يترقب تحالف "أوبك+" ما ستكشفه الأيام المقبلة حول كيفية التصدي لظهور السلالات الجديدة لفيروس كورونا المستجد، ومدى تأثيرها السلبي على الأسواق النفطية والتوقعات بشأن انخفاض الطلب مجدداً إذ فشلت التطعيمات في معالجة الطفرات الجديدة.
وفي هذا الشأن، قال مختصون نفطيون، إن سيناريو ضعف الطلب الذي حدث في النصف الأول من عام 2020 لن يتكرر أياً كانت تطورات الفيروس، فالعالم أجمع على عدم الإغلاق مرة أخرى، مؤكدين أن التطمينات الطبية ستكون عاملاً إيجابياً لدعم عملية التعافي الاقتصادي ونشاط الطلب.
وسيبدأ تحالف "أوبك+"، الذي يضم 23 دولة من منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" وروسيا وحلفاء آخرين، تخفيف تخفيضات الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يومياً اعتباراً من أول يناير (كانون الثاني) 2021، بينما من المقرر أن تجتمع "أوبك+" وحلفاؤها مجدداً في الرابع من يناير لمناقشة زيادة الإنتاج 500 ألف برميل يومياً إضافية.
وفي تقرير حديث، قال محللو "آر بي سي كابيتال ماركتس"، إن استعادة السوق توازنها لا يزال يعتمد بشدة على اتفاق مجموعة "أوبك+" بشأن الإنتاج.
وتضررت الصناعة النفطية خلال 2020 بضغط تداعيات الجائحة، إذ انخفضت أسعار الخام من قرب 70 دولاراً للبرميل في بداية العام إلى ما يقل عن 20 دولاراً للبرميل في أبريل (نيسان)، بينما ارتدت أسعار النفط بقوة من تلك المستويات المتدنية إلى قرب 50 دولاراً.
سيناريو ضعف الطلب
وفي هذا الشأن، قال محمد الشطي، المختص في الشؤون النفطية، إن سيناريو ضعف الطلب على النفط لن يتكرر مرة أخرى، والذي حدث في بداية عام 2020 وتسبب في تراجع غير مسبوق للطلب العالمي على النفط بسبب أمور عدة من بينها تأقلم العالم مع كورونا من خلال إجراءات التباعد والسلامة التي أثبتت فاعليتها على العموم، وقلصت معدلات تراجع الطلب بشكل كبير، ودعمت تعافي الطلب وعودة الحياة إلى طبيعتها، وأوجدت حالة من القدرة على التعايش من خلال تبني آليات لإنجاز كثير من الأعمال والتجارة عن طريق التواصل المرئي والاستغناء بشكل كبير عن التواجد في الجهات الحكومية والأسواق.
وأشار الشطي إلى أن إيجاد اللقاح لعلاج الفيروس والذي بدأ معه أخذ جرعات التطعيم في كثير من مناحي العالم بشكل مشجع، يساهم في التعامل مع الأوضاع الحالية ويدعم تعافي الحركة براً وجواً، وبالتالي تعافي الطلب على النفط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خطورة الموجة الجديدة
وحذر الشطي في الوقت نفسه من خطورة الموجة الجديدة للوباء، والتي ضربت أوروبا والولايات المتحدة مما سيكون له تأثير في تباطؤ معدلات تعافي وتيرة الطلب على النفط وهو ما يحدث حالياً، وأوضح أنه على الرغم من ذلك فإن الأجواء إيجابية، لكن تقديرات معدل تعافي الطلب العالمي على النفط تقلصت للعام 2021، فقد كانت في ما سبق بين ستة إلى سبعة ملايين برميل يومياً، بينما حالياً في ظل مخاوف حول السلالات الجديدة من كورونا، أصبحت توقعات تعافي الطلب على النفط خلال العام المقبل تدور بين ثلاثة إلى أربعة ملايين برميل يومياً.
أضاف المختص في الشؤون النفطية، "بلا شك، العام الجديد سيشهد تعافياً في الطلب على النفط، ولكن بوتيرة أقل، وبالتالي انهيار الأسواق قد تم تجاوزه، وجائحة كورونا يُتعامل معها على كل المستويات بإجراءات احترازية، والدول قد رصدت حزماً ماليه لدعم الاقتصاد وتجاوز آثار الجائحة السلبية".
وتوقع الشطي، أن تدور أسعار خام برنت القياسي حول 50 دولاراً للبرميل، مشيراً إلى أن المخاطر حالياً تدور حول ارتفاع المعروض وآفاق تعافي الإنتاج في عدد من الدول التي تأثر الإنتاج فيها بسبب ظروف فنية أو سياسية أو عقوبات دولية، وهذه يكون لها عوامل ضغط على الأسعار، ما يعني إمكان هبوط الأسعار إلى مستويات 45 دولاراً للبرميل أو أدنى، بناء على مستويات المخزون الناتجة عن ارتفاع المعروض، ورصد الشطي أن نشاط التكرير يعاني كثيراً في آسيا وأوروبا، وهو في حقيقة الأمر الآلية لاستيعاب حجم النفط المعروض في الأسواق، لكن استمرار ضعف نشاط التكرير يقلص الطلب ويضغط على الطلب على النفط أيضاً.
