كانت التداعيات السلبية الاقتصادية لجائحة كورونا، منذ تفشيها في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، أصعب الصدمات والأزمات التي ألمت بقطاعات اقتصادية محلياً وعالمياً، وتجرعت البورصة المصرية كباقي بورصات العالم مرارة الآثار الصعبة غير المسبوقة التي خلفتها الجائحة. إلا أن تلك التداعيات لم تقنع البورصات العربية بالتوحد وفق المالي المصري، في ظل غياب بنية تشريعية، يراها ضرورية.
وعن تأثير التداعيات السلبية للفيروس، وتأثيره على سوق المال المصرية وخطة المواجهة، قال رئيس البورصة المصرية محمد فريد "إن أكبر تحد لنا في عام 2020، كان الحفاظ على استمرارية العمل واستقرار التداولات".
وأضاف محمد فريد في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أن مجلس الإدارة عقد اجتماعاً طارئاً لتحليل الموقف كاملاً والوقوف على نقاط القوة والضعف والتحديات، "وبعد تقييم شامل للأمر اتخذنا حزمة من التدابير الاحترازية، وكان الهدف الأساس منها هو ضمان استمرارية العمل واستقرار التداولات، ويمكن القول أن فترة انتشار وباء كورونا شكلت أحد أصعب الصدمات والأزمات، التي واجهت سوق المال المصرية في العصر الحديث".
مستعدون للموجة الثانية
وأكد على استعداد البورصة المصرية لمواجهة الآثار والتداعيات السلبية في حال تفشى الموجة الثانية من جائحة كورونا بسلسلة من الإجراءات الاحترازية أيضاً حتى تستمر البورصة في أداء عملها.
وحول أهم الإجراءات الاحترازية التي نفذتها البورصة قال فريد "طورنا البنية التكنولوجية المرتبطة بكافة أنظمة التداول والأنظمة المساعدة للتداول، التي مكنت العاملين والمتعاملين وشركات الوساطة من العمل عن بُعد لضمان استمرارية العمل واستقرار التداولات، وتجنب انتشار فيروس كورونا وتمكين المستثمرين من الدخول والخروج".
إجراءات لتجنب التجمعات
وتابع "تضمنت الإجراءات أيضاً إلزام السماسرة عدم الحضور إلى منصة التداول (الكوربية)، لتجنب التجمعات بالإضافة إلى السماح لشركات السمسرة بتلقي أوامر العملاء من خلال البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية، باستخدام تطبيقات الهاتف المحمول، علاوة على تطوير البورصة من خلال شركة مصر لنشر المعلومات نظام "E-Magles"، لتمكين الشركات من عقد اجتماعاتها إلكترونياً لاستمرارية العمل والنشاط".
وأضاف، "هذا إلى جانب تطوير أنظمة إلكترونية مكنت موظفي البورصة من مزاولة مهام عملهم عن بُعد، وعدم التقيد بالحضور إلى المكتب، وذلك تفعيلاً لتوجهات الحكومة بتقليل التجمعات للحد من انتشار الفيروس المستجد، وقد عمل أكثر من 60 في المئة من موظفي البورصة عن بُعد بنفس السرعة والكفاءة المعتادة، وتتم عودة القوة العاملة حالياً بشكل تدريجي منظم ومنضبط وفقاً لقواعد تباعُد وإجراءات وقائية.
وحول دور الدولة المصرية لدعم البورصة قال، "إن الدولة بكافة مؤسساتها دعمت البورصة، وكان أهم قرارات الدعم، مبادرة البنك المركزي المصري حين خصص 20 مليار جنيه (نحو 1.2مليار دولار أميركي) لدعم البورصة، ثم ضخ بنكي الأهلي ومصر المملوكين للدولة نحو 3 مليارات جنيه (190مليون دولار أميركي) كاستثمارات في البورصة المصرية".
خطط تطوير الأداء
سألنا فريد حول تطوير أداء عمل البورصة لجذب مزيد من المساهمين والمستثمرين، فأجاب "نُجهز لخطة طموحة في الوقت الحالي لتطوير سوق الشركات الصغيرة والمتوسطة لمساعدة الشركات على النمو والانطلاق، بالإضافة إلى دعم قدرات السوق على تعزيز السيولة والتداول".
وحول أهمية ودور الشركات الصغيرة والمتوسطة قال، "إن مجلس الإدارة يعتزم في الفترة الحالية والمقبلة، تنفيذ عمليات موسعة لإصلاح وتطوير سوق الشركات الصغيرة والمتوسطة، تلك العمليات ستساعد الشركات على النمو والانطلاق، والانتقال إلى السوق الرئيسة، علاوة على العمل على تنشيط التداول وتعزيز السيولة في السوق".
طاقة كامنة يعيقها شح السيولة
ولفت إلى أن أهم خطط التطوير القادمة تعتمد على تنفيذ هيكلة شاملة، تتضمن شقين رئيسين، الأول مساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة على النمو والانطلاق والتوسع، بينما الشق الثاني يعمل على تعزيز السيولة والتداول في السوق، من خلال زيادة النشاط والتعاملات على الأسهم، "لقد أجرينا تحليلاً وتقييماً شاملاً للسوق للوقوف على التحديات والفرص، وكذا نقاط القوة والضعف".
وأشار إلى أن التحليل أسفر عن "وجود طاقة كامنة كبيرة وفرص للنمو، لكن السوق تعاني من ضعف سيولة وقلة عدد الشركات المقيدة، إلى جانب أن الشركات المقيدة بحاجة لإعادة هيكلة وتأهيل".
