Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كورونا يترك ظلالا قاتمة على حياة الليبيين

تكبد الاقتصاد خسائر كبيرة في بلد أنهى لتوه عقداً كاملاً من الحروب التي تركته على شفير الهاوية

تواجه المستشفيات الليبية ضغوظاً متزايدة بسبب تفشي فيروس كورونا (اندبندنت عربية)

في بلد مثل ليبيا مزقته الحروب والصراعات لسنوات، كانت تداعيات جائحة كورونا أشد إيلاماً وتأثيراً على جميع المستويات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية، وضاعفت حجم المعاناة اليومية لشعب يعاني أصلاً أزمات معيشية خانقة. 

وما زاد حجم الآثار التي خلفها الفيروس الفتاك في البلاد، ضعف الاستعدادات الطبية للمستشفيات الليبية والكوادر الصحية العاملة فيها، والتخبط في الخطط الاقتصادية التي وضعت لمجابهة الوباء الذي أعجز بلداناً متقدمة باقتصادات ضخمة وظروف طبيعية، فما تراه فعل ببلد على حافة الانهيار، أنهى لتوه عقداً كاملاً من الحروب التي تركته على شفير الهاوية؟ 

إحصائيات تنقصها الدقة 

سجلت أولى الإصابات بفيروس كورونا في ليبيا في 24 مارس (آذار) الماضي، ليصل إجمالي عددها حتى النصف الأول من ديسمبر (كانون الأول) إلى نحو 76 ألف إصابة، حسب الإحصاءات الصادرة عن المركز الوطني لمكافحة الأمراض.

وتبين آخر الإحصاءات الصادرة عن المركز، أن الحالات النشطة حالياً تبلغ 28285 حالة، في حين شفي 46127 مصاباً، وتوفي 1053 آخرين. 

ورأت مساعدة رئيس قسم التحاليل في مركز بنغازي الطبي، زهرة أقديش، أن "الأرقام الحقيقية لعدد الإصابات والوفيات، وحتى حالات التعافي من فيروس كورونا، أكبر بكثير مما هو مذكور في بيانات المركز الوطني لمكافحة الأمراض". 

وأوضحت أن "كثيراً من الحالات أصيبت وشفيت من دون القيام بالتحليل الخاص بتشخيص الإصابة بكورونا، كما أن كثيراً من الوفيات وقعت بسبب الفيروس، ولم يتم تشخيصها، أو بسبب المضاعفات التي يعانيها المصاب بكورونا نتيجة عدم تلقي العلاج بطريقة صحيحة، أو حتى عدم استكمال فترة العلاج اللازمة في أحيان أخرى". 

وأشارت أقديش إلى أن "تذبذب مستوى الرعاية الصحية والخدمات الطبية والإمكانيات المتوفرة في المستشفيات، تجعل من المستحيل مواجهة جائحة بهذا الحجم، مهماً وضعت الخطط ورفعت حالة التأهب، فالتقصير واقع لا محالة في مثل هذه الظروف، وتبقى النجاة من غزو الفيروس لجسم المريض مرتبطة في أغلب الأحيان بمستوى المناعة لديه، والحظ في أحيان أخرى". 

آثار كارثية في الاقتصاد

تركت جائحة كورونا بصمات سيئة في الاقتصاد الليبي، المتعثر أصلاً بسبب الصراعات السياسية والعسكرية التي امتدت لسنوات، وما خلفته من انقسام للمؤسسات الاقتصادية السيادية، مثل المصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط، فضلاً عن تأثر اقتصاد الدولة الريعي بالإقفال الطويل لحقول النفط، الذي استمر لأكثر من نصف عام 2020. 

وبحسب تقرير مفصل أعدته وزارة الاقتصاد بحكومة الوفاق، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عن آثار الوباء، فرض هذا الأخير أعباءً ضخمة على الميزانية العامة التي تعاني عجزاً في الأساس. وذكر التقرير أن "ميزانية ليبيا لسنة 2020 كانت تقشفية جراء توقف عائدات النفط، ولمواجهة الوباء أضيفت 5 مليارات دينار ليبي تقريباً (نحو 3.5 مليار دولار) إلى الميزانية، لتصبح فعلياً 43 مليار دينار". 

وقالت وزارة الاقتصاد إنه "حتى بعد استقرار الوضع نسبياً في ليبيا، واقترابها من استعادة مستويات إنتاجها النفطي السابقة، وبدء ضخ السيولة في خزينتها، التي شحت إلى درجة كبيرة في الأعوام الماضية، فإن اقتصادها لن يتعافى بسرعة نتيجة انخفاض سعر النفط الخام، مع احتياج البلاد لميزانيات ضخمة ليتعافى الاقتصاد من حالة شبه الشلل التام التي يمر بها، بسبب سنوات الحرب وتداعيات الجائحة الصحية". 

