مجموعة الفنان التشكيلي السعودي عبدالله التمامي الأخيرة، بعنوان "ضجيج المساكن"، خطّت مستقبله الفني من خلال قصص وحكايات تمثل معايشات واقعية تصل الماضي بالحاضر.
وسواء اقتحمها من النوافذ أم الأبواب، فإنه قال ما يريد عبر النصوص المرسومة، التي تُقرأ بمجرد النظر، لتعبّر عن الفن التشكيلي المعاصر بحذافيره.
وكان لمجموعته "ضجيج المساكن" رؤى ووجهة نظر فلسفية إزاء حياة الناس ومدى تطورها، مستعيناً بالمساكن كرمز لها.
وكادت مجموعته التي تضم 12 لوحة أن تذبل، حين صارحته ابنته بأنه "ليس لها ثمن"، إلا أن صديقه عدنان الأحمد وجد فيها مستقبله وانطلاقته الفنية، حتى صار بنفسه أسيراً لتلك الأفكار بلا توقف.
لوحة الأذان
يصف التمامي لوحة الأذان الأكثر تأثيراً في المجموعة،حيث تتمايل البيوت مع تلك المشاعر المقدسة، قائلاً "سلط العمل الضوء على مدى تأثير هذا الصوت على السامع سواء كان مسلماً أم غير ذلك، فهو من وجهة نظري توقيت لحياة الناس، وهو عمل روحاني دليله أن الإنسان لم يخلق عبثاً، بل لعبادة الله ونشر الفضيلة والسعادة وخدمة الناس".
ويضيف، "هذا العمل خلق صلة وطيدة بيني وبين الجمهور، وفيه وجدت أن النوافذ أكثر صدقاً من الأبواب. وحين رسمت البيوت ملتمّة في حميميتها، كانت النوافذ مشرعة، لذلك صنعت منها جزءاً من حكايات الناس، فجاء تفاعل البيوت مع صوت الأذان. وذلك ما يشعر به الشخص الآتي من سفر بعيد، فالأذان جزء من المناطق الإسلامية، وصوته أكثر صدقاً من أي شيء آخر، فهو يعطي ذبذبات للأذن وتناغماً لدقات القلب وطمأنينة تملأ الدنيا، حتى الأفلام والمسلسلات باتت تُدخل الأذان فيها لما له من تأثير ملموس وواضح في حياة الناس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المساكن غارقة تحت الماء
ويصف البيوت في عمل آخر بالمساكن الغارقة تحت الماء، موضحاً أن "النظر إليها يختلف بحسب الأوقات، وبالتأمل فيها تجدين سكانها غارقين في ما يشغلهم. أحدهم يقرأ، والآخر في حال سهر، فبيوت مكة على سبيل المثال هادئة على الرغم من ضجيج المدينة، وفي نهاية المطاف المشاعر هي التي تحدد الأشياء".
رقصة نسائية
لم يقف وصف التمامي عند البيوت ونوافذها، فالمرأة جزء من منظومته، معرجاً على خاصية لديها. يقول "أميل إلى اللون والحركة، رافضاً الصمت في اللوحة. اتجهت إلى المرأة من زاوية الرقص الشعبي، وكما هو معروف أن لها خصوصية لا يعرفها أحد خارجاً، فالنساء في المناسبات السعودية يرقصن وسط مجموعة تلتف حولهن بحركات مميزة".
