بعد انقطاع غير معلن عن الأزمة الليبية، عادت الجزائر لـ "تشارك" في البحث عن حلول تنهي الصراع بين "الأخوة الفرقاء"، بعد أن تلقى وزير خارجيتها صبري بوقادوم، مكالمتين هاتفيتين من نظيريه التونسي عثمان الجرندي، والليبي من حكومة "الوفاق"، محمد الطاهر سيالة.
مكالمتان هاتفيتان وأحداث
وأكد بيان للخارجية الجزائرية، أن الوزير بوقادوم تناول مع نظيره التونسي الجرندي، مسائل عدة تتعلق بـ "العلاقات الخاصة والأخوية التي تربط البلدين الشقيقين"، إضافة إلى الوضع في ليبيا. كما أوضح أن المكالمة مع سيالة، شكّلت فرصة لمواصلة التنسيق والتشاور حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، خصوصاً الأوضاع في ليبيا، وكيفية الدفع بالعملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة. وجدد بوقادوم التزام الجزائر وتضامنها اللامشروط مع الشعب الليبي من أجل بلوغ حل سياسي داخلي للأزمة، بعيداً من أي تدخل أجنبي.
وتزامنت المكالمتان مع عودة الرئيس عبدالمجيد تبون بعد شهرين من العلاج في ألمانيا، ثم لقائه بعد أقل من 24 ساعة، قائد أركان الجيش السعيد شنقريحة، الذي سلمه تقريراً حول الأوضاع على الحدود، وفق ما جاء في بيان للرئاسة الجزائرية، وأيضاً ظهور "صقور" المؤسسة العسكرية مع رجوع وزير الدفاع الأسبق الجنرال خالد نزار من إسبانيا، التي لجأ اليها فاراً من متابعات قضائية، وبالتزامن أيضاً مع إعلان مغادرة رئيس جهاز الاستخبارات الفريق محمد مدين المدعو "توفيق" السجن العسكري، وهما اللذان يملكان كثيراً من الملفات والأسرار الأمنية والعسكرية، الأمر الذي دفع بالمراقبين إلى الاعتقاد بأن الجزائر ستكون لها كلمة في ما يتعلق بالأزمة الليبية خلال الأيام المقبلة.
بعث تفاهمات جديدة
وفي السياق، يعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، إدريس عطية، أن "الأشقاء في ليبيا وتونس ينتظرون ترتيب الأمور في الجزائر خصوصاً بعد عودة الرئيس تبون من رحلته العلاجية، التي فاقت الشهرين، وذلك من أجل بعث تفاهمات جديدة حول أمن المنطقة برمتها، وليس حلحلة الصراع في ليبيا فقط". وأوضح أنه مع ذلك ينبغي التأكيد على أن الجزائر تراقب بشكل دائم ومستمر الأوضاع الإقليمية والدولية، مشيراً إلى أن المقاربة الجزائرية كانت ولا تزال الأسمى والأهم التي تمتلك الفاعلية للأزمة، لتحقيق الأمن الجهوي وإعادة ترتيب الأوضاع في ليبيا، إلى جانب مساعدة تونس في التغلب على مشكلاتها الداخلية. وختم أن عودة الرئيس تبون، شكلت حالاً من الارتياح المشترك في الأوساط الجزائرية والتونسية والليبية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تحرك بعد صمت
والتزمت الجزائر "الصمت" على المستويات كافة إزاء مختلف جلسات الحوار المنظمة في الأشهر الأخيرة، لدرجة أن هناك من اعتبر التصرف "تغييباً متعمداً" من أطراف دولية وأممية، إذ استغربت جهات عدة غياب الجزائر عن حوار تونس، على الرغم من ترحيبها عبر بيان لوزارة خارجيتها، بعد أن تم تبرير عدم "اهتمامها" بجلسات بوزنيقة في المغرب، على أنها خطوة تندرج في سياق تجنب اتهامات بالتشويش على جهود الرباط، والمشهد نفسه ينطبق على حوار القاهرة.
وتعتبر الصحافية الباحثة في الجماعات الإسلامية والمهتمة بالشأن الليبي، ناهد زرواطي، أن الاتصالات المعلن منها والسرية ليست جديدة، فبالنسبة إلى المعلن عنها "لا ننسى أن الدستور الجزائري يضع الرئيس في خانة المركز، أي لا قرارات تُتخذ من دونه، وربما الركود الذي شهدناه من الدبلوماسية الجزائرية في المدة الأخيرة، سببه عدم قدرتها على تحريك الأمور في غياب الرئيس". وتابعت أنه بداية عام 2020 وصلت وفود كثيرة إلى الجزائر حتى أنه وصف المشهد إعلامياً بـ "الإنزال الدبلوماسي"، من إيطاليا إلى الفرقاء الليبيين إلى مصر، وحتى الأمين العام لجامعة الدول العربية، وعقدت الجزائر وقتها اجتماعاً لوزراء خارجية دول جوار ليبيا، كما قامت رئيسة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، ستيفاني وليامز، بزيارة الجزائر، من دون أن ننسى مشاركة الرئيس تبون في قمة برلين حول ليبيا، وغيرها من التحركات التي كانت ماراثونية في محاولة لتدارك جمود سنوات تسبب فيها النظام السابق.
حيادية مبالغ فيها
وتتساءل زرواطي، هل جاءت تلك التحركات بنتيجة؟ "أقول لا لأسباب عدة، أذكر منها الحيادية المبالغ فيها في الملف الليبي"، مشددة على أن الجزائر بدبلوماسيتها تقول إنها طرف محايد لن تدعم جهة على حساب أخرى، ولن تدخل في مستنقع الحرب، وفي الوقت نفسه يخرج وزير خارجيتها بوقادوم ليؤكد أن طرابلس خط أحمر بالنسبة للجزائر، "وهذا يحسب علينا وليس لنا". وأضافت أن الأطراف المتنازعة في ليبيا والتي "أعرفها جيداً بحكم عملي معها لسنوات"، عندما تأتي الجزائر فمن أجل الحصول على نوع من الدعم، لكنها تبقى لساعات تشرب القهوة والشاي، ولا تخرج بأي نتيجة إلا الحديث الدبلوماسي، "حديث ملَّ منه هؤلاء، لأنهم يجدون الأحسن في دول الجوار على غرار مصر مثلاً".
وتعتقد أنه يصعب جداً، إن لم يكن مستحيلاً، على الجزائر تدارك الوقت الضائع واللحاق بما يجري في ليبيا حالياً. وقالت، "فقدنا كثيراً من مصداقيتنا مع الأطراف الليبية، والدليل أن الأمم المتحدة عندما تفكر في جمعهم تذهب إلى دول الجوار وتستثنينا، على الرغم من أننا قدمنا طلبات كثيرة بعقد جلسات صلح"، مبرزة أنه خارجياً على الجزائر أن تطلب دعماً أكبر من حليفتها روسيا، "ليكون لنا مقعد في المناسبات الكبيرة الخاصة بالملف الليبي، ولا أعتقد أن هذا الدور قد تمنحه لنا أميركا أو فرنسا لحسابات داخلية وخارجية أيضاً".