يقف التوتر الإيراني - الإسرائيلي- الأميركي في صدارة المشهد الشرق أوسطي، ويترقب العالم ما يمكن أن يقع في الأيام الفاصلة عشية انتقال السلطة في الولايات المتحدة، خصوصاً بعد اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة، المتهمة به إسرائيل، واقتراب موعد مرور سنة على مقتل قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني بصواريخ أميركية.
وإذ تبدو إيران مهادنة ومتخوفة من أي صدام مع واشنطن، فإنها في المقابل تطلق المزيد من التهديدات بالردّ على إسرائيل، وقد جاء اغتيال فخري زادة في وقته لصرف النظر قليلاً عن "الشيطان الأكبر" والتركيز على شقيقه الأصغر الدولة العبرية.
لقد قيل الكثير في تحليل الموقف الإيراني من الضغوط الأميركية التي تمارسها إدارة الرئيس دونالد ترمب في نهاية ولايتها. وأبرز النظريات هي تلك التي تتوقع جهداً إيرانياً لتجنّب المواجهة مع الولايات المتحدة لئلا يؤثر ذلك في احتمالات التفاوض بغية التوصل إلى اتفاق جديد مع الرئيس المقبل جو بايدن. غير أن الأمر لا يتعلق فقط بالرغبات الإيرانية، فالسؤال سيبقى مطروحاً إلى لحظة مغادرة ترمب البيت الأبيض عن احتمال شن ضربات أميركية ضد المواقع النووية، ولم تبخل الولايات المتحدة في تأكيد عزمها التصدي لأي استفزازات من طهران وعززت حضورها البحري حول إيران، وفي قواعدها العسكرية القريبة. وأرسلت مرتين قاذفاتها الاستراتيجية في جولتين على حدود بلاد فارس، انطلاقاً من قواعدها في الولايات المتحدة، لتأكيد مدى جاهزيتها واستعدادها.
وعلى عكس الخطاب "المهادن" الموجّه إلى أميركا حالياً، شهد خطابها الإسرائيلي ويشهد، تصعيداً ملموساً غير أنه كما في السنوات الأربعين الماضية منذ سيطرة الخميني على السلطة لم ينتقل إلى حيّز الفعل.
لقد أعلن أفيف كوخافي، رئيس الأركان الإسرائيلي الأسبوع الماضي أن قواته نفذت خلال عام 2020 قرابة 500 عملية ضد 500 هدف على جميع الجبهات. صحيح أنه لم يحدد عدد الهجمات التي طالت أهدافاً إيرانية، إلا أنه من المعروف أن مئات الهجمات شنّت على أهداف لها في سوريا والعراق وداخل طهران نفسها، وذهبت إسرائيل التي كانت تتحفظ عن إعلان مسؤوليتها عن مثل هذه الهجمات، إلى حد توزيع أشرطة فيديو لثماني غارات نفّذتها على مواقع إيرانية جنوب دمشق في الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. في المقابل، يمكن القول من دون تحفظ إن إيران أطلقت ما يزيد على 500 خطاب وتصريح ضد إسرائيل في الفترة ذاتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وزادت وتيرة هذه الخطابات بعد مصرع العالم النووي، وقبله اغتيال سليماني، وصولاً إلى الحديث عن ضربة فتّاكة للعدو الإسرائيلي، اقترحت صحيفة "كيهان" المقربة من المرشد أن تصيب حيفا، حيث مقر البهائيين الذين تطاردهم الجمهورية الخمينية، وحيث الحي العربي وادي النسناس الذي أصيب في قصف سابق بالصواريخ الإيرانية.
وفي الأيام الأخيرة، ازدادت وتيرة "القصف الكلامي" الإيراني ضد أميركا، خصوصاً ضد إسرائيل، فصحيفة "جافان" التابعة للحرس الثوري رأت أن العدو يمكن هزمه بضربة واحدة. وكشف سعيد جليلي، الأمين العام السابق لمجلس الأمن الإيراني أن بلاده أهدرت فرصة نصر حاسم قبل ثماني سنوات. واقترح غلام إسماعيلي، المتحدث باسم السلطة القضائية الإسلامية "القضاء على الولايات المتحدة وإسرائيل في ضربة واحدة.
سيتم ذلك بحسب التعبير الإيراني المكرر "في الوقت المناسب" مع أن وقت إزالة إسرائيل من الوجود لن يستغرق أكثر من سبع دقائق ونصف الدقيقة وفق مسؤولين مرموقين في نظام الملالي.
في الواقع لم تكتفِ إيران الخمينية بالردّ على العمليات الإسرائيلية بخطابات الردع الكلامي، بل ساعدت تل أبيب عملياً في توسيع حضورها عبر تقسيم وإضعاف المجتمعات العربية، ولم تزعجها يوماً، لكنها تمددت في المشرق العربي، مُثيرةً النزاعات الطائفية والمذهبية. دعمت ميليشياتها التابعة على حساب السلطات المركزية في العراق وسوريا ولبنان، ونظمت الانقلاب الحوثي في اليمن ودعمته في حربه على الدولة الشرعية، وحاولت أمراً مماثلاً في البحرين وفشلت، وحرّضت أبناء المذهب في كل دولة وجدوا فيها، وانتقت من بينهم جواسيس وعناصر تخريب من الأرجنتين وصولاً إلى تايلاند، واستعملت "منجزاتها" هذه أوراقاً في التفاوض على ضمان دورها المريب.
أدى كل ذلك إلى إضعاف العمل العربي المشترك وزاد في قدرات إسرائيل وفي تعاطف العالم معها أو صمته على خرقها القرارات الأممية، لقد تلقّت إيران 500 ضربة إسرائيلية، فوجّهت إلى المجتمعات العربية 500 طعنة تقسيمية بانتظار "الوقت المناسب" للردّ على الدولة "الغاشمة" وهو وقت لن يأتي على الأرجح قياساً على تجربة الأربعين حولاً الماضية.