لسنوات طويلة ظل الدولار الأميركي متسيداً عملات العالم من حيث القوة والانتشار، بخاصة أن جميع دول العالم تعتمد عليه كاحتياطي نقد أجنبي داخل البنوك المركزية. لكن خلال فترة رئاسة دونالد ترمب للولايات المتحدة الأميركية، شهدت تصريحات كثيرة حول ضرورة إضعاف الدولار الأميركي حتى تتعزز صادرات البلاد، سواء في آسيا أو داخل الاتحاد الأوروبي.
وخلال الفترة الماضية، ومع اكتساب سوق العملات الرقمية مزيداً من الزخم، خصوصاً مع المكاسب الصاروخية التي حققتها العملات المشفرة خلال أزمة جائحة كورونا، وتلاشي فكرة الأصول والملاذات الآمنة التي كان يهرع إليها المستثمرون وقت الأزمات، فإن عرش الدولار الأميركي القوي أصبح مهدداً بالفعل، بخاصة مع اتجاه العالم إلى إصدار عملات رقمية، وامتداد الأمر إلى بعض الشركات العملاقة التي تعتزم بالفعل إطلاق عملة رقمية مشفرة خلال الربع الأول من العام المقبل.
ووفق الأكاديمي المتخصص بالاقتصاد عماد كمال، فإن محاولات كسر شوكة الدولار بدأت قبل سنوات، وهناك بالفعل حكومات مثل فنزويلا سبق أن أطلقت عملة رقمية مضمونة بأصول حكومية، كما أن هناك بعض الدول بدأت تعتمد سياسة تبادل العملات، في إطار الهروب من استمرار الاعتماد على الدولار الأميركي.
مساع صينية لكسر هيمنة الدولار الأميركي
وقبل أيام، أعلنت الصين، المنافس الاقتصادي القوي للولايات المتحدة الأميركية، مساعيها لكسر قبضة وهيمنة الدولار الأميركي واكتساب مزيد من السيطرة على كيفية إنفاق الناس لأموالهم، من خلال عملة وطنية رقمية. وفي وقت سابق من العام طرحت نسخة رقمية من الـ"يوان"، ويوجد حالياً برامج تجريبية في 4 مدن صينية، وبلغ حجم التعاملات المسجلة بها نحو 300 مليون دولار.
وحسب كمال، فإن من شأن هذه الخطوة أن تقلل اعتماد الدولار كعملة داخل الصين، كما اعتمدت الصين خلال الفترة الماضية سياسة تبادل العملات في صادراتها مع بعض الدول، وهذه الخطوات بالفعل تسحب البساط من تحت أقدام الورقة الأميركية الخضراء.
وقبل الصين، كانت فنزويلا أعلنت إطلاق عملة رقمية في إطار مواجهتها للعقوبات الأميركية، ما أكسب عملتها قوة أمام الدولار أو العملات الرقمية الأخرى، فهي مضمونة بأصول حكومية ثابتة.
وبداية العام الحالي، أعلن بنك إنجلترا المركزي والبنك المركزي الأوروبي، أن بنوكاً مركزية رئيسة ستبحث معاً إمكانية إصدار عملات رقمية خاصة بها وسط حديث متصاعد عن مستقبل المال ومن سيتحكم فيه. وأشارت إلى أن البنوك المركزية لبريطانيا ومنطقة اليورو واليابان والسويد وسويسرا ستتبادل خبراتها في إطار مجموعة جديدة يرأسها بينوا كوير، وهو مسؤول سابق في البنك المركزي الأوروبي، بالتعاون مع بنك التسويات الدولية.
ماذا تعرف عن الـ"يوان" الرقمي؟
وصفت الصين الـ"يوان" الرقمي بأنه عملة مستقبلية من شأنها أن تجعل شراء الأشياء أكثر ملاءمة وأماناً. كما يقول المسؤولون إن ذلك يمكن أن يساعد أولئك الذين لا يستطيعون الوصول إلى الحسابات المصرفية وغيرها من الخدمات المالية التقليدية.
ووفق ما ذكرته شبكة "سي إن إن" الأميركية، فإن الـ"يوان" الرقمي سيعطي الصين كمية غير مسبوقة من المعلومات حول كيف وأين ينفق الناس أموالهم، وهو نهج يتعارض مع القصد الأصلي من العملات الرقمية، حيث تعتمد بيتكوين والعملات الرقمية الأخرى على نظام بلوكشين لامركزي يمنع أي شخص أو منظمة واحدة من السيطرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار المنظمون الصينيون إلى أن تبني اليوان الرقمي على نطاق واسع، قد يساعدهم على تحقيق خطة أعظم بكثير تتمثل في كسر احتكار الدولار الأميركي وزيادة تأثير اليوان في الساحة الدولية. ففي الشهر الماضي فقط، على سبيل المثال، كشفت زعيمة هونغ كونغ كاري لام، أن العقوبات الأميركية منعتها من امتلاك حساب مصرفي.
ومن شأن الـ"يوان" الرقمي، الذي يمكن تتبعه بسهولة أكبر، أن يسمح للحكومة بإدارة المعروض النقدي في البلاد بشكل أفضل. كما أنه يرضي رغبة بكين في الحد من النفوذ المتزايد لشركات التكنولوجيا الخاصة، وخدمات الدفع الرقمية الخاصة بها على النظام المالي في البلاد. وتعد بكين من أوائل الدول التي خططت لطرح عملة وطنية إلكترونية منذ 2014، وبدأت أخيراً بتجربة استخدام "اليوان الرقمي" في مناطق عدة فيها كوسيلة دفع إلكترونية.
السويد تعتزم إطلاق عملة رقمية
أعلنت السويد، أمس، أنها تعتزم النظر في إمكانية تحويل عملتها الوطنية إلى عملة رقمية بحلول عام 2022. ووفق وكالة بلومبيرغ، فإنها اعتمدت في تقريرها على تصريحات وزير الأسواق المالية وحقوق المستهلك السويدي بير بولوند، الذي قال إن بلاده سوف تستكشف المراجعة جدوى نقل البنية التحتية للمدفوعات في البلاد إلى عملة رقمية.
وقال بولوند، إن الحكومة تتوقع استكمال مراجعة العملة الرقمية بحلول نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، وستقود المبادرة آنا كينبيرج باترا، الرئيسة السابقة في اللجنة المالية للبنك المركزى السويدى (ريكسبانك).
والشهر الماضي، ذكرت الإذاعة السويدية تعليقا على تقرير البنك المركزي، أن أقل من 10 في المئة من جميع المدفوعات تتم بأموال حقيقية في السويد. وأشار البنك المركزي إلى أن السويد تحتل المرتبة الأولى في العالم من حيث معدل السحب من النقد، وفي التداول، يمثل النقد 1 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.