تستمر حالة انسداد المسار السياسي الليبي بشأن التوصل إلى تفاهمات في المفاوضات التي تقودها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لوضع معايير الترشح للمناصب التنفيذية العليا خلال المرحلة الانتقالية الأخيرة، ولم تقتصر مؤشرات التعثر على المسار السياسي وحده، بل امتدت لنظيره العسكري، الذي وُقع اتفاق شامل بشأنه في الفترة الماضية، يقضي بوقف دائم لإطلاق النار ووضع ترتيبات لخفض التصعيد بين طرفي النزاع، بينما انطلقت المحادثات الاقتصادية اليوم الثلاثاء في جنيف.
تلويح بالانسحاب من الحوار السياسي
ولوح ثلاثون عضواً من ملتقى الحوار السياسي الليبي بالانسحاب من المفاوضات التي تديرها بعثة الأمم المتحدة، وتستعد لبدء جولة افتراضية جديدة فيها، احتجاجاً على مقترح البعثة، الذي ينص على خفض نسبة التصويت داخل الملتقى، وخلق نصاب جديد لتمرير آلية اختيار شاغلي السلطة التنفيذية المقبلة.
وطالب الأعضاء المحتجون في بيان "البعثة بالتوقف عن اتخاذ أي خطوة بشأن المقترحين الأخيرين، أو التعديل على آلية التصويت المتفق عليها سابقاً"، مؤكدين أن "المضي في هذا النهج، قد يجعل من الاستمرار في الحوار أمراً غير ذي جدوى"، ملوحين بالانسحاب، وفقاً للبيان.
وأفادت مصادر من الحوار السياسي الليبي بأن البعثة الأممية في طريقها للتراجع عن آلية التصويت الجديدة "50+ 1" من كل منطقة، بعد ارتفاع عدد الرافضين لمقترح البعثة بشأن تغيير نصاب التصويت إلى 34 عضواً، ما يشكل تهديداً حقيقياً بإيقاف الحوار، لعدم اكتمال النصاب القانوني للتصويت.
عقدة متكررة
واعتبر عضو المجلس الأعلى للدولة في ليبيا محمد معزب أن "العقدة ذاتها تتكرر، وهي ذاتها التي واجهت الوصول لحل سياسي في 2017 بين لجنتي الحوار لمجلس النواب والمجلس الأعلى بشأن تقليص الرئاسي من تسعة إلى ثلاثة أعضاء، واستحداث منصب رئيس للحكومة وتشكيل حكومة وحدة وطنية".
وأضاف، أن "المشكلة التي واجهتهم حينها، هي أزمة التوافق على آلية الترشح للمناصب أو اختيار الأعضاء، بعدها انفرط عقد الحوار، واشتعلت الحرب في عام 2019". محذراً من "فشل الحوار السياسي، الذي ستكون له انعكاساته الدامية، حال الدخول في حرب، لأنها ستكون طويلة وقاسية بالقياس على سابقتها"، مشيراً إلى "ضرورة تغليب الحكمة والمصلحة الوطنية في الوقت الراهن".
أزمة فقدان التواصل
وربط الناطق السابق باسم الحكومة الليبية المؤقتة محمد بزازة بين التواصل عن بعد عبر جلسات افتراضية وبين التعثر المستمر في المسار السياسي، قائلاً، "أزمة غياب التواصل المباشر بين أعضاء الحوار أثرت في جو المفاوضات، وأسهمت في تباعد وجهات النظر، على العكس من الحوارات التي تمت في جلسات تقابلية مباشرة في المسارين الاقتصادي والعسكري".
وأشار بزازة إلى "عوامل أخرى أسهمت في تعقيد المفاوضات متعلقة بالصراع على السلطة بين أفراد وكيانات معروفين بتحريك هذا الصراع منذ سنوات طويلة، ويعملون بشكل مباشر أو غير مباشر لتقويض الحوار حين يسير في اتجاه يخالف أطماعهم ورغباتهم".
واصفاً هذا المسار بأنه "العقدة الأبرز حالياً في طريق الخروج من المراحل الانتقالية المتتالية والصعبة، وإذا تعثر فهذا يعني البقاء في الدائرة المفرغة ذاتها، وستفقد كل التفاهمات السابقة في المسارات الأخرى قيمتها الحقيقية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
محادثات اقتصادية في جنيف
واليوم الثلاثاء انطلقت المحادثات الاقتصادية برعاية بعثة الأمم المتحدة في جنيف، لإقرار إصلاحات اقتصادية في ليبيا. وأعلنت المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة أليساندرا فيلوتشي، في وقت سابق، أن المبعوثة الأممية بالإنابة ستيفاني ويليامز ستستضيف فريق عمل اقتصادي يومي الاثنين والثلاثاء من الأسبوع الحالي.