أما أولى الخطوات الإصلاحية التي اتخذتها البورصة، فكانت "عقد جلسات استماع مع أطراف السوق بالكامل، سواء الشركات المقيدة أو الرعاة المعتمدون، وأخيراً شركات الوساطة بغرض التعرف على التحديات التي تُصّعب عملهم بالإضافة إلى الخطوة الثانية، وهي التشاور معهم بشأن احتياجات المرحلة الجديدة من الإصلاح والتطوير، أما الخطوة الثالثة فكانت المقارنة بين أفضل المؤسسات الدولية ذات الخبرة في العمل مع الشركات الصغيرة والمتوسطة، ووقع الاختيار على البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية."
تعاون مع "الأوروبي لإعادة الإعمار"
وكشف رئيس البورصة المصرية عن تسلم مجلس إدارته خطة هيكلة شاملة من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، بعد مراجعتها أكثر من مرة من قبل البورصة، لبدء التنفيذ. وأشار إلى أن استعراض تلك الخطة مع أطراف السوق المشاركة في صياغتها، كان بغرض تحديد أدوار كل طرف والتأكد من جاهزية الجميع لضمان الكفاءة والفاعلية وتحقيق المستهدفات.
وعن أهم الإجراءات التي أعقبت إعادة هيكلة البورصة المصرية، أكد فريد "شطبنا 10 رعاة للبورصة وأضفنا 3 رعاة جدد للسجل"، لافتاً إلى مراجعة موقف باقي الرعاة لتنفيذ عملية التنقيح الثانية.
وأضاف، "سيتم إلزام الشركات المقيدة التعاقد مع استشاري، لمساعدتها على النمو وتحقيق مستهدفاتها، علاوة على تطوير معايير عمل الرعاة لضمان جودة أدائهم، والتمكن من جذب شركات جديدة للقيد، وكذا تأهيل الشركات المقيدة حالياً على النمو وتحقيق مستهدفاتها، كما سيتم إلزام الرعاة التعاقد مع شركات ومراكز بحثية لتوفير تغطية بحثية للشركات المقيدة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
البنك الأوروبي يتحمل 70 في المئة من التكلفة
فريد أشار إلى أن التنسيق جار مع البنك الأوروبي، لتحمل حتى 70 في المئة من تكلفة الاستشارات للتخفيف عن الشركات، هذا بالإضافة إلى دعم البورصة في جزء من تكلفة الاستشاري.
وأكد أن مجلس الإدارة يدرس طرح منتجات وخدمات مالية جديدة "لاستغلال القدرات المالية الهائلة التي تتمتع بها أسواق المال بما لديها من قدرات كبيرة على تعبئة مزيد من المدخرات".
وعن نظام المزايدة الجديد، اعتبر فريد أن "تطوير نظام المزايدة جاء ليتماشى مع أفضل المعايير والممارسات العالمية ليُتيح مرونة أكبر في التداول، حيث يتُيح مدى سعرياً أكبر للأوراق المالية منخفضة السعر. بعد أن انتهت الدراسة المقارنة التى أعدتها البورصة في هذا الشأن قام عديد من البورصات الناشئة والمتقدمة بتحديد الحد الأدنى لوحدة المزايدة، وفقاً للمستوى السعري للورقة المالية، ومنها بورصات فرنسا والنمسا وماليزيا وسنغافورة وهونج كونج، وهذا يحقق تعزيز السيولة والتداول، وتحفيز الاكتتابات العامة والخاصة عبر سوق رأس المال".
التكامل بين البورصات العربية
وحول التكامل بين البورصات العربية أكد أنه "لتحقيق ذلك، ينبغي أن نتشارك لإجراء مزيد من الإصلاحات لسد الفجوات في الأطر المعنية بالبنية التشريعية والتنظيمية والأمن المعلوماتي، فضلاً عن تحسين بيئة الأعمال، والبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتوعية المالية، في العالم العربي".
لكنه قال، إن الوقت الحالي يشهد محاولات داخل اتحاد البورصات العربية للعمل على تنسيق الجهود، لبحث كيفية تطوير أنظمة التكنولوجيا المالية المستخدمة في البورصات والشركات المدرجة، خصوصاً ما يعرف بـ"e-KYC"(اعرف عميلك عن بعد)، وهي خطوة من شأنها تسهيل عملية استثمار أي مواطن عربي في أي ورقة مالية مدرجة وفي أي بورصة عربية أخرى، فضلاً عن كونها آلية مهمة تساعد على توسيع قاعدة المستثمرين في أسواق المال".
الفجوة بين الادخار والاستثمار بلغت 9.4 في المئة
وكشف المسؤول المالي المصري عن أن بيانات البنك الدولي، في عام 2019، أكدت أن معدل الادخار في مصر وصل إلى 9.4 في المئة، في حين بلغ معدل الاستثمار 19.4 في المئة، ما يُشير إلى وجود فجوة قدرها 10 في المئة، أما على المستوى العربي سجلت الفجوة التمويلية في المغرب 9.2 في المئة، وفي الجزائر 6.9 في المئة، وبلغت في لبنان نحو 20.3 في المئة وهي الأعلى بين الدول العربية. وحول توقعاته لأداء البورصة المصرية في العام الجديد، توقع فريد أن يعاود المؤشر السبعيني الصعود مرة أخرى خلال الفترة المقبلة، مع ظهور محفزات التوصل للقاح فيروس كورونا المستجد، ما يبشر بقرب عودة النشاط الاقتصادي للتعافي مرة أخرى".