وأوضح التقرير أن "تأثير كورونا وصل إلى البحث عن العمل، كما أنه سيضر بالأمن الوظيفي في القطاع الخاص بشكل غير متوقع ولمدة قد تطول، بسبب ضعف القطاع الخاص وغياب دعم الدولة له". وطالب "الحكومة بتخفيف الآثار المالية والاقتصادية لانتشار الفيروس في القطاع الخاص، وحمايته ومساندته وموظفيه عبر وضع خطط عاجلة لدعمه". 

ضربات موجعة للاستثمارات الخارجية

وفي السياق ذاته، أظهر تقرير وزارة الاقتصاد حجم الضربات القوية التي وجهتها جائحة كورونا لصندوق الاستثمار الخارجي الليبي، أحد أهم روافد اقتصاد البلاد وخزينتها العامة، إذ أشار إلى أنه "من المتوقع أن تنخفض معدلات النمو في منطقة اليورو بنسبة 9‎ في المئة، بسبب الركود الاقتصاد العالمي الكبير، كما أن أسواق الأسهم شهدت تراجعاً كبيراً بلغ 36‎ في المئة‎، في حين وصلت أسواق السندات إلى مستويات متدنية، لم تشهدها منذ عام 2012". 

وأضاف "صناديق الاستثمار العقاري فقدت أيضاً ما بين 26 ‎و57 في المئة من قيمتها، منذ بداية 2020، وتعد شركات التعدين والذهب والأدوية والاتصالات، الأقل تأثراً بنحو 2 في المئة، منذ بداية أزمة كورونا". 

ونتيجة لهذه الأوضاع، انخفضت قيمة محفظة الأسهم المملوكة بشكل مباشر لمؤسسة الاستثمار، بنسبة تقارب 26 ‎في المئة منذ بداية تفشي الوباء، لأن نحو 99‎ في المئة‎ من هذه الاستثمارات تقع في أوروبا وأميركا، وهي من المناطق الأكثر تأثراً بتفشي الفيروس. 

وبين التقرير أن "بند العقارات والفنادق أكثر تأثراً بأزمة كورونا بنسبة 73‎ في المئة، يليه قطاع النفط والغاز الذي تأثر بنسبة 15 ‎في المئة"، مشيراً إلى أن "الوضع الحالي بات يتطلب إعادة صياغة استراتيجية مؤسسة الاستثمار، لحماية أصولها واستثماراتها". 

وكشف التقرير عن أن "الأسهم المملوكة مباشرة لمؤسسة الاستثمار تبلغ 16 مليار دولار، وشهدت انكماشاً حاداً، في حين أن الأصول النقدية والودائع لدى أكثر من 40 مصرفاً، تبلغ 23 مليار دولار، وتضررت بانخفاض أسعار الفائدة على الودائع، كما تضررت محفظة الأعمال والعقارات، بسبب انخفاض الأسعار، نتيجة قيود السفر وتدابير الحجر الصحي".

 

تفاقم المعاناة الإنسانية

تبقى أكثر الآثار إيلاماً لفيروس كورونا في ليبيا، هي تلك التي خلفها على الأوضاع المعيشية والإنسانية في البلاد، التي تعرف تردياً غير مسبوق بسبب الأوضاع السياسية والأمنية. 

وقال الأخصائي الاجتماعي أسامة العمروني، إنه "إلى جانب الآثار النفسية التي خلفتها الجائحة على شعوب الأرض كافة، فقد تركت آثاراً أكثر قساوة في ليبيا، وأثقلت كاهل أهلها بأعباء لا تطاق على المستوى المعيشي والإنساني". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف "بسبب الحالة الاقتصادية للبلاد، المتمثلة في انقطاع المرتبات وشح السيولة النقدية في المصارف، وانخفاض قيمة الدينار وما يتبعه من غلاء للأسعار، فإن كثيرين من أرباب الأسر الليبية لجأوا إلى البحث عن مصادر دخل بديلة في القطاع الخاص، لسد حاجاتهم". 

وتابع العمروني "مع الإغلاق والهزة الاقتصادية التي تسببت بها الجائحة، انقطعت مصادر الدخل البديلة، في حين ازدادت المطالب الأسرية مع الحاجة إلى المواد الطبية ومواد التنظيف والتعقيم التي ارتفعت أسعارها، ما تسبب بمصاعب معيشية جمة لأسر ليبية كثيرة، في ظل ضعف الدعم الحكومي والخارجي، الذي كانت للجائحة يد فيه أيضاً". 

وأشار الأخصائي الاجتماعي إلى أزمات أخرى جانبية خلفها الوباء على حياة الليبيين، فقد "أدى إقفال حركة السفر والملاحة الجوية إلى أوضاع صحية خطيرة في ليبيا، لاعتماد سكانها على علاج الحالات الطبية الحرجة خارج البلاد بسبب ضعف مستويات الخدمات الطبية فيها، فضلاً عن تعرضها لضغوط مضاعفة مع ظهور الفيروس، ما تسبب بحالات وفاة عدة نتيجة عدم تلقي الرعاية الصحية اللازمة للحالات الحرجة".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي