تنهمك ساندي إمسيح (45 سنة) في مثل هذا الوقت من كل عام، بتحضير كعك العيد المحشو بنكهة الزنجبيل، المزين بأشكال بابا نويل "سانتا كلوز" ورجل الثلج وشجرة الحياة، استعداداً لعرضه في أسواق عيد الميلاد التي تشارك فيها منذ 13 عاماً، لكنها هذا العيد اكتفت بإعداده لأُسرتها الصغيرة وحسب، متوارية خلف ابتسامتها الصفراء التي تحمل حزناً كبيراً لما آلت إليه أحوالها الاقتصادية الصعبة، فحال الطوارئ والإغلاقات المتتالية، وتقييد الحركة بين المدن الفلسطينية التي أعلنتها السلطة الفلسطينية قبيل عيد الميلاد في الضفة الغربية، حرمت إمسيح كما غيرها من أصحاب المشاريع الصغيرة، فرصة المشاركة في أسواق عيد الميلاد لما تسببه من تجمهر أو تجمعات ممنوعة أصلاً.
عيد حزين
حال الشاب فادي بطرس لم يختلف كثيراً عن ساندي، فهو لن يرتدي هذا العيد زي "سانتا كلوز" للتجول بين الأطفال، وأخذ القبلات والعناق وإعطاء الهدايا، فحصيلة الإصابات بفيروس كورونا في الأراضي الفلسطينية ارتفعت لمستويات خطيرة حسب وزارة الصحة الفلسطينية، التي تخطت 1000 حالة وفاة، و120 ألف إصابة منذ بدء انتشار الجائحة في فلسطين بداية مارس (آذار) الماضي.
ويقول بطرس، "منذ 15 سنة وأنا أسعد الأطفال في عيد الميلاد بزي سانتا كلوز، إذ ينتظرون الهدايا والتقاط الصور التذكارية، لكن الخوف على اَلصغار وعائلاتهم من انتقال العدوى أصبح حاجزاً منيعاً أمام سانتا للقيام بمهمته الجميلة كما في كل عيد، وأصعب ما في الأمر أن الحزن يخيم على المسيحيين في الضفة الغربية لغياب المظاهر الاحتفالية الجماهيرية المعتادة كما كل عام، من إضاءة شجرة الميلاد، والمشاركة في التراتيل، والعروض الكشفية في الشوارع، التي دائماً ما تكون مصدر بهجة وسعادة لكل الفلسطينيين مسيحيين ومسلمين."
غياب أسواق الميلاد
النادي الأرثوذكسي في مدينة رام الله وبلدات فلسطينية أخرى، ذات الغالبية المسيحية في الضفة الغربية كالزبابدة وبيرزيت وعابود وبيت ساحور وبيت جالا وغيرها، كان قد ألغى أسواق عيد الميلاد أو ما يعرف (ببازار الميلاد) ليس خوفاً من التجمعات، بل لقلة المشترين والزوار هذا العام بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية، وقال سامي أبو غوش مدير النادي، "خلال أيام قليلة، كنا نستقبل أكثر من 10 آلاف زائر لسوق عيد الميلاد، للتبضع والشراء والاستمتاع بأجواء عيد الميلاد، وكانت الأسواق تدر دخلاً إضافياً للمشاركين فيها لما تتميز به سلعهم، لكن كورونا حطم أحلام كثيرين بدخل إضافي، وأحزن المواطنين الذين كانوا يترددون بكثرة لشراء الهدايا من تلك الأسواق، المليئة بألوان ورموز الميلاد."
مشاركة خجولة
وقد أضاءت مدينة بيت لحم (مهد السيد المسيح) شجرة عيد الميلاد السبت الماضي 12 ديسمبر (كانون الأول)، بحضور محدود من المسؤولين الفلسطينيين ورجال الدين والصحافيين، بسبب التدابير الوقائية المشددة التي فرضت لمواجهة كورونا، وأغلقت المحال التجارية المتخصصة ببيع المنحوتات الخشبية والتحف التذكارية في ساحة كنيسة المهد أبوابها، لشح المشترين وغياب السياح الأجانب بشكل قطعي، فأكثر من 70 في المئة من اقتصاد المدينة يعتمد على السياحة، سواء من ناحية الفنادق، أو النقل السياحي والتسوق والمطاعم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وزيرة شؤون السياحة والآثار رولا معايعة تقول، "قطاع السياحة في الأراضي الفلسطينية، تكبد خسائر بنحو مليار ونصف مليار دولار هذا العام بسبب أزمة كورونا، ونحتفل بإضاءة الشجرة في مهد السيد المسيح، بحضور خافت وخجول من دون حجاج أو سياح من دول العالم، لكن الأمل في قلوب الفلسطينيين ما زال موجوداً، حتى زوال هذه الأزمة، وعودة الفرح وبهجة الأعياد كما الأعوام السابقة، التي شهدت تسجيل أعداد قياسية للسياح في فلسطين، فاقت ثلاثة ملايين سائح خلال عام 2019".
خسائر فادحة
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فقد بلغ عدد العاملين في الأنشطة ذات العلاقة بالقطاع السياحي مع بداية عام 2020، نحو 33 ألف عامل، بنسبة 7.3 في المئة من إجمالي العاملين في فلسطين، وبالمقارنة مع الفترة نفسها من العام السابق، فقد انخفض العدد بنسبة 23 في المئة، ووصل عددهم في حينه نحو 43 ألف عامل، في حين أثر كورونا على الأنشطة السياحية كان كبيراً جداً، خصوصاً في محافظتي بيت لحم والقدس، اللتين تستقبلان العدد الأكبر من النزلاء والسياح، إذ يتواجد ما نسبته 81 في المئة من إجمالي عدد نزلاء الفنادق في هاتين المحافظتين، ما يجعلهما الأكثر تضرراً على مستوى فلسطين.
وقول رئيس جمعية الفنادق العربية في فلسطين إلياس العرجا، "حجم الخسائر التي تتعرض لها مدينة بيت لحم في موسم أعياد الميلاد، تقدر بمليون و200 ألف دولار يومياً، وإغلاق المدينة أمام حركة السياح يهدد الفنادق بخسائر تفوق 300 مليون دولار حتى نهاية العام الجاري، حيث لم تتجاوز نسبة الإشغال في الفنادق هذا العام 2 في المئة، خلافاً لما كانت عليه سابقاً، إذ بلغت نسبة الإشغال 100 في المئة في مثل هذا الوقت من كل عام، وهناك خمسة آلاف غرفة فندقية موزعة على 73 فندقاً في بيت لحم وحدها، تكبدت خسائر فادحة، وسُرح 95 في المئة من العاملين في القطاع السياحي في المدينة، لعدم قدرة أرباب العمل على دفع أجورهم.، ويضيف، "ينفق كل فندق فلسطيني سنوياً ما يفوق 100 ألف دولار بين تراخيص وضرائب للحكومة، لذلك سيكون هناك توجه جدي، لإعفاء الفنادق من تلك الالتزامات، لغياب أي أفق حقيقي بالتعويض عن الخسائر التي طالت القطاع السياحي".
واحد في المئة
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن نسبة المسيحيين في الأراضي الفلسطينية لا تتجاوز 1 في المئة، بعد أن كانوا يشكلون قبل نكبة عام 1948 نحو 11. 2 في المئة، والسبب الرئيس لهذا الانخفاض الهجرة، ولفت رئيس الهيئة الإسلامية المسيحية حنا عيسى إلى أن "الحضور المسيحي في المجتمع الفلسطيني في الوقت الحالي، يشكل أقل من واحد في المئة فقط من تعداد سكان الأراضي الفلسطينية، في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، لأن معظم مسيحيي فلسطين توجهوا إلى الهجرة والعيش في بلاد أكثر أماناً، وهم موزعون بين الضفة الغربية التي يقطنها 40 ألفاً، وقطاع غزة 850، والقدس التي تضم أقل من 4000، ويظهر أحدث التقديرات أن نسبتهم لا تتجاوز 0.60 في المئة من مجموع المواطنين في الأراضي الفلسطينية".