المرأة في الحب تتحول إلى جمرة متقدة
طرق التمامي أبواب النساء من أدقها، وكان للوحة الحب ونار الغيرة والحيرة سطوتها في تاريخه الفني، فهو لا ينام ما دامت هناك قصة مستيقظة في ذهنه، ويقول "بعتها قبل عشر سنوات بـ 6 آلاف ريال ( 1600 دولار)، وقصتها عن نار المرأة حين تمر بقصة حب، وهي طبيعتها عندما تعيشها بعمق. وصفت المرأة وكنت متأملاً في تلك الحال قبل زواجي، حينها كان مجتمعنا المحافظ يمنعنا من لقاء النساء إلا المقربين منا. وبعد الزواج، وجدت المرأة مخلوقاً آخر مختلفاً عن الرجل، فحين تسيطر المحبة عليها تصبح كالجمرة، كما أن بعض الرجال يتقنون العزف على مشاعرها كما يعزف الموسيقي على آلة البيانو، وهناك من استطاع اللعب بمشاعرها بإجادة تامة، ولنا في التاريخ قصة مع عشق الرجال، وهي حكاية قيس وليلى".
فلسفة لوحات الكعبة
وجسّد التمامي في عدد من اللوحات الكعبة المشرفة، ويرى من خلاها فلسفة عميقة، "لكونها أقدم بيت في العالم، في وقت كان الناس يسكنون الكهوف، وهي تمثل وحدة الأرض والدخول إليها بشهادة لا إله إلا الله. وهي مكان رائع لاجتماع أطياف العالم من كل بقعه، طمعاً في تحقق المطالب، حيث يجمعون سلة من المطالب والأوجاع والهموم لطرحها، والتوليفة العالمية تشجعك، وتشد من روحانيتك، فالنظر إليها يختلف بحسب الزاوية، وهو السبب الذي دعاني لمناقشتها مرات عدة".
هموم العقل أمتعة تكسر الظهر
يضيف التمامي، "يحتاج الفنان التشكيلي فترة من التأمل، والفن صديق أحدثه عن كل هذا الجمال، فحين جسدت لوحة الرجل والمرأة اللذين يحملان متاعاً، تحدثت على الملأ عن الحب الصادق بينهما. كان الحب صادقاً وليس ملوثاً كما اليوم، فجسّدت شفافيته في الصحراء، للعودة بالمشاهد إلى إرثه، وكيف للفرقة أن تكون قدراً بين المحبين، فحمل الأمتعة رمز لحمل الوجع، وإن كان المركز الرئيس للهموم هو العقل، لكنها توصف بأوجاع تكسر الظهر، لذلك صورتها على هيئة أمتعة على الظهر، وقد يُنظر إليها من زاوية أخرى مختلفة".
التشكيلي وصياد السمك
يوضح التمامي أن ثمة علاقة بين الصياد الذكي والفنان اللماح، يقول "كما القاص الذي يجب أن يعرف أين تتجه مشاعر الناس، أما لماذا تبقى بعض القصص على مر الزمن، فالعبقري ليوناردو دافنشي، حين رسم الموناليزا وضع لها أبعاداً تاريخية معروفة، من ضمنها أنها أول لوحة واقعية بمقاييسها الكاملة، إضافة إلى أنها رمزت إلى الأنثى، وفي ذلك الوقت كان لذلك أثر كبير، والتوفيق من الله أبقاها إلى هذا الزمن شاغلة عقول كثير من الهواة والمحترفين".
وباع التمامي قرابة 150 لوحة، فيما بقي مثلها في حوزته، وأغلاها بلغت قيمتها 27 ألف ريال ( 7200 دولار)، ويعتبر بالنسبة إلى عشاق الفن مصدراً من مصادر الإلهام، إذ يُنظر إلى ما يقدمه بدهشة عارمة.
وينتقد التمامي الساحة الحالية لكونها "تقدم الدعم لبعض من غير الموهوبين من دون مقاييس"، طامحاً إلى "تشييد صالات عرض ومتاحف، وتعميق رؤى الفن التشكيلي، وتقديم الدعم له من تسويق وغيره، من دون استنزافه مادياً".
والفنان الذي لم يقدم خلال 30 عاماً من مسيرته أي معرض شخصي خاص، يستعد حالياً لتجهيز أربعة أعمال تحمل عناوين، "سباق الهجن" و"سباق الخيل" و"ضجيج الطبيعة" و"ضجيج المساكن".