تُظهر الخلافات بين المتقاضين مفارقات وتفاصيل مثيرة أحياناً كثيرة، إلا أن القليل من تلك التفاصيل يتعلق بالملوك ورؤساء الدول والجهات والمؤسسات الدولية المرموقة.
لهذا لم يكن شيئاً متوقعاً بالنسبة إلى قضاة المحكمة العامة في مدينة جدة غرب السعودية، أن يترافع أمامهم أطراف دعوى يطالب كل منهم بحقه في ميراث له علاقة بملك مصر الراحل فاروق، قبل نحو 54 عاماً.
على الرغم من أن الخلافات في شأن تركة الملك المصري، ليست جديدة بالنسبة إلى القضاء المصري الذي اعتاد ورثة الراحل أن يترافعوا أمامه لأسباب شتى، فإن القضاء السعودي ظل بعيداً، قبل أن تستوقفه دعوى أقحم فيها "زمرد" الملك فاروق، من جانب مدعين كلهم سعوديون وليس بينهم مصري واحد.
بدأ الفصل السعودي من القصة عندما توفيت إحدى وجيهات مدينة جدة المعروفة بأناقتها.
وقد انشغل أقرباء الراحلة، وفق صك الحكم الذي حصلت "اندبندنت عربية" على نسخة منه، بالحزن ولم يلتفتوا إلى ميراثها وما تركته من أموال وحقائب ذهب وألماس ومجوهرات. والمفاجئ هو أنه بعد مضي وقت، مُنح أحد أقاربها من غير الورثة فرصة التصرف في خزائنها، وقد حاز ما يريده منها، اعتقاداً منه بأن عائلة المرحومة تعتبره أحق الناس بممتلكاتها الرمزية، كونه صديقها الأقرب.
"ربيب المرحومة" العنيد
هكذا اتجهت القضية في البداية، لكن التفاصيل تكشّفت شيئاً فشيئاً حتى اتضح أن المختفي من المجوهرات ليس بشيء يسهل غض الطرف عنه، وأن ذاك الصديق كان "ربيب المرحومة" مثل ولدها، وقد تكون أوصت له بشيء مما تركته، لكن الظروف أو الحجة لم تسعفه لإبداء أيٍ من ذلك أمام مطالبات الأقارب.
وادعت مجموعة من أقرباء الراحلة، وجاء في الادعاء أن "ربيبها استولى على 14 قطعة من المجوهرات التي كانت بحوزة المرحومة، وهي التي تحمل مواصفات يعرفها كل أقاربها، مثل ساعة من ذهب خالص على شكل غصن شجرة وطقم من الزمرد والألماس الأخضر اشتراها لها زوجها المرحوم من ورثة الملك فاروق".
وأشاروا إلى أن "المستولي على المجوهرات لا تربطه قرابة ميراث أو دم بالمرحومة، وإنما قامت بتربيته مثل ولدها، وأننا نحن (مجموعة نساء ورجل) ورثتها، وهذا مشهد حصر الورثة يثبت دعوانا، فنطالب القضاء بالحكم عليه جبراً باستعادة ما أخذ من ميراثنا الذي ليس له حق التصرف فيه".
آمال
استعادة زمرد الملك فاروق لا تبدو بالسهولة التي يتوقعها أولياء المرحومة، ذلك أنهم في حين انشغلوا بجمع الأدلة والشهود والمواصفات الدالة على صدق دعواهم، كان الربيب يغيب عن الجلسات ولم يحاول نقض ما ادعوه. ما دفع القاضي إلى الحكم عليه بإعادة ما أخذ. ولم يستأنف الحكم حتى مضت المدة التي اكتسب بعدها القطعية، وهي شهر من تاريخه.
ولم تفلح محاولات الأقارب في إقناع المستحوذ على تنفيذ أوامر القضاء طوعاً، إلا بعدما لجأوا إلى محكمة التنفيذ في جدة، التي أصدرت أوامرها بإجبار الرجل على تسليم المتعلقات إلى ورثة المرحومة خلال خمسة أيام، وإلا اتخذت المحكمة ضده الإجراءات القانونية في حق المماطلين. فلم يجد بداً من تسليم قطع المجوهرات الـ14 بما فيها الزمرد، بعد أن قطع عليه القضاء السعودي كل آمال الاحتفاظ بها.
قضاء مستقل
وقال مصدر فضائي، لـ"اندبندنت عربية"، إذا ما كان القضاة السعوديون نظروا في وقت سابق في قضايا مشابهة لها علاقة بملوك أو رؤساء دول وورثتهم، إن "القضاء السعودي مستقل، ويستقبل القضايا كلها".
أضاف "يتعامل القاضي مع الدعاوى تلقائياً وبمهنية وفق آليات النظر وقواعده التي قررها المشرع في نظام المرافعات الشرعية، والإجراءات الجزائية وغيرها من أنظمة المملكة المتعلقة بالشأن القضائي، وتوفر للأطراف كلها المدعين والمدعى عليهم الضمانات نفسها، في حصولهم على حقوقهم، من دون النظر إلى طبقتهم الاجتماعية أو جنسيتهم. وبالنسبة إلى القضية المذكورة فإنها مثل أي خلاف بين الورثة التي يبت فيها القضاء يومياً".
كنوز ناقصة
يوجد في مدينة الإسكندرية المصرية متحف مخصص للمجوهرات الملكية، يضم آلاف القطع النادرة التي توثّق جوانب من الحقبة التاريخية، قبل ثورة يوليو 1952.
وبين مقتنيات المتحف الذي كان، قبل انقلاب يوليو 1952، قصراً لإحدى الأميرات، تاج الأميرة شويكار، زوجة الملك فؤاد الأول، وبعض مجوهرات الملكة فريدة زوجة الملك فاروق مثل التاج المصنوع من الذهب الأبيض، كما يضم العديد من التيجان والقلائد والأقراط التي تحمل توقيع كبرى علامات المجوهرات.
لكن كنوز المتحف ليست كل المقتنيات الملكية في ذلك العهد، إذ تحدثت تقارير عدة، عن فقد العديد من تلك الكنوز، إلا أن اللغز الأكبر كان في اختفاء قطع معروفة مثل التيجان والقلائد الخاصة بالملكة فريدة.
من يملكها؟
يضم متحف المجوهرات في الإسكندرية، وفق مديرته إلهام صلاح، "مقتنيات أسر 12 ملكاً تعاقبوا على حكم مصر، منذ محمد علي باشا في العام 1805م حتى الملك فاروق آخر ملوك مصر، وهو المتحف المصري الوحيد المخصص بمثل هذا النوع من الآثار".
وأكدت صلاح في حديث مع "اندبندنت عربية" أن إدارة الآثار المستردة في وزارة الآثار المصرية، تواصل جهودها لاستعادة أي أثر مصري تجده في أي مزاد، وتتابع المحاكمات التي تتعلق بهذا الصدد داخل مصر وخارجها، مرجحة أن تكون الإدارة أخذت علماً بالمجوهرات التي اختلف مواطنون سعوديون في شأن ميراثها قبل أن يحسم القضاء الموقف بإصدار حكمه في الواقعة.
ويسأل الباحث المصري في الآثار خالد عزب، في حديث مع "اندبندنت عربية"، هل لدى تلك الأسرة سندات حيازة تلك المجوهرات التي تزداد قيمتها مع الزمن، هذا إذا صحت الدعوى بأنها تعود لورثة الملك الراحل. ويذكر بأن قسماً كبيراً من المقتنيات الملكية من هذا النوع، بيع وأُهدي.