بينما تتعمق أزمات تونس السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يسعى الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية) إلى حشد الدعم لمبادرته للحوار الوطني لإنقاذ البلاد من أزمتها، وقد وافق رئيس الجمهورية قيس سعيد على الإشراف على المبادرة.
وتهدف المبادرة إلى إجراء حوار وطني لإيجاد حلول سياسية واقتصادية واجتماعية لأزمات البلاد. فما هذه المبادرة؟ وما حظوظ نجاحها؟ وهل يمكن لرئيس الجمهورية أن يكون جامعاً لكل التونسيين وضامناً لنجاحها؟
وحدد الاتحاد العام التونسي ثلاثة مجالات في مبادرته، أولها الجانب السياسي، ويتركز حول تقييم شامل للنظام السياسي، وتقييم قانوني الأحزاب والجمعيات والهيئات الدستورية، وكذلك المجالان الاقتصادي والاجتماعي، وسبل استنهاض الدورة الاقتصادية، والحفاظ على السلم الاجتماعي في البلاد.
هيئة حكماء لإدارة الحوار
أكد الأمين العام للاتحاد، نور الدين الطبوبي، في تصريح صحافي، إثر لقائه رئيس الجمهورية قيس سعيد، أن المبادرة تقترح إرساء "هيئة حكماء"، تتولى إدارة "حوار وطني" يفضي إلى توافقات، لإنقاذ البلاد من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
من جهته، شدد رئيس الدولة على ضرورة إشراك ممثلين عن الشباب في الحوار، وفق معايير يجري تحديدها لاحقاً، واتفق على عقد جلسة عمل في غضون الأيام القليلة المقبلة، لتناول تفاصيل الحوار.
لا تلغي البرلمان والحكومة
كان متحدث الاتحاد العام سامي الطاهري، قد أكد في وقت سابق أن المبادرة "لا تلغي البرلمان أو الحكومة"، معتبراً أنه حوار مختلف عن الحوار الوطني الذي جرى في 2013، لأنه يعتمد تشخيصاً واقعياً للوضع الراهن في البلاد، إضافة إلى أن مبادرة الحوار تحمل المسؤوليات مباشرة للجهات المعنية والمسؤولة عن تدهور الأوضاع في تونس.
وفي عام 2013، شهدت تونس حواراً وطنياً بقيادة أربع منظمات كبرى في البلاد، وهي الاتحاد العام التونسي للشغل، واتحاد الصناعة والتجارة، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وعمادة المحامين، أفضى إلى استمرارية المسار الديمقراطي، وجنب البلاد وقتها الانزلاق في أتون العنف والفوضى، خصوصاً بعد حادثتي اغتيال الزعيمين السياسيين شكري بالعيد (6 فبراير (شباط) 2013)، ومحمد براهمي (25 يوليو (تموز) 2013).
المستبعدون من الحوار
ويعول الاتحاد العام التونسي للشغل على رئاسة الجمهورية حاضنة للحوار الوطني، لأنها الأقل تجاذبات سياسية، على الرغم من الانتقادات الموجهة إلى الرئيس، خصوصاً حول تصريحاته المثيرة للجدل بخصوص نزوعه نحو اتهام أطراف مجهولة وتحميلها دوماً مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في تونس من دون الكشف عنها أو مساءلتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتواجه المبادرة تحديات بالجملة، ما يطرح السؤال حول إمكانات نجاحها، خصوصاً أنها تستثني ائتلاف الكرامة (18 مقعداً في البرلمان)، نظراً إلى علاقته المتوترة بالاتحاد العام، الذي يعتبر الائتلاف مبيضاً للإرهاب، علاوة على تأكيد رئيس الجمهورية قيس سعيد، ضرورة عدم إشراك من سماهم "الفاسدين" في هذا الحوار، في إشارة إلى حزب "قلب تونس" الذي يقبع رئيسه نبيل القروي في السجن بتهم تتعلق بتبييض الأموال والفساد والتهرب الضريبي.
كما استبعدت أيضاً حركة النهضة التي دعت بدورها مؤخراً إلى حوار وطني، وذكر رئيس البرلمان راشد الغنوشي أن الحوار يجب أن يكون اقتصادياً واجتماعياً، ويجمع الحكومة والبرلمان والمنظمات الاجتماعية والمهنية والأحزاب السياسية.
صراع الرئاسات الثلاث
تعطي مبادرة الاتحاد "سلطة" عليا لرئاسة الجمهورية، على حساب بقية مؤسسات الحكم (البرلمان ورئاسة الحكومة)، وهو ما قد يغذي الصراع مجدداً بين الرئاسات الثلاث. وفي هذا السياق، طالب الصحافي والمحلل السياسي هشام الحاجي، الاتحاد العام، بـ"أن لا يصطف مع رئيس الجمهورية ضد أطراف سياسية بعينها"، تجنيباً لتونس "مزيداً من الصراعات".
واعتبر الحاجي أن "الحوار هو السبيل الأمثل لتفادي الانزلاق في العنف"، وخصوصاً وسط مؤشرات قوية على النزوع إليه، بعد أن احتدت الخلافات السياسية بين عدد من مكونات المشهد السياسي في تونس.
وبخصوص إمكانات نجاح المبادرة والعراقيل التي ستواجهها، قال "لن تكون في طريق سالكة نحو تخليص تونس من مشكلاتها، بالنظر إلى العلاقة المتوترة بين مكونات المشهد السياسي، ومؤسسات الحكم"، داعياً رئيس الجمهورية إلى أن يكون "جامعاً لكل التونسيين وحريصاً على الحوار من أجل إخراج البلاد من أزمتها".
رهان على الرئيس
من جهته، استبعد المحلل السياسي محمد بوعود، أن يكون رئيس الجمهورية ضامناً "لنجاح الحوار"، باعتباره "لم يعد مرجعاً يحتكم إليه جميع التونسيين"، خصوصاً من خلال خطاباته، بقدر ما صنف نفسه "طرفاً سياسياً"، يقصي البعض من الحوار، ويغلب طرفاً على آخر.
وأضاف "رئيس الجمهورية ورط اتحاد الشغل بوضع شروط إضافية لم تكن مطروحة أصلاً في المبادرة، مثل مسألة إشراك شباب من الجهات، لا يعرفهم الطيف السياسي، ولا يعرف انتماءاتهم. يبدو أنه لم يدعم المبادرة بقدر ما حاول تعطيلها".
وفي المحصلة، تبدو مبادرة الاتحاد أمام صعوبات عديدة، فيها ما هو متصل بالسياق السياسي، الذي جاءت فيه، والمتسم بانسداد أفق الحوار بين مكونات المشهد، علاوة على تأزم العلاقة بين مؤسسات الحكم، إضافة إلى أداء رئيس الجمهورية قيس سعيد، في علاقة بإدارة الأزمات، حيث لا يخلو خطابه السياسي من كيل التهم لأطراف سياسية من دون أن يكشفها، وهو ما يقلص من حظوظ نجاح هذه المبادرة على الرغم من نبل أهدافها.