التزام جيد
وبحسب ما نقلته مصادر لوكالة "رويترز"، بلغ معدل التزام "أوبك+" باتفاق خفض إنتاج النفط مستوى 101 في المئة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذكرت المصادر أن امتثال الدول الأعضاء بـ"أوبك" بلغ 104 في المئة في نوفمبر، بينما وصلت نسبة امتثال الحلفاء، بما فيها روسيا إلى 95 في المئة، ومن المقرر أن تبدأ دول مجموعة "أوبك+" زيادة الإنتاج بنحو 500 ألف برميل يومياً اعتباراً من يناير الحالي.
أزمة إضافية
وفي السياق نفسه، قال أحمد نجم رئيس قسم أبحاث ودراسة الأسواق بشركة "أوربكس"، إن ظهور سلالات كورونا الجديدة قد يتسبب في أزمة إضافية لتحالف "أوبك+" ويتسبب في هبوط الطلب، إلا أن الإعلانات الطبية عن فاعليات اللقاحات ضد هذه السلالات عامل مطمئن لأسواق النفط.
وذكر نجم أن اضطرابات الأسواق استمرت يوماً واحداً ولكنها استقرت مرة أخرى، وفق ما أظهره مؤشر "فيكس" "VIX" الذي يقيس مدى الخوف والاضطرابات في الأسواق، وبالتالي لم يكن ظهور السلالة الجديدة مؤثراً بشكل كبير جداً، بدليل أنه حتى الآن، التقارير الطبية هي التي تؤثر بشكل كبير جداً، فمع ظهور السلالة الثالثة، النفط لم يعان ولم نشهد ارتفاعاً أو انخفاضاً لمؤشر "فيكس"، فالأسواق لم تعِر الإعلان أي انتباه.
وتوقع نجم أن تشهد الأيام المقبلة الحديث أكثر عن المتطوعين والأشخاص الذين حصلوا على اللقاح ومراقبتهم ومشاهدتهم ومتابعة الآثار التي ظهرت عليهم والآثار الجانبية الموجودة حالياً، وهو ما سيكون في الفترة المقبلة محط اهتمام وجذب الأنظار في المستقبل.
تماثل الإنتاج
أما بالنسبة لـ"أوبك+"، فأوضح أحمد نجم أن وكالة الطاقة الدولية ذكرت أنه سيكون هناك تماثل في الإنتاج والاستهلاك في نهاية الربع الأول من 2021، وبالتالي سوف نرى في الفترة المقبلة ارتفاعاً في النفط لأنه قبل التماثل الذي تحدثوا عنه، لدينا زيادة في معدل الاستهلاك العالمي ستصل إلى مليون برميل وانخفاض في معدل الطلب العالمي.
وقال نجم، إن وجود انخفاض في المخزونات بشكل واضح جداً يشير إلى أننا سنشهد ارتفاعاً بأول شهرين من 2021، ثم في شهر مارس (آذار) سنبدأ في مشاهدة الانخفاض من جديد، لأن التماثل في الإنتاج سيكون إنتاجاً متساوياً مع الاستهلاك، وسيكون بالتأكيد لدينا بعض الاحتياطات التي خُزِّنت بشكل كبير لذا سنبدأ في مشاهدة التراجعات.
وأكد أن المشكلة الكبيرة والأساسية التي كانت موجودة قبل أزمة كورونا وقد تعاود الظهور قريباً، هي مشكلة الإنتاج والحصص الإنتاجية التي من الممكن أن تؤثر على السوق في الفترة المقبلة.
أسعار ثابتة
وقال أحمد حسن كرم، محلل أسواق النفط العالمية، إنه مع ظهور سلالات جديدة مع كورونا وتحوره، أخيراً، بدأت أسعار النفط في الهبوط قليلاً متأثرة بهذه المعطيات، ولكن مع البدء بتوزيع اللقاح على نطاق واسع في دول العالم أصبحت أسعار النفط شبه ثابتة على ما هي عليه الآن، ومع التصريحات الطبية بأن اللقاح يقلل من الإصابة بالفيروس حتى مع تحوره، باتت هذه تطمينات للأسواق النفطية بأن تستقر أكثر وربما تعاود الأسعار في الصعود.
وأكد كرم أن "أوبك+" تتابع بحذر الأخبار الواردة حول لقاحات كورونا بتمعن، متوقعاً عدم تنفيذ أي تخفيضات إضافية أو زيادة في الإنتاج إلا بعد الدراسة الكاملة، لذلك المؤشرات توضح أنه لن تكون تخفيضات لضمان استقرار أسعار النفط وتحسنها مع نمو الطلب المرجح والمدعوم بالتطمينات الطبية.