ما إن أنهت الفلسطينية أسيل سعيد (26 سنة) دراستها في الولايات المتحدة الأميركية، متخصصة في علم الصحة والتغذية في العام 2014، حتى باشرت على الفور بالتدرب على رياضة الكروسفت داخل أحد الأندية الأميركية، حيث تلقى هذه الرياضة إقبالاً كبيراً وتعتمد على حركات من رياضات مختلفة، مثل الجمباز ورفع الأثقال.
فلاعبة الجمباز الأميركية غريغ غلاسمان أسّست رياضة الكروسفت في شكلٍ رسمي في سياتل في العام 2000، قبل أن تبدأ بالانتشار في أنحاء العالم حتى فاق عدد الأندية اليوم 13.000 ناد.
حلم أسيل
وكان حلم أسيل، تأسيس ناد خاص بها، وأبقت هذا الحلم حبيس مخيلتها، حتى عادت إلى فلسطين في العام 2016 متسلحة بخبرة مكَّنتها من افتتاح ناديها الخاص وتخريج دفعات فلسطينية متميزة تنافس على المستوى العالمي.
خاضت سعيد مبارتين دوليتين بالكروسفت، في ولايتَي واشنطن وميرلاند الأميركيتين، وأكملت شغفها بدراسة الماجستير في بريطانيا باختصاص التطوير الرياضي والعلاقات الرياضية الدولية، لتكون بذلك الفلسطينية الأولى التي تحمل شهادة في تخصص رياضي عال المستوى. ولم تكترث أسيل للتعليقات السخيفة والسطحية في محيطها المتسائل دوماً "بدك تعملي ماسترز بالرياضة؟ شو بدك بالخراف الفاضي"! وعلى الرغم من كثرة التعليقات، أصرّت على البدء بمشوراها الرياضي، وتغيير أفكار المجتمع الفلسطيني بالنسبة إلى رياضة النساء، والطريقة التي ترى بها المرأة جسدها.
الرياضة أعمق بكثير
تقول أسيل "حاشرين حالنا بفلسطين بأنو الرياضة هي عضلات، والفتيات لا يحملن الوزن إلا أبو 2 كيلو، وأكبر همنا وزن الجسم يزيد أم ينقص"، وتضيف "الرياضة أعمق بكثير، وأنا هنا لأخلق تجريد للواقع الموجود بفلسطين، ودراستي للعلاقات الدولية في الرياضة قربتني جداً من فكرة استعمالها في نضالنا الفلسطيني، فأنا عندما أرسل الفتيات والشبان إلى التحديات العربية والدولية يحملون العلم الفلسطيني والهوية الفلسطينية، وهذا ما أعتبره إنجازاً كبيراً لتمثيل قضيتي خارج السياسة".
وتؤكد سعيد "في البداية لم يكن الإقبال كبيراً على رياضة الكروسفت، ولم يتخطَ عددنا 7 مشتركين، لكن اليوم، وبعد عامين، هناك أكثر من 70 مشتركاً، وأنا أتوقَّع أن الفتاة الفلسطينية ستحظى قريباً بفرصة جيدة لتحتل المراكز الأولى على المستويات المحلية والعربية والدولية".
هديل، ورغدة، وتالين، وغيرهنّ من الفتيات الفلسطينيات، راقت لهنّ فكرة أسيل بتدريب فريق فلسطيني نسوي، فبدأنَ بخوض غمار التجربة الجديدة، ومن هنا بدأ التغيير الجذري في حياتهنّ.
من الألم إلى الأمل
تالين أبو غزالة ابنة السادسة والعشرين من رام الله، أجرت عملية جراحية تسمى الرباط الصليبي في العام 2015، هي إحدى فتيات الكروسفت الفلسطينيات اللواتي أثبتنَ أن الصلابة والقوة لا تخدشان الأنوثة. فهي مدرِّبة كروسفت منذ عامين، واستطاعت تدريب فتيات كثيرات، على حماية أجسادهنّ من هشاشة العظام، وآلام الظهر والركبة. كما أنها تحفزهنّ في شكل دائم على أهمية رفع الوزن في شكل صحيح لما فيه من فائدة لحرق دهون الجسم.
