عملية سهلة جداً أن تعيد شحن هاتفك المحمول عبر توصيله بالتيار الكهربائي، لكنها رحلة طويلة جداً بالنسبة لمهيوب حريجات (45 عاماً)، الذي يقطع قرابة 10 كيلو مترات لشحنه من أول محل تجاري قد يصل إليه، وفي البرد القارس ليلاً، يصبح شحن الهاتف كمن يخرج بمهمة حربية، فانعدام الكهرباء في خربة براعيش بغرب مدينة رام لله (وسط الضفة الغربية)، يصعب من حياة التجمع البدوي هناك، حيث لا يزالون إلى اليوم يشعلون الحطب للتدفئة، أو استعمال المصابيح التي تعمل بالغاز أو الكاز، كما أن النساء يقمن بغسل الملابس يدوياً.
نحلم بالكهرباء
يتحدث مهيوب عن هذه الأزمة قائلاً "أصبحت الكهرباء أمراً أساسياً وطبيعاً عند كل البشر، إلا نحن، حرمنا منها بسبب بعد جبل البراعيش الذي نعيش على سفحه من القرى الفلسطينية المجاورة، كما أننا نقع ضمن منطقة جيم (خاضعة للسيطرة الاسرائيلية)، وممنوع علينا مد أي خط كهربائي يمكننا من عيش حياة كريمة، فإشعال النار يشكل خطراً علينا وعلى أطفالنا أثناء النوم، واستخدام المصابيح للدراسة أو اللعب يسبب لهم التعب بسبب رائحة الكاز المنبعثة منه، ناهيك عن صوته المزعج".
يضيف "حياتنا مضنية وقاسية ليس فقط لغياب الكهرباء، فلا ماء، ولا طرق، ولا شبكة هاتف. قد يحلم غيرنا بالمال والقصور، بينما يحلم أطفالنا بمشاهدة فيلم رسوم متحركة بجانب المدفئة وتحت النور".
طاقة نظيفة
وستقدم وزارة الحكم المحلي في الضفة الغربية وضمن نشاطات ومشاريع الاتحاد الأوروبي لتعزيز ودعم المناطق الفلسطينية البدوية والمهمشة بخاصة المصنفة ضمن منطقة جيم، الدعم لحريجات وستوفر له ولأسرته لوائح طاقة شمسية تمكنه من شحن هاتفة والجلوس بجانب المدفئة مع أطفاله.
ويقول شادي عثمان، الناطق باسم الاتحاد الأوروبي "يعمل الاتحاد ضمن برامجه الإنسانية والتنموية لدعم التجمعات المهمشة والفقيرة، بتوفير لوائح الطاقة الشمسية لتغطية احتياجاتهم الأساسية، وتم توفير عشرات اللوائح لمئات العائلات الفلسطينية في مختلف المناطق، فمن جهة ندعم صمود تلك العائلات، ومن جهة أخرى نعزز فكرة الطاقة النظيفة والمستدامة، التي بدأت تتشكل ملامحها بالفعل، في الأراضي الفلسطينية".
وخلال الآونة الأخيرة، قطعت شركة الكهرباء القطرية الإسرائيلية التيار الكهربائي عن كثير من القرى والمدن الفلسطينية بِحجة تراكم الديون على السلطة، لذلك سعت الأخيرة وضمن استراتيجيتها الجديدة للنهوض بقطاع الطاقة في الأراضي الفلسطينية بالتعاون مع المؤسسات المحلية والدولية، وتكثيف العمل على الطاقة المستدامة ضمن مشاريعها، وذلك للحد قد المستطاع من الاعتماد على الشركة القطرية الإسرئيلية.
وأطلقت وزارة الاقتصاد الوطني وسلطة الطاقة والموارد الطبيعية بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) نهاية شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي مبادرة خاصة تروج لحلول الطاقة المستدامة في الصناعة الفلسطينية، وتهدف لتخفيض استهلاك الطاقة الكهربائية، وإعطاء فرص لوصول الصناعة الفلسطينية لمصادر الطاقة المستدامة المتنوعة، خاصة في التدخلات المتعلقة بمعالجة آثار جائحة كورونا، على القطاعات الاقتصادية الفلسطينية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول وزير الاقتصاد الفلسطيني خالد العسيلي لـ"اندبندنت عربية": "تصل تكلفة الكهرباء في بعض القطاعات الصناعية إلى ما يقارب 70 في المئة من تكلفة المنتج، وبشكل متوسط 40 في المئة من التكلفة، ونسعى من خلال برنامج (مستدامة) الممول من الاتحاد الأوروبي بقيمة 6 ملايين يورو، إلى تخفيض تكلفة الكهرباء للمنشآت الاقتصادية في مختلف القطاعات الإنتاجية، بما يعزز فرص نمو القطاع الصناعي، ورفع تنافسية المنتج الفلسطيني في الأسواق المحلية والدولية، ويقوم برنامج (مستدامة) بنشر المعرفة وزيادة الوعي لدى مختلف الفئات المستهدفة، حول الفرص المتاحة في تنمية الاقتصاد الأخضر وفي تبنى تقنيات الطاقة المستدامة".
