في أول زيارة خارجية له منذ إطلاق عملية "طوفان الكرامة"، في الرابع من أبريل (نيسان) الحالي لتحرير العاصمة طرابلس ممن سماهم "الإرهابيين والمتطرفين"، عقد المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الليبي، جلسة مباحثات، اليوم الأحد، مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في قصر الاتحادية بالقاهرة، تناولت المستجدات والتطورات التي تشهدها الساحة الليبية.
وبحسب بيان الرئاسة المصرية، فإن الرئيس عبد الفتاح السيسي "استقبل المشير خليفة حفتر القائد العام للقوات المسلحة الليبية بقصر الاتحادية، وبحثا تطورات ومستجدات الأوضاع على الساحة الليبية، وحرص مصر على وحدة واستقرار وأمن ليبيا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال السفير بسام راضي، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، في البيان الذى نشره على صفحته بموقع "فيس بوك"، إن "الرئيس أكد خلال اللقاء دعم مصر لجهود مكافحة الإرهاب والجماعات والميليشيات المتطرفة لتحقيق الأمن والاستقرار للمواطن الليبي في كافة الأراضي الليبية، وبما يسمح بإرساء قواعد الدولة المدنية المستقرة ذات السيادة، والبدء في إعمار ليبيا والنهوض بها في مختلف المجالات تلبية لطموحات الشعب الليبي العظيم". دون ذكر تفاصيل أخرى عن اللقاء.
المشير حفتر، سبق وأعلن في فبراير (شباط) 2018 خلال مقابلة مع مجلة "جون أفريك" الفرنسية، بشأن علاقته بالرئيس المصري، "مواقفنا تقترب في الواقع، ووضع بلاده عندما وصل إلى السلطة مشابه لموقف ليبيا اليوم". وتابع "عدونا الكبير، الإخوان المسلمون، يهددون بلداننا وجيراننا الأفارقة والأوروبيين على حد سواء".
وتدور معارك عنيفة منذ الرابع من أبريل على مشارف الأحياء الجنوبية لطرابلس بين القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، وقوات حفتر رجل شرق ليبيا القوي. حيث يقول الجيش الليبي الذي يقوده حفتر، إن الهدف من العملية هو "فرض سيطرة الشرعية على العاصمة وطرد الميليشيات منها"، فيما رد مسلحو العاصمة بشن غارات على مختلف مواقعه، معتبرين الخطوة محاولة انقلاب من جانب "رجال الشرق الليبي".
أي رسائل تحملها زيارة المشير للقاهرة؟
وفق مصدر رسمي تحدث لـ"اندبندنت عربية" فإن زيارة خليفة حفتر إلى القاهرة، كأول زيارة منذ إطلاق عملية "تحرير العاصمة"، تأتي بالأساس لاطلاع القاهرة عن قرب على تطورات ومستجدات الأوضاع الميدانية والسياسية في الأزمة الليبية، لما تمثله التطورات في ليبيا من أهمية قصوى للقاهرة.
وأوضح المصدر المطلع، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن الزيارة أيضا تحمل رسائل من القاهرة بمضيها قدما ودعهما لأي "عملية جدية" لمكافحة الجماعات الإرهابية والمتطرفة لا سيما في الجارة الليبية، التي تمثل عمقاً للأمن القومي المصري، وتنعكس أي اضطرابات بها بشكل مباشر على الأمن المصري، مشيرا إلى أن موقف مصر في هذا الشأن لن ولم يتغير. وأضاف المصدر: "الزيارة تعكس دلالات قوية تجاه العمليات العسكرية الجارية في محيط العاصمة الليبية"، دون توضيح تلك الدلالات.
من جانبه، قال الباحث والأكاديمي إبراهيم عبد الحميد، المتخصص في الشأن الليبي، إن توقيت الزيارة وطبيعة البيان الصادر عن الرئاسة المصرية يوضح بشكل جلي دعم القاهرة القوي للعملية العسكرية التي يشنها حفتر في طرابلس، مرجحا مزيداً من الدعم السياسي والأمني لقوات حفتر في الأيام المقبلة، قد تُغير موازين القوة على الأرض.