تقول تالين "الطبيب بعد العملية طلب مني أن أرتاح فترة طويلة، خصوصاً أنني كنت لاعبة كرة سلة، وعضواً في المنتخب الفلسطيني النسوي لكرة القدم، وحرماني من الرياضة يعني أن أتحطّم نفسياً وجسدياً. أبلغني آنذاك أن الحركات الصعبة والقاسية قد تتسبب بتهتك حادٍ في ركبتي المصابة، وقد أُحرم من السير الطبيعي طوال حياتي".
"لم أتقبل الأمر بتاتاً وكنت مؤمنة أن الرياضة الصحيحة والسليمة ستعالجني من أوجاعي الجسدية والنفسية، فبدأت برياضة الكروسفت في شكل خفيف مدة عام كامل وفي شكل متقطع، وشعرت بارتياح كبير في ركبتي المصابة، ومن ثم قررت بجدية أن أخضع للاختبار الدولي للكروسفت أمام محكّمين عالميين، لأصبح مدربة في هذه الرياضة التي امتلكت جسدي وقلبي".
أين العضلات؟
وتضيف المدربة تالين "أغلب الناس لا يعرفون من هو مدرّب الكروسفت وكيفية تدريبه؟ وما هي النتائج المتوقعة منه؟ ويضعونه في مقارنة مخطئة مع كمال الأجسام. رياضة الكروسفت تستهدف كل جوانب اللياقة، بتدريب الجسم على أنواع متعددة من الرياضات الحركية أهمها الكارديو أو السويدي ورفع الأثقال والجمباز، بعكس رياضة كمال الأجسام ورفع الأثقال، اللتين تستهدفان بناء العضلات والشكل فقط".
وتسهب تالين "عندما يبدأ الشخص العادي بممارسة الكروسفت يلحظ بناء بعض العضلات، ويشعر فعلياً بحرق الدهون، وسيخفّ وزنه، ومن الممكن أن تكون لاعبة الكروسفت أقوى بكثير من لاعب كمال الأجسام "أبو عضلات"!
عائلة رياضية
رغدة غنام التي تحضر مع زوجها وابنتيها الصغيرتين إلى النادي تقول "ما إن بدأت بممارسة الكروسفت لم أستطع التوقف، فهي منحتني الشعور بالقوة والثقة، وهنا أشعر وكأنني داخل مجتمع صغير يجتمع الناس فيه من أجل تحسين حياة بعضهم بعضاً وهو ما ملأني بالدعم والإلهام. في البداية شعرت بأنني لست مستعدة للكروسفت بما فيه الكفاية، فهي رياضة تستوجب حركاتٍ متنوّعة وكثيفة، مثَّلت عندي تحدياً كبيراً، لكن سرعان ما تبدد شعوري بالضعف، وتحوّل بصحبة بقية الفتيات اللواتي يمارسنَ الكروسفت شغفاً حقيقياً، أطمح من خلاله إلى بناء جسد صحي، وأجمل ما في هذه الرياضة هو المرح والتنافسية والعمل الجماعي، ناهيك عن أنها تجمع كل الرياضات".
"زوج رغدة كان سبقها إلى الكروسفت، لكن وجود طفلتيها قيّدها فغامرت بإحضارهما إلى النادي، حيث تفاجأت باندماجهما في رياضة الملاكمة فقامت بتسجيلهما لتصبح العائلة عائلة رياضية بامتياز". ويشارك فريق أسيل في المسابقة المفتوحة من رام الله، فنظام المسابقة يقوم على نشر مؤسسة "كروسفت العالمية" تمارين على موقعها الإلكتروني، ويتوجب على اللاعبين تنفيذها وفق معايير محددة، وتوثّيقها بالصور والفيديو، وفي حال استطاع اللاعب تحقيق علامة عالية، تطلب المؤسسة منه إرسال فيديوات وصور كدليلٍ على نجاحه.