"نور فلسطين"
يعتبر مشروع "نور أريحا" التابع لصندوق الاستثمار الفلسطيني، من أكبر محطات توليد الطاقة الشمسية في الأراضي الفلسطينية، ويولد 7.5 ميغاواط من الكهرباء بما يخدم 3600 منزل، وهي تندرج ضمن برنامج "نور فلسطين" الهادف إلى توليد 200 ميغاواط من الكهرباء من الطاقة الشمسية، ضمن مساهمة الصندوق في تأمين الطاقة، وتخفيض فاتورة استيراد الكهرباء، ويشمل البرنامج محطات "نور جنين"، و"نور طوباس" وأنظمة طاقة شمسية على أسطح 500 مدرسة حكومية.
محمد مصطفى رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار يقول "حال قطاع الكهرباء في فلسطين يختلف عن أي دولة في العالم، حيث يتم استيراد ما نسبته 92 في المئة منها، من الجانب الإسرائيلي بأسعار باهظة من دون وجود أي دور للجانب الفلسطيني بتحديد السعر، ما جعل أسعار الكهرباء من أعلى الأسعار عالمياً، وللوصول الى تكلفة منخفضة لها في فلسطين، وللمساهمة في استقلال قطاع الكهرباء عن إسرائيل، كان لا بد من وجود استراتيجية لإيجاد مصادر متعددة لإنتاجها محلياً وبأسعار منخفضة، ومشروع "نور فلسطين" يبحث عن التنوع في مصادر الطاقة، وعدم الاكتفاء بمصادر الطاقة التقليدية كالنفط والغاز، فالطاقة الشمسية متاحة على مدار العام تقريباً".
يضيف "استراتيجية الصندوق تسعى للاستقلال عن التبعيىة الاقتصادية لإسرائيل، والتحول قدر الإمكان إلى الإنتاج، حيث إن كل كيلوواط ينتج محلياً، يوفر علينا عملية الشراء من إسرائيل ومصادر أخرى كالأردن ومصر، إضافة إلى الفائدة المباشرة على القطاعات المشتركة في البرنامج (نور فلسطين) بتحقيق توفير في فواتير الكهرباء تصل إلى 50 في المئة على مدار 25 عاماً، وستساهم هذه المحطات في استقلالية قطاع الكهرباء، وخلق فرص عمل لمئات الشباب والخريجين، والمساهمة في تطوير قطاع الطاقة المتجددة في فلسطين".
اهتمام حكومي
عام 2015 دخل قانون الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة حيز التنفيذ، وذلك لتشجيع استغلال وتطوير مصادر الطاقة المتجددة، وزيادة نسبة مساهمتها في معدل الطاقة الكلي، وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في هذا القطاع.
ويقول رئيس سلطة الطاقة والموارد الطبيعية ظافر ملحم "خلال العامين الماضيين، زادت مساهمة الطاقة الشمسية بالكهرباء من 5 إلى 90 ميغاواط، إذ كنا نعتمد على إسرائيل في مجال الطاقة بنسبة 100في المئة، وانخفضت في السنوات الأخيرة إلى 87 في المئة، حيث تشكل الطاقة الشمسية اليوم نحو 3 في المئة من احتياجات فلسطين للطاقة، ونسعى بحلول عام 2025 الوصول إلى الاعتماد على الطاقة الشمسية بنسبة 20 في المئة، إضافة لذلك وقعنا اتفاقية جديدة هذا العام، من أجلِ تنفيذ برنامج تطوير وتعزيز الطاقة في فلسطين لثماني سنوات، هي الأولى من نوعها، التي تضمن تحسين الطاقة والبنية التحتية الخاصة بها، وتعزيزِ الطاقة المتجددة، وتوفير ضمانات للقروض من أجل الاستثمار في الطاقة الشمسية".