وأوضح عبد الحميد "رغم إعلان القاهرة في بيان الخارجية المصرية بعد أيام من شن العمليات العسكرية في الرابع من أبريل (نيسان) الحالي، بالدعوة للتهدئة واحترام الجهود الأممية الساعية لإتمام العملية السياسية في ليبيا، والتمسُّك بالحل السياسي كخيار وحيد للحفاظ على ليبيا، وضمان سلامة ووحدة أراضيها، وحماية مقدرات شعبها وثرواته من أي سوء، فإن لقاء اليوم يؤكد مدي قرب المشير للقاهرة".
وذكر عبد الحميد أنّ "قوات الجيش الليبي امتد نفوذها في الفترة ما بين يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط)، وسط معارضة ضعيفة"، مشيراً إلى تحول تدريجي في التوازن السياسي والعسكري لمصلحة حفتر، متوقعاً أن "تحقق قوات حفتر اختراقاً على صعيد العمليات العسكرية"، بعد لقاء اليوم بين حفتر والرئيس السيسي.
ويخشى كثير من المراقبين من اندلاع حرب أهلية قد تشعل فتيل الحرب في ليبيا، وتعود بها إلى المربع الأول من الفوضى والاحتراب الداخلي، فضلا عن مخاوف تتعلق بحياة المدنيين وعمليات خطرة لنزوحهم. حيث يتهم خليفة حفتر حكومة الوفاق، برئاسة السراج، بإيواء إرهابيين من القاعدة وتنظيمات متطرفة أخرى.
ويدعم المجتمع الدولي في المقابل منذ نهاية 2015 هيئة تنفيذية أخرى هي حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج المنبثقة من اتفاق سياسي بين الفرقاء الليبيين برعاية الأمم المتحدة ومقرها في طرابلس.
إحباط أممي
من جهة أخرى، عبّر المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة عن أسفه لتعذر انعقاد الملتقى الوطني في موعده المُحدد، والذي كان من المُفترض أن ينطلق، اليوم الأحد، في مدينة غدامس الليبية، قبل أن يتم تأجيله إلى أجل غير مُسمى بسبب التوتر الأمني والعسكري بمُحيط العاصمة طرابلس.
وقال سلامة، عبر حسابه بموقع التدوينات القصيرة "تويتر": "كان اليوم يوم ملتقاكم في غدامس تخطون فيه معا معالم سبيل نحو دولة موحدة، قادرة، منصفة، مدنية، ديمقراطية"، مشيرا إلى أن "الدم" لطخ هذه المسيرة التي كانت قد رسمتها البعثة، وأن "الرياح راحت في مناحٍ أخرى لم تكن السفن تشتهيها".
وشدد المبعوث الأممي على أن موقف البعثة الأممية في ليبيا لن يتبدل ولن تتراجع عن تمسكها بالحل السياسي لأزمة البلاد، مهما اشتد العناد، بحسب وصفه. يُشار إلى أن البعثة كانت حددت موعد الملتقى الوطني بداية من 14 حتى 16 أبريل الحالي، وحددت مدينة غدامس لعقده.
121 قتيلا في 10 أيام
بالتوازي مع زيارة حفتر للقاهرة، نشرت منظمة الصحة العالمية، ما ذكرت أنه حصيلة المعارك الدائرة على مشارف أحياء طرابلس الجنوبية، والتي بلغت وفق تقديرها 121 شخصاً على الأقل في 10 أيام، وسط تنامي قلق المنظمات الإنسانية من خطورة الوضع.
وبحسب الحصيلة الجديدة لـ"الصحة العالمية"، التي صدرت ليل السبت/الأحد، فقد أسفرت المعارك العنيفة الدائرة منذ 4 أبريل، على مشارف الأحياء الجنوبية للمدينة، إضافة إلى القتلى، عن 561 جريحاً.
كذلك أدان مكتب منظمة الصحة العالمية في ليبيا الذي لم يحدد عدد الضحايا المدنيين، عبر حسابه على تويتر "بشدة الهجمات المتكررة على العاملين في مجال الرعاية الصحية والمركبات والمرافق" في الأحياء المحيطة بالعاصمة طرابلس.
وفي هذا البلد الغارق بالفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011، تخشى المنظمات الإنسانية أن يكون المدنيون مجددا الضحية الأولى لأعمال العنف.