وأوضحت، أن مصر والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ستترأس المحادثات، التي ستضم ممثلين عن المؤسسات المالية الليبية الكبرى في إطار تلبية حاجات الليبيين، وإقامة ترتيبات اقتصادية أكثر استدامة، لدعم الاقتصاد الليبي المتعثر.
ووفقاً لبيان صحافي، صدر عن البعثة الأممية، "ضم الاجتماع ممثلين عن فرعي المصرف المركزي ووزارة المالية وديوان المحاسبة والمؤسسة الوطنية للنفط، فضلاً عن أعضاء لجنة الخبراء الاقتصادية الليبية، وتم تكريسه لمناقشة إصلاح العملة والأزمة المصرفية وتوحيد الميزانية، إضافة إلى تحديد جدول زمني لتنفيذ هذه الإصلاحات".
وأضافت، أن "الاجتماع يعقب حدوث عدة تطورات واعدة بما فيها استئناف إنتاج النفط بشكل كامل مع التحفظ على الإيرادات التي تحصلت عليها المؤسسة حتى الآن لحين إحراز مزيد من التقدم نحو ترتيب اقتصادي أكثر ديمومة".
وأشار البيان إلى أن "بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، تواصل تسيير عمليتي المراجعة المالية الدولية لحسابات فرعي المصرف المركزي، التي وصلت إلى منتصف الطريق تقريباً"، واصفاً إياها بـ"العملية الحيوية الهادفة إلى تيسير إعادة توحيد المصرف ووضع آليات وطنية للمساءلة بشكل كامل".
من جانبها، قالت المبعوثة الأممية إلى ليبيا ستيفاني ويليامز، "آمل بصدق أن يتم التوصل خلال اليومين المقبلين لاتفاق على خطوات ملموسة بشأن قضايا إصلاح العملة، وأزمة تسوية الصكوك، والأزمة المصرفية بشكل عام، وتوحيد الميزانية، ووضع جدول زمني واضح للإجراءات التي يتعين اتخاذها لتنفيذ هذه الإصلاحات". منوهةً إلى أن "الوقت ليس في صالح الليبيين، ونحن بحاجة إلى التحرك بسرعة، وحسم هذه الخطوات المهمة خلال اليومين المقبلين".
تهديد جديد للمسار العسكري
في المسار العسكري، واصل وزير الدفاع المفوض في حكومة الوفاق صلاح النمروش إدارة ظهره إلى الاتفاق الموقع بين اللجنة العسكرية الممثلة لحكومته ونظيرتها من الشرق الليبي بتوقيع اتفاقية عسكرية جديدة مع باكستان، هي الثانية من نوعها في ظرف شهر واحد، بعد توقيع اتفاقية مشابهة مع إيطاليا، للتعاون في المجالات العسكرية، ما يعد مخالفةً لنصوص بارزة وصريحة في الاتفاقين العسكريين، الموقعين في جنيف وغدامس.
وبحسب بيان، أصدره المكتب الإعلامي لعملية بركان الغضب، فإن "وزير الدفاع بحكومة الوفاق صلاح الدين النمروش بحث، أمس الاثنين، مع الملحق العسكري الباكستاني آليات تعزيز التعاون العسكري بين وزارتي الدفاع في البلدين".
وأوضح، أنه "جرى خلال اللقاء التباحث حول الاستفادة من خبرة الجيش الباكستاني وتجاربه في مختلف المجالات العسكرية، بخاصة تلك المتعلقة بمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وتعزيز التعاون في المجال العسكري، وتدريب عناصر قوات الوفاق في مكافحة الإرهاب وعمليات نزع الألغام والتخلص من المواد المتفجرة".
ويصف الباحث السياسي الليبي محمد العنيزي، هذه الخطوات المتتابعة من وزير دفاع حكومة الوفاق، بـ"استفزازات مقصودة ترمي لتعكير الأجواء وإفشال المسار العسكري، ما يعني تعثر المسار التفاوضي برمته".