وضع الرئيس الأميركي دونالد ترمب علاقات بلاده مع الجزائر أمام مستقبل مجهول، بعد أن ألهب منطقة شمال أفريقيا بقرار الاعتراف بمغربية الصحراء الغربية مقابل اتفاقية السلام مع إسرائيل، وفي أول تعليق رسمي قال الوزير الجزائري عبد العزيز جراد "دائماً كنا نقول للمواطنين إن هناك عمليات أجنبية تريد ضرب استقرار البلاد، وها هي الدلائل، اليوم نرى على حدودنا وفي الفضاء المغاربي والأفريقي الدائر حول الجزائر، عدم استقرار وحروب".
وشدد الوزير على ضرورة تكاتف جهود الجزائريين لحل المشاكل الداخلية، داعياً المواطنين والمواطنات والطبقة السياسية والنخبة الثقافية إلى أن تعمل جاهدة على استقرار الوطن، مشدداً على أنه "يجب أن نحل مشاكلنا الداخلية بيننا لإيجاد أحسن طريق للخروج من هذه الأزمة ومحاولات استهداف الوطن".
تقديم تنازلات
يستبعد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عبد الوهاب حفيان، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن "تتأثر العلاقات الجزائرية - الأميركية بقرار ترمب الذي يتعامل ببراغماتية مقيتة، ولا يهمه بناء علاقات شراكة، بقدر إملاء رغباته وتبني نظرة الاستعمال بدل التعاون، مضيفاً أن الإدارة الجديدة ستجد كثيراً من الألغام والأشواك في طريقها، وتركة ثقيلة تستدعي من الجزائر تقديم تنازلات ممكنة لإسالة لعاب لوبيات واشنطن بما يخدم مصالحها".
ويواصل حفيان، أن العلاقات الأميركية - الجزائرية لن تكون محل اهتمام محوري في ملفات الإدارة المقبلة طالما بقيت الدبلوماسية الجزائرية صلبة وتسبح في فكر الثوابت، وقال إن العالم أصبح عبارة عن سوق تحركه الأموال والاستثمارات والمصالح، وولوج هذا الكم الهائل من العلاقات يتطلب تفعيل الدبلوماسية، و"هو ما عجزت دبلوماسيتنا عن التكيف معه".
وأوضح أن القرار لن يؤثر، وستستمر واشنطن في فعل ما تريد متى تريد، ودليل ذلك أن الخارجية لم تصدر بياناً حول قرار ترمب، وختم بأن الولايات المتحدة الأميركية تسعى لمزيد من اتفاقات السلام مع إسرائيل، وتعقيد صفو العلاقات أمام الديمقراطيين مستقبلاً، وتبقى قضية الاعتراف وتطبيقاته أيضاً مرهونة بتحركات جبهة البوليساريو، التي كانت باهتة ولا ترقى إلى درجة التأثير.
العلاقات الأميركية مع الجزائر في خطر
تكشف تصريحات جراد عن "المتاعب" التي خلفها قرار الرئيس دونالد ترمب على منطقة شمال أفريقيا، الأمر الذي جعل عدداً من المراقبين يصفون "الصفقة" بـ"لغم ترمب" الذي يهدد العلاقات الجزائرية - الأميركية بالانفجار في أي لحظة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت سارة يركس، عضو برنامج الشرق الأوسط التابع لـ"مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي"، إن قرار الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترمب، بتأييد سيادة المغرب على الصحراء الغربية، من المرجح أن يتسبب باحتكاك مع الجزائر، ويعرض علاقاتها بالولايات المتحدة للخطر، على الأقل حتى 20 يناير (كانون الثاني) 2021، حيث يؤدي الرئيس المنتخب جو بايدن اليمين الدستورية رئيساً لأميركا، مضيفة في حديثها لصحيفة "نيويورك تايمز"، أن قرار ترمب يعد في الوقت الراهن مجرد بيان يمكن لخليفته بايدن، أن يقول بسهولة بشأنه إن إدارته لا توافق عليه، وتؤيد تسوية تتفاوض عليها الأمم المتحدة.
إدارة بايدن ستلغي القرار
في الاتجاه نفسه، يرى عضو مجلس الأمة الجزائري عبد الوهاب بن زعيم، في تصريح لنا، أن قرار الرئيس ترمب لا يمكن تنفيذه لأن ملف الصحراء الغربية يخضع لقرارات أممية، مضيفاً أن العلاقات الأميركية - الجزائرية متزنة، وقال إن بلاده مع حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، و"هذا ما سنشرحه للإدارة الأميركية الجديدة، ومتأكد أنها ستتفهم حق الصحراويين"، موضحاً أنه معروف في قرارات من هذا النوع، أنه لا يمكن أن تتبنى مع نهاية عهد الرئيس ترمب، و"أعتقد أن إدارة بايدن ستلغي هذا القرار بحكم إيمانها بديمقراطيتها وترسيخ مبدأ الحرية وتقرير مصير الشعوب"، وختم بأنه "ننتظر تفسيرات وتوضيحات البيت الأبيض ووجهة نظر الإدارة الجديدة، وبعدها لكل حادث حديث".
رفض أممي وأميركي
وقال ستيفان دوغاريك، ممثل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إن موقف الأمم المتحدة في شأن القضية لم يتغير، ولا يمكن إيجاد حل للقضية إلا على أساس قرارات الأمم المتحدة، كما أكد رئيس لجنة الدفاع بمجلس الشيوخ الأميركي، جيمس إنهوف، أن موقف ترمب لن يغير من المركز القانوني للصحراء الغربية، وحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، مبرزاً أن موقفه أمر مثير للصدمة ومخيب للآمال للغاية، معرباً عن "حزنه إزاء إنكار الرئيس الأميركي المنتهية ولايته لحقوق شعب الصحراء الغربية"، كما أشار رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي إليوت إنغل، إلى أن "قرار ترمب يهدد جهود الدبلوماسية الدولية لحل النزاعات طويلة الأمد"، محذراً من أن "تجاوز السبل الشرعية المتعددة الأطراف لحل النزاعات ووضعها جانباً لن يؤدي إلا إلى تمكين دول من مواصلة تجاوز القواعد والأعراف الدولية ومكافأة أولئك الذين ينتهكون الحدود وحقوق الشعوب الحرة".
علاقات تضبطها قواعد الاحترام
يعتقد أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر حبيب بريك الله أن قرار ترمب لن يؤثر في العلاقات الجزائرية الأميركية لعدة معطيات أولها أن إدارة الرئيس بايدن لن توافق على هذه المغامرة غير المضمونة العواقب، موضحاً أن العلاقات الثنائية ستستمر بالوتيرة السابقة، التي تضبطها قواعد الاحترام المتبادل على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والدبلوماسية.
وأكدت واشنطن في سبتمبر (أيلول) الماضي بمناسبة الاحتفاء بالذكرى الـ225 للتوقيع على معاهدة السلام والصداقة بين الولايات المتحدة الأميركية والجزائر، أن العلاقة بين البلدين تتمتع بماض عريق، وترتكز على الاحترام المتبادل، وهي اليوم أقوى من أي وقت مضى، وقال بيان للسفارة الأميركية بالجزائر، إن العلاقات المتميزة بين البلدين شهدت عديداً من المحطات البارزة التي أسهمت في تعزيز أواصر الصداقة بين الشعبين، وأشارت إلى أن المادة الأولى من المعاهدة التي أبرمت بين البلدين نصت على "أن يعامل الشعبان بعضهما البعض بلياقة واحترام".