وعلى الأرض، يواصل معسكرا القتال الحديث عن إحراز تقدم، لكن في الميدان لا يبدو أي منهما قادرا على حسم المعركة حتى الساعة، حيث يحافظ كل من قوات حكومة الوفاق الوطني وتلك التابعة للمشير خليفة حفتر على مواقعه، واليوم الأحد استؤنفت المعارك على خطوط الجبهات المختلفة خصوصا في عين زارة والسواني في جنوب طرابلس.
13500 نازح
مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة أشار إلى أن المعارك تسببت بنزوح 13500 شخص بينهم 900 تم إيواؤهم في مراكز استقبال.
وذكرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا اليوم الأحد أن القانون الدولي يحظر بشكل كامل استهداف المدارس والمستشفيات وسيارات الإسعاف والمناطق الآهلة بالمدنيين. كما أكدت البعثة أنها تقوم "بمراقبة وتوثيق كافة الانتهاكات التي ارتكبتها" الأطراف المتحاربة "تمهيداً لإحاطة مجلس الأمن الدولي والمحكمة الجنائية الدولية" بها.
يأتي التحذير غداة غارة جوية نسبتها حكومة الوفاق الوطني لقوات "الجيش الوطني الليبي"، استهدفت مدرسة في عين زارة إلى الجنوب من العاصمة طرابلس، وهي منطقة تشهد مواجهات عنيفة منذ أيام عدة.
واتهم "الجيش الوطني الليبي" من ناحيته قوات حكومة الوفاق الوطني بشن غارة جوية واستهداف مدنيين في منطقة قصر بن غشير على بعد حوالى ثلاثين كيلومترا إلى الجنوب من العاصمة طرابلس.
وأشارت حكومة الوفاق الوطني إلى أن قواتها نفذت 21 غارة بين الجمعة والسبت على "مواقع عسكرية" تابعة لقوات "الجيش الوطني الليبي" وخطوط تموينها، بحسب الناطق باسم القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطنية العميد محمد قنونو.
وتحدث قنونو، مساء أمس السبت، عما وصفه بتقدم كبير على المحاور كافة خصوصا في مدينة العزيزية الواقعة على بعد خمسين كيلومترا إلى الجنوب من العاصمة طرابلس والتي تغيّرت الجهة المسيطرة على ثكنتها العسكرية مرات عدة. وقال قنونو "القوات المسلحة لم تبدأ هذه الحرب، لكنها هي من سيحدد زمان ومكان نهايتها". كما أعلن المتحدث الجديد باسم حكومة الوفاق الوطني مهند يونس من ناحيته أن القوات الموالية لها تستعد للانتقال من "مرحلة الدفاع إلى الهجوم".
وفي وقت لاحق مساء أمس السبت، أشار المتحدث باسم قوات المشير خليفة حفتر اللواء أحمد المسماري إلى أن "الجيش الوطني الليبي" يتقدم على المحاور كافة". وعاود المسماري الحديث عن "إرهابيين" و"مجرمين" يقاتلون في صفوف قوات حكومة الوفاق الوطني. وأشار إلى أن القرار لم يعد في يد السراج بل لدى "الإرهابيين".
من جانبه، دعا فايز السراج مساء أمس السبت إلى "الانتباه إلى حملات التضليل التي كان آخرها مشاركة مقاتلين ينتمون لتنظيمات إرهابية ضمن قواتنا". ونفى السراج في بيان "بشدة" هذا "الادعاء" معتبرا أن الهجوم الذي تشنه قوات المشير خليفة حفتر في اتجاه العاصمة "يشجع ويفتح الطريق لتنشيط الخلايا الإرهابية" لاستهداف جميع الليبيين "دون تمييز وفي كل المناطق".
وتعتمد حكومة الوفاق الوطني، التي أُعلنت في مارس (آذار) 2016 برئاسة فايز السراج، على مجموعة ميليشيات من أجل الحماية وضبط الأمن، وتقوم هذه الميليشيات بعدد من الأنشطة، تشبه دور قوات الأمن وحماية المؤسسات، وتصل إلى ترحيل المنافسين في الأراضي التي يتم الاستيلاء عليها، والضغط على المؤسسات المالية.
ومنذ 2011، تشهد ليبيا صراعا على الشرعية والسلطة يتمركز حاليا بين حكومة الوفاق في طرابلس (غرب)، وقوات حفتر التابعة لمجلس النواب المنعقد بمدينة طبرق.