كما كان متوقعاً، وافق مجلس الوزراء اللبناني على إطلاق دورة التراخيص الثانية لاستكشاف النفط والغاز في مياهه الإقليمية. لكن ما هو غير متوقع عدد البلوكات التي طُرحت للمزايدة وبلغ عددها خمسة في حين لُزّم في دورة التراخيص الاولى بلوكان فقط. الملف قد يكون الوحيد الذي يحظى بإجماع كل القوى السياسية المتمثلة في الحكومة. وقد يعوّل لبنان على قطاعه النفطي كأحد القطاعات المستقبلية الواعدة لانتشال القطاع المالي من دينه الضخم... ولكن تلزيم نصف المساحة المخصصة للاستكشافات دفعة واحدة يطرح علامة استفهام؟
وزارة الطاقة
وزيرة الطاقة والمياه ندى بستاني أعلنت إطلاق دورة التراخيص الثانية في المياه البحرية اللبنانية بعدما وافق عليها مجلس الوزراء، والتزام وزارة الطاقة قواعد الشفافية خلال إجراءات ومسار دورة التراخيص الثانية، وعرض البلوكات 8,5,1,2 و10 للمزايدة وفقاً لإجراءات محدّثة وضعتها الوزارة والهيئة. والهدف تكثيف الاستكشاف في المياه البحرية اللبنانية، وزيادة عنصر التنافس بين الشركات.
لبنان بلد نفطي
اكتشاف الغاز أولاً والنفط سيغير حتماً مسار لبنان من بلد مديون الى بلد نفطي، فمعدّل الحفريات في العمق سيتم بين ثلاثة وخمسة آلاف متر، والكميات المؤكدة 25 تريليون قدم مكعب توازي 300 مليار دولار.
في ما يتصل بتقسيم البلوكات يبدو واضحاً تلزيم المناطق الشمالية المحاذية لسوريا والمناطق الجنوبية المتاخمة للمياه الإسرائيلية. فلبنان يسعى للحفاظ على مسار الاستكشافات في منطقة باشرت الحفر والانتاج وتبحث سبل التصدير.
المساحات المطروحة للاستكشاف في الجنوب والشمال
من الأساسيات، بحسب وسام الذهبي رئيس وحدة الشؤون الاقتصادية والمالية في هيئة قطاع النفط والغاز، الحفاظ على موارد لبنان البترولية في منطقته الاقتصادية الخالصة والحفاظ على الحدود البحرية، لذلك تأتي معظم المساحات المطروحة للاستكشاف في الجنوب والشمال. كما تسعى الهيئة الى تسريع وتيرة الاستثمارات في البنى التحتية للغاز وهي ضخمة.
فبعد مرحلة الاستكشاف تبدأ مرحلة التطوير التي تطلب بنية تحتية يحتاجها لبنان بشدة، فليس للبنان أنبوب غاز يربط ساحله، لتوزيع الغاز على منشآت النفط والخط الواحد، القائم بحسب الذهبي، هو أنبوب يربط منشآت النفط في طرابلس بالحدود السورية ويمتد نحو 32 كيلومتراً. ويتطلع لبنان إلى استهلاك الغاز داخلياً بغية إنتاج الكهرباء، وهذا ما يخفض التكلفة 80 في المئة وتالياً بناء خط غاز على طول الساحل اللبناني. ومن الخطط المستقبلية أيضاً تصدير الغاز شمالاً وصولاً الى تركيا وجنوباً الى الأردن.
تداخل الحدود جنوباً وشمالاً
يتنازع لبنان مع إسرائيل على 860 كيلومتراً مربعاً، تدعي إسرائيل ملكيتها، وهي بحسب لبنان ضمن مجمل مساحة منطقته الاقتصادية الخالصة، والتي تصل الى 22 ألف كيلومتر مربع، بعضها يقع ضمن البلوك التاسع الذي لُزّم الى اتحاد ثلاث شركات، تضم توتال الفرنسية وايني الايطالية ونوفاتيك الروسية. أما القسم الأكبر من المنطقة المتنازع عليها فيقع ضمن البلوك الثامن المتوقع تلزيمه ضمن دورة التراخيص الثانية.
الجانب الإسرائيلي بدأ الحفر
وكان الجانب الإسرائيلي قد بدأ في الشهر الماضي الحفر في بئر كاريش، التي تبعد أربعة كيلومترات عن المنطقة المتنازع عليها، وهذا ما اثار مخاوف الجانب اللبناني من إمكان سرقة ثروات لبنان الغازية والنفطية.
في هذا الإطار، سيحاول لبنان إقناع قبرص بإعادة التفاوض على اتفاق بشأن الحدود المائية وُقّع في العام 2006 وألحق ضرراً بلبنان. وكان لبنان أرسل الخرائط والمستندات المطلوبة الى الأمم المتحدة لترسيم حدوده في المنطقة الاقتصادية الخالصة، خصوصاً أنّ إسرائيل عرضت على الأمم المتحدة كذلك ما تعتبره حصّتها في المنطقة البحرية.
إلاّ أنّ لبنان، على عكس إسرائيل، موقّع على قانون البحار الصادر عن الأمم المتحدة في العام 1982، وينصّ على ترسيم الحدود البحرية بين الدول في حالات النزاع، وهذا ما يجعل موقفه أقوى لدى الأمم المتحدة. ويُترك القرار، بحسب المعلومات، لمحكّمين، وتدّعي إسرائيل أنّها لم توقّع على هذا القانون لتخوّفها من وجود محكّمين منحازين.
لا ترسيم واضحاً للحدود مع سوريا
كما في الجنوب كذلك في الشمال حيث لا ترسيم واضحاً للحدود مع سوريا وتصل المنطقة غير المحدّدة ملكيتها الى 880 كلم مربع أي أنها تتخطى بمساحتها المنطقة المتنازع عليها مع إسرائيل. وفي السياق عينه، يبرز أيضاً عدم توقيع سوريا على قانون البحار الصادر عن الأمم المتحدة وتالياً عدم إمكان لبنان الاحتكام الى الأمم المتحدة. ولعل طرح تلزيم البلوكين الأول والخامس سيعيد فتح الملف على مصراعيه.
علماً أن دورة التراخيص الثانية التي أُطلقت في أبريل (نيسان) ستستمر بقبول العروض حتى نهاية يناير (كانون الثاني) 2020 ثم تبدأ مرحلة التقويم فالتلزيم. وهي تختلف عن دورة التراخيص الأولى إذ لن يكون هنالك تأهيل مسبق للشركات التي ستُعطى مهلة أسبوعين لاستكمال ملفاتها، بعد إقفال باب استقبال العروض لترسو العقود على الأفضل تقنياً ومالياً في مارس (آذار) 2020.