أن العام المقبل سيكون صعباً من الناحية المالية، بعد أن استنزف العراق قدراته العام الحالي، إذ انخفضت احتياطيات البنك المركزي إلى 54 تريليون دينار (نحو 45 مليار دولار) بعد أن كانت 67 تريليون دينار (56 مليار دولار)، وتراكم الدين الداخلي، ومؤشرات أسعار النفط ستبقى بين 40 و50 دولاراً للبرميل".
مباحثات جارية لتخفيض العجز
ولا تبدو الإشكالية بالنسبة للمتخصصين الاقتصاديين بإقرار الموازنة العامة للبلاد، إذ يشيرون إلى أن الأمر الأهم هو تضمنها برامج إصلاحية تقلل من الأعباء المالية الكبيرة، في وقت يسود اعتقاد في الأوساط الاقتصادية بأن التأخر في الإعلان عن حجم الموازنة العامة يأتي بسبب محاولات تقليل العجز المقرر فيها، من 70 تريليون دينار (نحو 59 ملياراً) إلى نحو 30 تريليون دينار (25 مليار دولار).
ويشير الخبير المالي ماجد الصوري إلى أن "المشكلة ليست في إقرار الموازنة العامة بالعراق، بقدر تعلقها بمحتويات تلك الموازنة وحقيقة تضمنها إصلاحاً مالياً واقتصادياً، وحلولاً لأعباء القروض الكبيرة"، ويضيف "ما يتسرب حتى الآن حول الموازنة يؤكد أنها لن تؤدي إلى تخفيض كبير في النفقات، مما يعني عدم حل الأزمة المالية أو التخفيف من عملية الاقتراض"، ويكشف الصوري أنه "بحسب التسريبات، فإن العجز في مقترح الموازنة للعام المقبل يصل إلى حدود 70 تريليون دينار (نحو 59 ملياراً)، وتجري مباحثات لتخفيضه إلى 30 تريليوناً (25 مليار دولار)"، معبراً عن اعتقاده أن "الموازنة العامة يجب ألا تتجاوز 70 إلى 80 تريليون دينار، وعلى الرغم من ذلك، ستكون أيضاً بعجز بين 5 و15 في المئة".
وإضافة إلى الأزمة المالية التي تمر بها البلاد، تبرز خدمة الديون كتحد إضافي، ويرجح الصوري أن يرتفع تخصيص خدمة الدين في الموازنة المقبلة إلى "ما بين 15 و18 تريليون دينار (12.2 و15 مليار دولار)"، ويتابع "مع الإصرار على بقاء النفقات على حالها، ستكون خيارات الحكومة والبرلمان الوحيدة إما بتخفيض سعر العملة أو الاقتراض، وكلاهما صعب على العراقيين"، مبيناً أن "إجراءات التوسع في الإنفاق أدت إلى غياب التنمية وتحولت الدولة العراقية إلى دولة موظفين والشعب إلى خدمة الموظفين فقط".
ويلفت الصوري إلى أن "المناقشات الأساسية حول الموازنة لطالما خضعت لأمزجة سياسية تهدف إلى توظيف عدد كبير من الموظفين لتوسيع القاعدة الانتخابية للسياسيين، وهذه الموازنة تسبق الانتخابات المبكرة"، ويشير إلى أن التساؤل الأهم الآن يتعلق بالتأخر في حسم ملف تخفيض رواتب الدرجات العليا في الدولة، مضيفاً "رواتب الموظفين ارتفعت منذ 2004 إلى الآن في حدود 36 ضعفاً مقابل ارتفاع عدد الموظفين نحو أربعة أضعاف فقط، الأمر الذي يؤكد أن الارتفاع كان يخصص إلى الدرجات العليا من رواتب ومخصصات وامتيازات".
لا مشاريع جديدة
وسط هذه الأجواء، أعلنت الحكومة العراقية عدم نيتها إدراج أي مشاريع استثمارية جديدة ضمن موازنة عام 2021 نظراً للظروف المالية التي تمر بها البلاد، وأكد المتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية، عبد الزهرة الهنداوي "عدم وجود مشاريع حكومية جديدة في الشق الاستثماري من الموازنة العامة لعام 2021"، مبيناً أنها "ستكتفي بإيجاد الحلول والمعالجات للمشاريع السابقة، خصوصاً مع وجود أكثر من ستة آلاف مشروع قيد التنفيذ، بعضها متوقف منذ الأزمة المالية السابقة عام 2015، والبعض الآخر بات مهدداً بالتوقف نتيجة الأزمة الحالية"، وأضاف "نتجه لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من تلك المشاريع، تحديداً ذات نسب الإنجاز العالية، والمشاريع ذات البعد الخدمي فضلاً عن مشاريع إستراتيجية كمشروع ميناء الفاو".
وكشف الهنداوي عن أن المناقشات الأولية "تضمنت تخصيصاً مالياً لميناء الفاو ليستمر العمل به، فضلاً عن تخصيص مالي لمشروع القطار المعلق في بغداد لبدء العمل به"، مشيراً إلى أن "الإشكالية أمام تلك المشاريع تتلخص في عملية التمويل، وفي انتظار إقرار الموازنة التي ربما تغير كثيراً من الأرقام والمعطيات".
ويستمر الجدل بشأن مشروع الموازنة العامة للبلاد، في انتظار أن تفصح الحكومة عن حجم تقديرات الإنفاق في العام المقبل، وكيفيات معالجة أزمة التأخر في سداد رواتب الموظفين، والتي لا تبدو حلولها متوفرة سوى من خلال الاقتراض.